الصراع الكردي- الكردي في شمال العراق.. تركيا ولعبة الوقيعة بين الأكراد لضرب PKK
كتبت ريهام الحكيم
بعد قتل خمسة من قوات “البيشمركة” الكردية التابعة لإقليم كردستان العراق وجُرح اثنان آخران، السبت 5 يونيو الحالي، إثر كمين نفذه عناصر من حزب العمال الكردستاني التركي PKK في كردستان ، قرب جبل متين في محافظة دهوك شمال العراق. عقبت وزارة البيشمركة على الحادثة بأن سلطة الإقليم قد حذرت مسبقاً بأنه يجب على الجميع احترام حدود الإقليم وعدم تعريض أمنه واستقراره للخطر.
في بيان رسمي ، بررت “قوات الدفاع الشعبي”، الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني التركي PKK ، الكمين بوجود تحرك لقوات “البيشمركة” إلى مناطق نفوذ ال PKK – أكراد تركيا – في جبال متين، معتبرة أن التحرك بمثابة “طعنة في الظهر” وأكدت عدم القبول بأي تحرك لقوات البيشمركة – أكراد العراق – في مناطق سيطرتها، لا سيما أنها مناطق حرب بينها وقوات الحكومة التركية.
وتحدث مسؤول في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في العراق إن ضربة جوية تركية أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل وإصابة آخرين ، في مخيم مخمور للنازحين الأكراد والذي يضم آلاف اللاجئين الأكراد الوافدين من تركيا.
طلبت سلطات كردستان العراق من الحكومة العراقية التدخل لوقف الهجمات المتكررة لحزب العمال الكردستاني التركي PKK ضد قوات “البيشمركة” الكردية العراقية في محافظتي أربيل ودهوك شمال العراق.
التصعيد بين قوات “البيشمركة” العراقية و الـ PKK التركية، هو مؤشر لصراع كردي كردي تحاول حكومة أربيل تجنبه قدر ما تستطيع. وهو ما دفعها للطلب من حكومة بغداد التدخل بشكل فاعل ومؤثر لحماية حدود الإقليم ووقف تلك الإعتداءات.
حكومة بغداد توعدت بالقصاص وإتخاذ أشد الإجرءات لوقف ما وصفته بـ”الإعتداءات” التي تنال من سيادة العراق وامنه، بإعتبار أن قوات “البيشمركة” هى أحد القوات التابعة للجيش العراقي. كما ندد البرلمان العراقي في بغداد إستهداف القوات الكردية العراقية “البيشمركة”.
حزب العمال الكردستاني التركي PKK رد على الاتهامات الموجه ضده، بأن قوات “البيشمركة” قد حاولت في أكثر من مرة أن تخترق مناطق نفوذه وتتوغل في معاقله.
حكومة كردستان – أكراد العراق – تتمتع بحكم ذاتي، و تعد حليفاً للولايات المتحدة و لكن الادارة الأمريكية لم تبدي أى رد فعل إزاء ما يحدث من توتر بين الأطراف.
تركيا تتخذ من قضية ملاحقة حزب العمال الكردستاني التركي PKK ذريعة لتبرير عملياتها العسكرية وإنشاء قواعدها العسكرية في شمال العراق
تنفذ تركيا باستمرار غارات جوية على قواعد خلفية لحزب العمال الكردستاني التركي PKK في المناطق الجبلية، شمال العراق، حيث يقيم معسكرات تدريب ومخابئ أسلحة وتقوم قوات خاصة أحياناً بعمليات توغل محدودة.
ويشن حزب العمال الكردستاني التركي PKK منذ عام 1984 تمرداً دامياً على الأراضي التركية، أوقع أكثر من 40 ألف قتيل.كما يرفض الـ PKK الاعتراف بحكومة كردستان العراق الكردية وينشط لإقامة دولة موحدة للأكراد في سوريا وتركيا والعراق وإيران.
وتثير العمليات التركية توتراً مع الحكومة العراقية، ويكرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التأكيد أن بلاده تعتزم معالجة مسألة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق إذا كانت بغداد “غير قادرة على القيام بذلك”.
وخلال زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى أنقرة في ديسمبر 2020، دعا أردوغان بغداد إلى تكثيف معركتها على الأرض ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني PKK.
فبراير 2020، شنت تركيا عملية أطلق عليها اسم “مخلب النسر-2” ضد متمردي حزب العمال الكردستاني المتحصنين في منطقة دهوك شمال العراق.
وصرح وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أن جنوداً أتراكاً عثروا على 13 جثة في كهف تمت السيطرة عليه في منطقة غارا، شمال العراق. حيث أُعدم الضحايا بالرصاص بعد إطلاق هجوم على الكهف من قبل عناصر الـ PKK ،كما يتهم أردوغان حزب “الشعوب الديمقراطي” الحزب المعارض بأنه “واجهة سياسية” لحزب العمال الكردستاني PKKداخل البرلمان التركي، وقد أوقف عشرات من نوابه ومسؤوليه منذ عام 2016.
وتقصف تركيا التي نشرت بحكم الأمر الواقع نحو 10 قواعد عسكرية منذ 25 عاماً في كردستان العراق، بانتظام المراكز الخلفية لحزب العمال في المناطق الجبلية شمال العراق.
تحركات أردوغان في شمال العراق أثارت مشكلات مع إيران التي تحظى بوجود سياسي وعسكري قوي في العراق، وحذر سفير إيران في وقت سابق ، بأنه ينبغي على القوات التركية ألا تشكل تهديداً أو تنتهك الأراضي العراقية، ما دفع أنقرة وطهران إلى استدعاء كل منهما سفيرها لدى الطرف الآخر.
وارتفعت وتيرة التصعيد في ابريل الماضي ، عندما نفذ الجيش التركي عملية عسكرية جديدة بأسم “مخلب البرق” ضد قواعد المسلحين الأكراد في شمال العراق، وشاركت فيها قوات خاصة مدعومة بطائرات مسيرة ومروحيات هجومية. قوات خاصة من الجيش التركي نفذت إنزالاً في منطقة متيناً من طائرات هليكوبتر، بينما ألقت طائرات حربية قنابل على أهداف لحزب PKK
وفي السليمانية شمال العراق، اعتقل العشرات من أكراد العراق المؤيدين لحزب العمال الكردستاني، بسبب تنظيم تظاهرة احتجاجاً على الهجوم التركي الأخير في كردستان العراق.
وأعلنت انقرة مؤخراً عن نيتها إنشاء قاعدة عسكرية في محافظة دهوك / شمال العراق، وتفقد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، برفقة رئيس الأركان العامة إحدى القواعد العسكرية في إقليم كردستان بدون الرجوع أو التنسيق مع حكومة العراقية.
وفي مطلع هذا الشهر، اتهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اللاجئيين الأكراد في مخيم مخمور ، الذي يقع على بعد 180 كيلومتراً جنوب الحدود التركية، ويؤوي لاجئين أتراكاً منذ أكثر من 20 عاماً، بأنه يعد “حاضنة” للمقاتلين المتمردين، المخيم أقيم في تسعينيات القرن الماضي عندما عبر آلاف الأكراد الحدود من تركيا.
ويتهم حزب العمال PKK أنقرة بالسعي إلى تكرار سيناريو سوريا في العراق. وشنت أنقرة في دمشق منذ العام 2016 ثلاث عمليات عسكرية وباتت تسيطر على 2000 كيلومتر مربع في الشمال. وفي كردستان العراق، قد تقوم أنقرة بإنشاء حزام أمني لقطع الطريق أمام مشروع كردستان بين سوريا والعراق وإيران وتركيا.
سنجار رهينة الصراع والوقيعة بين الأكراد
المصالح السياسية وتعقيد الخارطة السياسية والصراع والانقسام الداخلي بين القيادات السياسية الموجودة على الساحة العراقية، أسهمت في ديمومة بقاء حزب العمال الكردستاني التركي وكذلك الجيش التركي داخل الأراضي العراقية.
تقف الحكومة العراقية في موقف العاجز إزاء تقاسم النفوذ في شمال العراق بين القوى الإقليمية، ومدينة سنجار والتي كانت تسكنها غالبية أيزيدية، تحولت لمعقل لأجندات إقليمة وصراع كردي- كردي برعاية أطراف إقليمية.
مدينة سنجار، محافظة نينوى، والتي سقطت في قبضة تنظيم “داعش” عام 2014، ثم تحررت وتولت قوات “البيشمركة” السيطرة على المنطقة عام 2015 بمساندة مسلحين أكراد سوريين، وبدعم من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة. وتشكل تلك المدينة مثلثاً يجمع العراق بتركيا شمالاً وسوريا غرباً.
ومع تحرر المدينة ، استمرت معاناة النازحين من أهلها بسبب رفض الفصائل المسلحة التي تسيطر على المدينة عودتهم، ويقدر عددهم حوالى 90 ألف عائلة مهجّرة لا تستطيع العودة.
سنجار الان محتلة من قبل عناصر من حزب العمال الكردستاني التركي PKK ، بالإضافة إلى فصائل من قوات الحشد الشعبي الشيعية ، والتي أسهمت في معارك تحرير العراق من تنظيم “داعش” إلى جانب القوات الحكومية.
ولكن حكومة إقليم كردستان – أكراد العراق – تعتبر أن سنجار جزءاً من مناطق الحكم الذاتي الخاضعة لسيطرتها، لذلك لا تنظر بارتياح إلى وجود حزب العمال الكردستاني التركي PKK فيه.
وأدى وجود هذه التشكيلات المسلحة إلى عرقلة عودة النازحين لسنجار، وفي ظل عدم حضور كبير للحكومة العراقية ومنظمات الإغاثة الدولية، وهو ما جعل المدينة بؤرة لتجمع الأجندات المتضاربة والأطراف المتخاصمة.
وفي أكتوبر 2020، اتفقت حكومة بغداد مع حكومة إقليم كردستان على إدارة مشتركة في مدينة سنجارما عرف بـ “اتفاق سنجار” ، إستند الإتفاق إلى وجود قوات من الحكومة الاتحادية فقط وإخراج كل الفصائل المسلحة، وبينها قوات حزب العمال الكردستاني التركي. ولكن الواقع على الأرض كان أقوى من هذه الاتفاقات، فكل طرف في سنجار يرفض التخلي عن النفوذ والمكاسب التي حصل عليه.
وبين الحين والاخر ، تقدم أنقرة على تصعيد نبرة التهديد بقصف سنجار ومنطقة جبلية قرب سنجار ، لإخراج عناصر الـPKK منها، وهى التهديدات التي تعطي ذريعة لفصائل الحشد الشعبي للتمسك بالبقاء في سنجار ، فالفصائل الشيعية تعتبر سنجار محطة مهمة للوصول إلى سوريا، حيث توجد فصائل أخرى شيعية موالية لإيران تقاتل إلى جانب نظام بشار الأسد .
القيادات السياسية داخل إقليم كردستان ومواقفهم تجاه الـ PKK ليست على نمط واحد، فأكراد السليمانية لهم رؤية تختلف بشأن الـ PKK تختلف عن أكراد أربيل.
حزب العمال الكردستاني التركي PKKلا يعمل تحت لافتة واحدة، بل تحت لافتات متغيرة، ولكن بالمنهج ذاته، الذي يؤمن به، وعليه . وهو الرافض لهيمنة حزب الديمقراطي الكردستاني – أكراد العراق / أربيل – وتوسيع مساحة نفوذه السياسي والجغرافي.
أما الفصائل المسلحة الشيعية فتنتهج موقف متناقض، فالفصائل تهاجم القوات الأمريكية بحجة إحتلال الأرض ولا تهاجم القوات التركية التي تسلك سلوك الغزو. ولعل تناقض الموقف الذي تنتهجه الفصائل هو ما يعزز الحديث عن التوافق التركي – الإيراني. وهو ما يدفع كلاً من إيران وتركيا لعرقلة أى انفتاح للعراق على المحيط العربي أو الإقليمي و تجربة إقليم كردستان العراق هى التي تدفع للتنسيق بين تركيا وإيران ولذلك لتخوفهم من استنساخ التجربة.
و تقويض نفوذ حزب العمال الكردستاني التركي في شمال العراق، محط اعتراض من القوى الكردية الأخرى “فبعض الأحزاب الكردية مثل (أكراد العراق / السليمانية) وهى القوى التي تمتلك علاقات مؤيدة له، وترى تلك القوى أنه ليس من المصلحة الكردية تقويض هذا الكيان في الداخل العراقي.
وتظل الأراضي العراقية رهينة للغة السلاح الخارج عن سيطرة الدولة والتحالفات الإقليمية بين الأطراف المخلفة.