السيناريست نجيب محفوظ.. كواليس دخول أديب نوبل للسينما: حين رفض الأجر وأعاد 100 جنيه لفريد شوقي
كتب: عبد الرحمن بدر
قدم نجيب محفوظ، أديب نوبل، عشرات الأعمال للسينما، سواء بكتابة السيناريو، أوبتحويل رواياته لأعمال درامية وسينمائية وإذاعية، وفي ذكرى وفاة أديب نوبل المولود في 11 ديسمبر 1911 بالقاهرة والذي رحل مثل هذا اليوم عام 2006 ، نتعرف على قصة محفوظ مع السينما.
في حوار لمجلة «الكواكب» فى السادس والعشرين من يوليو 1966، أجراه معه الصحفى عبدالفتاح الفيشاوى، تحدث نجيب محفوظ عن السينمائية وجاء تحت عنوان «أنا والسينما».
محفوظ قال إنه شاهد السينما لأول مرة سنة 1918، وقال إن صلاح أبوسيف اتصل به بعد إعلان الحرب العالمية الثانية يطلب منه المشاركة فى كتابة سيناريو فيلم «زواج عنتر وعبلة»، وإلى جزء من هذا الحوار النادر الذى بدأه الكاتب الصحفى بسؤال نجيب محفوظ عن السينما، فأجاب.
بالنسبة للرؤية كان ذلك فى عام 1918 على ما أذكر إذ شهدت أول فيلم فى حياتي بسينما الكلوب الحسيني، وأذكر بعد خروجي من السينما أن درت حولها باحثاً عن الأبطال الذين ظهروا على الشاشة اعتقاداً منى أنهم حقيقيون.
ويضيف: أما بالنسبة للممارسة لم أسع إلى السينما على الإطلاق، ولم أفكر فى الكتابة لها، وإن حكايتى بدأت مع السينما بدأت فى شهر سبتمبر 1939 حين اتصل بى صلاح أبوسيف بعد قراءة رواية «عبث الأقدار»، واكتشف عندى موهبة كتابة السيناريو.
ويواصل أديب نوبل: في سنة 1946 استدعاني عن طريق صديق هو المرحوم فؤاد نويرة، شقيق المؤلف الموسيقى عبدالحليم نويرة، وطلب منى أن يتعاون ثلاثتنا في تأليف سيناريو «زواج عنتر وعبلة»، وقلت للصديق «صلاح» لا أعرف معنى كلمة سيناريو فكيف أكتب سيناريو؟، لكنه حسم الموقف بأننا سنعمل معاً وسأعرف عن طريق العمل طبيعة السيناريو ووافقت، وطلب منى أن أكتب القصة فى «صفحتين تلاتة»، وكتبتها وأعتقدت أن هذا هو السيناريو، لكنه عاد وطلب منى كتابتها فى نحو ثلاثين صفحة، واعتقدت للمرة الثانية أن هذا هو السيناريو، لكنه طلب منى للمرة الثالثة أن أحول النقاط إلى مقاطع فيها حركة وحدة، ونفذت ما أمرنى به معتقداً للمرة الثالثة أنه السيناريو، لكنه عاد وطلب أن أقطع ما كتبت إلى مشاهد متتابعة، وكل مشهد له حركته وحواره، دون ان أعتقد أن السيناريو قد تم أفهمنى صلاح أبوسيف أن السيناريو انتهى، ثم اشتغلت مع صلاح أبوسيف فى سيناريو «المنتقم»، و«لك يوم يا ظالم»، و«ريا سكينة».
وكنت أتقاضى مائة جنية عن السيناريو، وكان الأدب لا يغطى حياتى، ومرتبى أيضاً كان قليلاً.
وعن الروايات التى ألفها للسينما قال محفوظ إنه ألف روايات «درب المهابيل» و«فتوات الحسينية» و«ريا وسكينة».
نجيب محفوظ والسينما
حصاد نجيب محفوظ في تراث السينما المصرية لا يدانيه حصاد كاتب روائي آخر. ويعد محفوظ أكثر روائي قدمت السينما أعماله، حيث قدمت السينما المصرية 27 فيلماً عن 19 رواية له، وكانت السينما تقدم روايات محفوظ، بشكل يناسب الحالة السائدة في المجتمع.
وكان محفوظ أقرب الأدباء المصريين إلى السينما، حتى إن الناقد اللبناني إبراهيم العريس أطلق عليه «أديب السينمائيين وسينمائي الأدباء». ويذكر لنجيب محفوظ أنه أول روائي مصري تخرج روايته إلى السينما العالمية، فقد قدمت السينما المكسيكية فيلمين عن روايتيه «زقاق المدق»، و«بداية ونهاية».
بدأ محفوظ العمل في المجال السينمائي مع نهاية المرحلة التاريخية في أدبه، حيث التقى بالمخرج صلاح أبوسيف الذي لقب بـ«مخرج الواقعية» على غرار نجيب محفوظ في الأدب، وعرض عليه أن يكتب للسينما. أول تجربة له في الكتابة السينمائية كانت فيلم «مغامرات عنتر وعبلة» عام 1945، وتوالت أعماله بعد ذلك، فقد كتب سيناريوهات لستة وعشرين فيلما من عيون السينما المصرية في تلك الفترة، سواء بمفرده أو بمشاركة بعض المخرجين. وفي عام 1960، التفتت السينما إلى أعماله الروائية وتم تحويلها لأفلام. وكانت البداية مع فيلم «بداية ونهاية»، إخراج صلاح أبوسيف، الذي يناقش قضية الطبقات الاجتماعية في مصر. ويمكن تقسيم علاقة نجيب محفوظ بالسينما إلى أربع مراحل:
المرحلة الأولى هي مرحلة سيناريوهات للآخرين، امتدت 15 سنة بداية من فيلم «مغامرات عنتر وعبلة» إلى فيلم «جميلة الجزائرية» (1959). ومن أفلام تلك المرحلة: «لك يوم يا ظالم» و«ريا وسكينة»، و«الوحش»، و«شباب امرأة»، و«الفتوة بين السماء والأرض»، و«جعلوني مجرماً».
أما المرحلة الثانية فكانت مرحلة الرواية، وفيها استفادت السينما من أعماله الروائية. كانت بدايتها مع «بداية ونهاية» (1960)، وصولا إلى «السكرية» (1973). من أفلام هذه المرحلة: «اللص والكلاب»، و«خان الخليلي»، و«ميرامار»، و«الحب تحت المطر»، و«الكرنك». والملاحظ أن نجيب محفوظ لم يكتب سيناريوهات للأفلام المقتبسة من رواياته.
المرحلة الثالثة كانت مزيجاً من المرحلتين الأولى والثانية، بدايتها مع قصة قصيرة بعنوان «صورة» إلى فيلم «الجحيم» عام 1978. تنوعت ما بين كتابته للسينما وتوظيف رواياته لذلك أو قصصه القصيرة، مثل: «أميرة حبي أنا»، و«التوت والنبوت»، و«الحرافيش»، و«أهل القمة» وغيرها.
أما المرحلة الرابعة فاعتمدت على قصص محفوظ القصيرة، وكانت البداية مع فيلم «الشريدة» عام 1980، وصولا إلى «أصدقاء الشيطان» عام 1988، وهناك بعض الأفلام بعد حصوله على جائزة نوبل، ولكنها قليلة.
وفي الفيلم الوثائقي “نجيب محفوظ.. صاحب نوبل” تحدث الكثير من رفقاء رحلة محفوظ عن مشواره الأدبي والسينمائي.
وقال الفنان الراحل فريد شوقي، إن علاقته بمحفوظ بدأت بعد أن قرأ رواية “بداية ونهاية”، التي قرر بعدها شرائها من “محفوظ” لتحويلها إلى عمل فني، مشيرًا إلى أن نجيب محفوظ كان يعمل في قسم “الرهونات” في وزارة الأوقاف.
وتابع، أنه كان يقوم ببطولة فيلم “جعلوني مجرمًا” واستعان بمحفوظ، لإعادة كتابة وضبط شخصيات الفيلم، وتم الاتفاق معه على مبلغ 100 جنيه كأجر، دفعها له على 4 أقساط، بواقع 25 جنيهًا لكل قسط.
وأضاف أنه كان يجتمع مع نجيب محفوظ والمخرج السيد بدير 3 مرات في الأسبوع، مشيرًا إلى أنهم ظلوا يعملون لمدة 7 أشهر على السيناريو، وفي نهاية العمل أعطاه نجيب محفوظ ظرف يحتوي الـ100 جنيه التي تقاضاها، لأنه تعلم منه ومن المخرج السيد بدير، ما لم يكن يعرفه عن كتابة السيناريو، وأقسم محفوظ أن يرد الأجر الذي تقاضاه.