السيسي: دساتير بلادنا يجب أن تخضع دومًا للمراجعة والتحديث
كتب: عبد الرحمن بدر
قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، السبت، إن “دساتير بلادنا يجب أن تخضع دوما للمراجعة والتحديث، بما يتواكب مع التحديات ومن خلال عالم تتطور ملامحه بشكل سريع”.
ودعا السيسي، خلال الاجتماع التحضيري لرؤساء المحاكم والمجالس الدستورية الإفريقية عبر تقنية الفيديو، كافة الأطراف المشاركة إلى التباحث لمواجهة التحديات التي تواجه القارة الإفريقية.
كما أكد على ضرورة “العمل بصورة جماعية لوضع قواعد دستورية مشتركة، بما يدعم رؤيتنا”.
وإلى نص كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي لاجتماع القاهرة رفيع المستوي لرؤساء المحاكم الدستورية والمحاكم العليا والمجالس الدستورية الافريقية.
السادة القضاة الأجلاء،
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
يسعدني أن أتوجه بالتحية إليكم اليوم، بصفتكم خيرة العقول القانونية لقارة إفريقيا، في الوقت الذي يجري فيه الإعداد لاستقبالكم من جديد بالقاهرة قريباً؛ وهو التقليد الذي أرسيناه على مدار السنوات الخمس الماضية لجمع شمل الهيئات القضائية العليا في إفريقيا تحت مظلة واحدة في القاهرة. ويأتي اجتماعكم اليوم في ظل ظروف غير عادية عمت دول العالم. فإفريقيا، مثل باقي دول العالم، تواجه العديد من الصعوبات في التعامل مع تداعيات جائحة كورونا.
من هنا؛ فإن الوضع الراهن يحتم علينا التفكر والتدبر بصورة جماعية في كيفية التعامل مع التحديات الناشئة عن الجائحة من منظور قانوني ودستوري؛ إلى جانب التحديات التقليدية الأخرى وعلى رأسها التعاون من أجل مكافحة الإرهاب، حيث أنه يعوق مسيرة التنمية والاستقرار، وبالتالي يستدعي مساهمتكم من خلال آليات القانون الدستوري للقضاء على هذا الخطر الداهم بكل الطرق الممكنة، وبصفة خاصة في إطار سعينا لجعل إفريقيا قارة عظيمة ومتناغمة وموحدة. وليس لدي أدنى شك في أننا نأمل جميعاً أن تسفر تلك الجهود عن فوائد جمة لكافة الشعوب الإفريقية، وللأجيال القادمة من الشباب والشابات في قارتنا العريقة.
وتتمثل أهم التحديات الناشئة عن جائحة كورونا في التوجه المتسارع، وغير المسبوق، نحو التحول الرقمي في مجتمعاتنا، وعملية إصلاح وإعادة تأهيل نظم الرعاية الصحية؛ وعملية التحول نحو الاقتصاد الأخضر، حيث يتطلب التعامل مع تلك المتغيرات تأملاً وتفكيراً عميقاً، وذلك لتأمين توافر البنية التحتية الدستورية العصرية القادرة على التعامل مع التحديات الناجمة عنها، بما فيها تنظيم التعاملات والتفاعل الرقمي للأفراد والكيانات الخاصة، وهو ما يشمل ضبط الإطار القانوني المنظم للتعامل مع موضوعات عديدة، من أهمها الأمن المعلوماتي، والحوكمة القانونية لوسائل التواصل الاجتماعي ومحتواها الذي يؤثر بصورة كبيرة على الداخل والخارج، والأطر القانونية المنوط بها تنظيم عمل المنصات الإلكترونية، بالإضافة إلى الأطر القانونية المعنية بتنظيم التعامل مع قواعد البيانات الضخمة، والمعلومات الشخصية لمواطنينا.
ولقد قامت جمهورية مصر العربية في السنوات القليلة الماضية باتخاذ خطوات فاعلة نحو توفير البنية التحتية اللازمة لتحقيق التحول الرقمي للخدمات الحكومية، وهو ما انعكس إيجاباً على جودة هذه الخدمات في مجالات متعددة، وعلى سرعة تقديمها للمواطنين، وذلك في إطار رؤية شاملة نحو تحقيق التحول الرقمي الكامل لمنظومة العمل والخدمات الحكومية، وتشجيع القطاع الخاص على ذلك التحول أيضاً، وهي الخطوات التي برزت أهميتها في ظل انتشار جائحة كورونا.
على جانبٍ آخر؛ تُعد عملية تطوير وإعادة تأهيل نظم الرعاية الصحية أحد أهم تلك التحديات أيضاً، حيث يوجد العديد من المعضلات الأخلاقية والقانونية التي تفرض نفسها على تلك العملية في مسائل عديدة، منها حق الحصول على الخدمات الصحية، بما في ذلك الدواء والتطعيمات اللازمة، وعمليات التسعير والتوزيع، والقواعد القانونية المنظمة لعمليات إقرار ترخيص الأدوية واللقاحات، واختبارها، وإنتاجها، في ظل ظروف طارئة قهرية تتفشى فيها الجائحة، وكل ذلك يحتم وجود قواعد دستورية وقانونية راسخة وواضحة تساهم في عملية تنظيم القواعد والإجراءات المتبعة لمواجهة التحديات التي تفرضها تلك الظروف الاستثنائية.
ولقد كان لمصر رؤية جامعة ومنهجية نحو النهوض بمنظومة الرعاية الصحية، والارتقاء بجودة خدماتها التي تقدمها للكافة، بوصفها إحدى ركائز وأهداف التنمية المستدامة، فقد عملت أجهزة الدولة المعنية على تطويع سبل التحول الرقمي للخدمات الطبية والعلاجية، للارتقاء بمستوياتها وفقاً لأعلى المعايير الدولية، وذلك من خلال تطوير المنظومة التكنولوجية والمؤسسية لمنشآت الرعاية الصحية، والاستعانة بها في تنفيذ المشروعات القومية الصحية، والتي يأتي على قمتها مشروع التأمين الصحي الشامل، والذي يهدف إلى توفير الخدمات الصحية لكافة أفراد الأسرة المصرية.
كما تمثل عملية التحول نحو الاقتصاد الأخضر تحدياً كبيراً أيضاً لدول القارة الإفريقية، والتي سيكون عليها مواجهة هذا التحول الذي سينعكس عاجلاً على النظام التجاري الدولي بصورة من شأنها التأثير سلباً على تلك الدول التي لا تتخذ إجراءات عملية لتحقيق هذا التحول، وما يترتب على ذلك من آثار قانونية.
السيدات والسادة،
إن دساتير بلادنا هي وثائق قانونية حية ترشد وتوجه جميع الجهود التشريعية والقانونية، والأنشطة الاقتصادية والسياسية، في التعامل مع مختلف التحديات السالفة الذكر. كما أنها يجب أن تخضع دوماً للمراجعة والتحديث، لتقدم أفضل توجيه وإرشاد ممكن لشعوبنا ومجتمعاتنا، من خلال تعاملها مع عالم تتطور ملامحه في ظل بيئة اقتصادية واجتماعية وسياسية وقانونية سريعة التغير.
وعليه؛ فإنني أدعوكم اليوم، كخيرة العقول القانونية الإفريقية، إلى التباحث حول تلك التحديات عند تشريفكم مصر خلال شهر يونيو القادم، وإلى التشاور مع الخبراء الدوليين، وكافة الجهات الدولية المعنية ذات الاختصاص الفني في تلك الموضوعات، والعمل بصورة جماعية نحو وضع قواعد دستورية إفريقية مشتركة للتعامل مع تلك التحديات، بما يدعم رؤيتنا المشتركة نحو بناء مستقبل موحد، ومتناغم، وزاهر لإفريقيا.
كما أدعوكم في هذا السياق أيضاً إلى الاستفادة من المنصة الرقمية القضائية الأفريقية، والتي تم إطلاقها في القاهرة، وفقاً لما اتفقتم عليه في اجتماعاتكم السابقة، في التواصل، والتباحث، حول تلك الموضوعات المهمة بما يأتي بالنفع والخير على إفريقيا، ومستقبل شعوبها.
وأود أن أعرب في نهاية حديثي عن تمنياتي بنجاح اجتماعكم التحضيري اليوم، وتطلعي لرؤيتكم جميعاً عند تشريفكم مصر لحضور اجتماعكم الخامس رفيع المستوى قريباً إن شاء الله.
أشكركم على حسن الاستماع…
تحيا مصر، وتحيا إفريقيا…
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.