الذكرى الأولى لرحيل «رجل أحب أيامه».. محطات بحياة وحيد حامد وأبرز أعماله ومعاركه ونبوءاته(بروفايل)
كتب: عبد الرحمن بدر
تحل اليوم الذكرى الأولى لرحيل الكاتب والسيناريست وحيد حامد أحد أهم كتاب السينما والدراما خلال العقود الماضية، حيث قدم عشرات الأفلام الناجحة وعدد كبير من المسلسلات المميزة، بالإضافة لمقالاته في عدة صحف.
خلال مسيرته الممتدة أخلص ابن محافظة الشرقية لمشروعه وفنه، فنال احترام وحب الجميع حتى من اختلفوا معه، وتميزت أعماله بقوة جملة الحوار عنده على كل العناصر الأخرى في العمل الفني، فعندما تشاهد الإنسان يعيش مرة واحدة أو اضحك الصورة تطلع حلوة أو طيور الظلام أو كشف المستور والإرهاب والكباب وغيرها من أعمال متميزة تدرك أن الحوار هو البطل، حتى في وجود عمالقة أمثال عادل إمام وأحمد زكي أو أحمد راتب ويسرا يبقى الحوار في المرتبة الأولى، وهي سابقة لم يصل لها كاتب من قبل.
وربما ساعد وحيد حامد في كتابة حوار قوي وكلمات منسوجة بعناية أن بدايته كانت في الإذاعة من خلال عدة مسلسلات كتبها من بينها طائر الليل الحزين الذي تحول لفيلم سينمائي حمل نفس الاسم فيما بعد، وقانون ساكسونيا الذي تحول لفيلم حمل اسم الغول بعد ذلك.
ولأن الإذاعة تعتمد على الصوت وجملة الحوار وبعض المؤثرات الصوتية فقد تميز حامد بأنه صاحب كلمات لها وقع مختلف، يحفظها الناس ويرددونها في الشوارع والأماكن الراقية والحارات الشعبية.
بحبكم وحبيت أيامي.. رسالة وداع في الظهور الأخير
“بحبكم وحبيت أيامي وأمنيتي مصر تفضل منورة بالفن والسينما”، كانت هذه هي كلمات وحيد حامد في آخر ظهور الأخير أثناء تكريمه بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي العام الماضي وقبل أقل من شهر على رحيله.
كان الراحل وحيد حامد، الوجه الأبرز، وتم تكريمه واستقباله بحفاوة شديدة، أمام جموع من الفنانين والكتاب وغيرهم من المثقفين، وبكى كثير من الفنانين والحضور أثناء تكريم المبدع الكبير وسط تصفيق حاد استمر عدة دقائق.
وقال وحيد حامد في كلمته أثناء تكريمه: “أنا بشكر حضراتكم جدًا، علشان انتوا من عشاق السينما، إلى أنا حبيتها بقدر كبير جدًا من الإخلاص والتفاني، وأعتقد إن أنا ممكن تفتكروني بأفلام أسعدتكم بقدر ما، أنا بشكر كل الذين تعلمت منهم، وكل واحد اتعلمت منه أو علمني، هما كتير علشان المشوار طويل، وكان من الصعب جدًا، إن أنا أقف في مكاني ده لولا حبكم، ولولا دعمكم، ولولا حبكم للسينما وللمخلصين للسينما”.
وتابع: “أنا بشكر فرسان وقفوا جنبي في مشواري الطويل، أسماء عظيمة في مجال التمثيل والإخراج والنقد، تحية للراحل يوسف شريف رزق الله، إلى اتعلمنا، أنا أذكر أنه أول واحد اصطحبني إلى مهرجان كان لمدة سنوات طويلة وكان صاحب فضل كبير جدًا”.
وأضاف: “”أذكر من أصحاب الفضل مصطفي أبو حطب اللي علمني أكتب كلمة حوار، أشكر المنتج والمؤلف المسرحي سمير خفاجة صاحب الفضل عليا، يا جماعة أنا حبيت أيامي، علشان اشتغلت مع نجوم كبار ومحترمين، أنا عشت في زمن جميل، زمن فيه صلاح منصور، وأمينة رزق، ومحمود مرسي، واشتغلت مع مخرجين كبار أفادوني واتعلمت منه سمير سيف وعاطف الطيب، انا لو عديت النجوم الكبار الي اشتغلت معاهم، يسرا، نبيلة، نادية، منه، مني، أنا الحمد لله عشت أجيال متعددة وليا صديق الى شاركني اغلب افلامي أستاذ شريف عرفة وطول عمره كان سند قوي جدا بالنسبالي”.
واختتم حامد حديثه قائلاً: “لو انا ذكرت كل الناس، مش هفتكر، أنا بحبكم جدا وحبيت أيامي وأنا عايش في السينما الجميلة، وأتمنى للكل التوفيق والنجاح، وتفضل مصر منوره بالفن والسينما الجميلة”.
قدم وحيد حامد للسينما عشرات الأفلام المميزة والمهمة، ودخل في معارك رقابية متعددة بسبب جرأة أعماله في مناقشة ورصد الواقع.
ومن أشهر أفلامه: طيور الظلام، والبريء واضحك الصورة تطلع حلوة والغول وكشف المستور، وعمارة يعقوبيان.
وجرى تكريم حامد في الدورة الـ42 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، العام الماضي، وحصل على جائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العمر، وهو التكريم الذي أسعده، وأهداه لكل من ساعدوه ووقفوا إلى جواره في بداية المشوار.
صراع مبكر مع الرقابة:
خاض المبدع الكبير الراحل وحيد حامد العديد من المعارك مع الرقابة، وقدمت الكثير من أعماله استشرافًا للمستقبل، وصارت جمل الحوار بالعديد من أعماله أمثله يرددها الناس في الشارع، مثل أنت ابن مين في مصر، وإحنا غلابة قوي يا سيد، وغيرها.
بدأ حامد صدامه مع الرقابة في فيلم “الغول” بطولة عادل إمام وفريد شوقي ونيللي بسبب الحديث عن دعوة الفيلم لحدوث ثورة في البلد، ولجوء البطل إلى الحل الفردي للدفاع عن الضحايا بعدما عجز عن أخذ حقهم بالقانون، كما أن مشهد مقتل الفنان فريد شوقي تم تشبيهه بمشهد مقتل الرئيس الراحل أنور السادات في المنصة، وأن الكاتب يريد أن يقول بأن السادات يستحق ما حدث له، لكن وحيد حامد نفى في وقت لاحق قصده السادات في المشهد الشهير، وأن التشابه جاء بالمصادفة.
في فيلم البرئ 1986 تحدث وحيد حامد عن القمع وانتهاك حرية الإنسان، من خلال شخصية أحمد سبع الليل الفلاح البسيط الذي يدخل الخدمة العسكرية، لينقل لنا وحيد حامد وعاطف الطيب صورًا جرئية أثارت غضب جهات سيادية من بينها وزارة الدفاع، وتدخلت الرقابة لحذف العديد من مشاهد الفيلم.
كانت البداية اعتراض من وزارة الدفاع، بعد أن تقدّم أحد الأشخاص بشكوى يتهم فيها صناع الفيلم بتصويره داخل معتقل حقيقي، وهو ما يعد إفشاءً لسر عسكري، وبعدها طالبت أيضًا وزارة الداخلية منع العمل، بحجة أن أبطاله يرتدون نفس الملابس التي يرتديها جنود وضباط الأمن المركزي. وظل الفيلم ممنوعًا من العرض لسنوات عديدة، قبل أن يتم عرضه كاملا بعد ثورة 25 يناير.
في فيلم كشف المستور دخل الكاتب منطقة شائكة فجميع الأفلام التي كانت تتحدث عن انحرافات المخابرات والأجهزة الأمنية في عصور زمنية سابقة، لكن المفاجأة في هذا الفيلم أن الأزمة التي تتعرض لها البطلة نبيلة عبيد تقع في زمن معاصر، وأن الأجهزة تريد أن تعيد تجنيدها للإيقاع بشخصية هامة لممارسة الجنس معه، وهنا يبدأ الصراع الذي ينتهي بمقتلها، وخلال الفيلم نرصد عالمًا من الاستغلال واتخاذ الدين غطاء لتحقيق أرباح.
ويتطرق الفيلم للعبة التسريبات وكيف يتم استخدامها مع الخصوم السياسيين، وذلك على لسان يوسف شعبان بقوله: “كلنا لينا تسجيلات بس بتظهر في وقت معين محدش فينا من غير أخطاء”.
وفي 2006 شكل مجلس الشعب لجنة برلمانية لتقييم فيلم “عمارة يعقوبيان” أثناء عرضه في يوليو 2006، بعد أن تقدم 112 نائبًا بطلب إحاطة، يطالبون فيه بوقف عرضه لاحتوائه على مشاهد جنسية صارخة تنافي القيم الأخلاقية للمجتمع المصري، بحسب قولهم.
“أنا موظف مزلقان غلبان لو حصل أي مصيبة هشلها أنا، أنا من الشعب يا ست هانم أنا مش منكم”، بهذه الكلمات لخص السيناريست وحيد حامد حوادث القطارات في مصر، على لسان عادل إمام في فيلم “المنسي” وهي الواقعة التي تكررت في أغلب حوادث القطارات في السنوات الأخيرة، حيث يتم تحويل بعض العمال ليكونوا كبش فداء وترك المسؤولين الكبار.
في مسلسل العائلة تعرض وحيد حامد لهجوم عنيف بسبب جملة حوار عن عذاب القبر، قالها محمود مرسي، وتدخل وزير الإعلام وقتها صفوت الشريف، وتم إضافة مشهد لشيخ أزهري يشرح المسألة كحل لاستئناف عرض المسلسل.
أصيب الكاتب الكبير وحيد حامد عام 2000 بمرض القلب، بسبب الضغط الكبير والهجوم الذي تعرض له في بسبب مسلسل “أوان الورد”.
حيث ناقش المسلسل قصة فتاة مسيحية تحب مسلم وتتزوج منه” أدت بطولته الفنانة يسرا وعبدالرحمن أبوزهرة وسميحة أيوب وتولي إخراجه سمير سيف، ثار رجال الدين المسيحي على وحيد حامد وقالوا إنه يحرض الفتيات المسيحيات على الحب والزواج من مسلمين، وانتهت الأزمة بتدخل البابا شنودة الذي أقنع الغاضبين أن المسلسل لا يسئ للمسيحيين.
نبؤات تتحقق بعد سنوات:
للمبدع الراحل الكثير من النبؤات التي تحققت ففي فيلم طيور الظلام بتسعينيات القرن الماضي توقع أن يدخل يقبع رموز نظامي حسني مبارك والإخوان السجن في وقت واحد، وهو ما تحقق بعد 30 يونيو 2013.
ويحكي فيلم طيور الظلام عن ثلاثة أصدقاء منذ الطفولة، أصبحوا فيما بعد محامين: فتحي نوفل (عادل إمام) يتحول من صاحب موقف إلى انتهازي قافز على سلالم الفرص المتنوعة، وأهمها المالية، ليصبح مدير مكتب أحد الوزراء النافذين بالحزب الوطني الحاكم، فيغنم ويصبح شهيرا بعد أن كان يجهد ليحصل على لقمة العيش، أو ”غير ذلك” من المتع.
وعلي الزناتي (رياض الخولي) الذي يعمل محاميًا لدى الجماعات الدينية، ومحسن، الذي يتمسك بمبادئه ويرفض أن يشارك في أي من عمليات الخداع أو النصب، ورغم التناقض الشديد إلا أن علاقة الصداقة بينهم لم تنقطع.
واعترض الإخوان على الفيلم وتم رفع دعاوى قضائية ضد وحيد حامد وضد العمل.
وفي فيلم النوم في العسل، تنبأ حامد بالتظاهر أمام البرلمان والصراخ بكلمة (آآآه) وهو الهتاف الذي تحقق في نفس المكان بعد عدة سنوات عقب ثورة 25 يناير بطريقة مقاربة تمامًا للطريقة التي تم عمل الفيلم بها، وحكي وحيد أن التصوير كان مقررًا له أن يكون في ميدان التحرير لكن دواعي أمنية منعت ذلك.
وعقب 30 يونيو زار وفد من حقوق الإنسان سجن طرة لتفقد أحوال المحبوسين، وكانت المفارقة تكرار مشهد الإشادة بالطعام وتناول الأرز بنفس الطريقة والكيفية التي قدمها وحيد وعاطف الطيب في فيلم البريء، وهي الواقعة التي أثارت وقتها الكثير من الانتقادات، وتم تداول صورًا من الفيلم والواقعة لتبين حجم التشابه بينهما.
ومع بداية أزمة وباء كورونا الذي مازلنا نعاني منه لجأ متابعون على مواقع التواصل لفيلم النوم في العسل، وطريقة تعامل وزير الصحة في ذلك الوقت مع الأزمة بالفيلم، مع طريقة تعامل المسؤولين.
وزير الصّحة (نظيم شعراوي) في خطابه داخل الفيلم أنكر فيه ما يشاع عن القدرة الجنسية للمصريين، ويلجأ للحديث عن نظرية المؤامرة ونشر الشائعات، ويطالب بالوقوف أمام المرأة وترديد أنا كويس أنا زي البمب أنا زي الحديد وترددها 3 مرات في الفيوم.
أمام ضابط المباحث عادل إمام فيمرّ بعطّار يبيع خلطة سريّة (من الفول السوداني وجوزة الطيب والجنزبيل والقرفة) يُوهم بها الناس أنّ لها مفعول السّحر، وينتهي به الحال عند دجّال يبيع للناس “ريش دجاج” بـ 20 جنيه. أمّا العيادات، فقد غصّت برجال منكوبين أمام ذكورة تتسلّل من بين أيديهم.
غاب وحيد حامد بجسده، وبقيت أعماله تذكرنا دائمًا بكاتب كبير أخلص لمهنته وترك بصمة كبيرة، وأثرًا لايمحى.