الحرية حقه| رسالة الطالب بدر محمد إلى طفلته من محبسه بـ”طرة”: كم يصعب عليَّ رؤيتك تكبرين وأنا خلف قضبان قبيحة.. سامحيني إذا انهرت فجأة
في كل مرة أراك تبدين مختلفة جدا وجميلة جدا.. وعندما تلوحين بيديك الصغيرتين لتقولي وداعًا تعطين الوقت إشارة للتجمد مرة أخرى
لمرة وحيدة شهريا يبدو هذا المكان الكئيب باعثا على الفرحة نوعا ما.. أرى أشجارا خيالية وورودا تتسلق القضبان في طريقي من الزنزانة لرؤيتك
عندما قلتي “بابا” أردت إخفاء وجهي في حضنك وأبكي كطفل على كل ليلة لم أستطع وضعك فيها على الفراش وكل قصة لم أستطع إخبارك بها
كتب- محمود هاشم
نشرت إلينا بيشلر، زوجة الطالب بدر محمد عبدالله، المحبوس منذ 11 مايو 2020، في إعادة محاكمته على ذمة القضية التي تحمل رقم 4163/2013 شمال القاهرة، رسالة من بدر إلى طفلته “أمينة” من محبسه في سجن طرة.
وكتب بدر في رسالته إلى طفلته، التي نشرتها زوجته، مساء أمس الأحد: “بخطوات متسارعة تقطع قدماي المسافة في ثوانٍ قليلة، أبحث عنك أنت وإيلي – إيلينا – خلف هذه القضبان المعدنية القبيحة، عندما ألاحظك، تتحقق عيناي من كل شبر منك، شعرك البني المجعد، عينيك الكبيرتين اللطيفتين على طول الطريق، حتى قدميك اللطيفتين الصغيرتين، في كل مرة تبدين مختلفة بعض الشيء، تكبرين قليلاً ، تتعلمين المزيد من الحركات والكلمات الجديدة، تبدين جميلة جدًا، وفي كل مرة أسعد كثيرا برؤيتك”.
وأضاف بدر: “عالق وحدي في جزيرة مهجورة، حيث تمر تحرك الساعات ببطء شديد ، وأنا أجلس في الزاوية ، ذراعي حول ركبتي، وأحتضن نفسي، وأنتظر الرد على رسالتي للمساعدة، التي ألقيتها في اتجاه البحر منذ عامين”.
وأردف: “الأمل مثل نصف مريض ميت، راقد في سريره، ليس حياً حقًا، ولكنه يرفض الرقود في سلام، الوقت يتلاعب بي، يتسارع فقط في اللحظات القصيرة التي أراك فيها يا ابنتي، وعندما تلوحين بيديك الصغيرتين لتقولي وداعًا، فإنك تعطين الوقت إشارة للتجميد مرة أخرى”.
وتابع: “لمرة واحدة في الشهر يبدو هذا المكان الكئيب باعثا على الفرحة إلى حد ما، يحمل صوتا سعيدا، كنت أسمع أصوات الطيور تغني فوق أشجاري الخيالية، أرى ورودًا حمراء تنمو وتتسلق القضبان المعدنية، بينما يتم إخراجي من الزنزانة إلى المكان الذي تراني فيه، مرة في الشهر كل شيء مختلف هنا، تلك الدقائق التي أراك فيها، أقضي وقتي هنا أعيش تلك الدقائق،
إنها تمنحني الطاقة التي أحتاجها للصمود في جولة أخرى”.
وواصل بدر في رسالته لابنته: “تلك الدقائق القليلة التي أقضيها معك مهمة جدًا بالنسبة لي، لدرجة أنه يمكنني اختيار الاحتفاظ بهذه التجربة الكاملة للسجن في ذهني، فقط حتى لا أفقد ذكرياتك في تلك الدقائق، بدونك سيكون الأمر أكثر صعوبة وأكثر حزنًا، وأحبك وسوف أكون هكذا دائما”.
واستطرد: “أحاول ألا أكون حساسًا للغاية، ألا أترك مشاعري تتحكم بي عندما تزورينني، لكن سامحيني يا ابنتي الصغيرة الحلوة، إذا انهرت فجأة، لا أريد أن تحوي ذاكرتك صورة ضحية حزينة للظلم وأب عاجز، لا أريدك أن تريني في هذا الموقف الضعيف حتى لو لم تفهمينه بعد”.
أردف بدر في رسالته لطفلته، قائلا: “في تلك الزيارة الأخيرة ، ذلك الجدار الكبير الذي بنيته لإخفاء مشاعري، كان على وشك الانهيار، في اللحظة التي جلست فيها على الأرض تبتسمين، وتقررين مقاطعتي أنا وإيلي فقط لتقولين (ماما … بابا)، وعندما ونجحتي في لفت انتباهنا ، واصلت الابتسام، ولا شيء غير ذلك، في تلك اللحظة أردت أن أخفي وجهي في حضنك وأبكي كطفل، طوال الأيام التي كنت بعيدًا عنك ، وعلى كل لحظة سُرقت منا، على كل ليلة لم أستطع وضعك فيها على الفراش، وعلى كل قصة لم أستطع إخبارك بها”.
واستكمل: ” ماما … بابا، ما أجمل هذه الكلمات، ما أجمل ابتسامتك يا أمينة ، وكم يصعب على والدك رؤيتك من داخل قفص وأنت تكبرين، إلى متى سيستطيع قلبي تحمل كل ذلك، الدقائق القليلة التي نقضيها معًا قصيرة جدًا يا ابنتي، وفي كل مرة تقولين وداعًا أشعر أن شيئًا مميزًا جدًا قد سُرق مني، أحبك كثيراً يا أمينة”.
كان بدر محمد، بعث برسالة إلى زوجته من محبسه في سجن طرة، في منتصف يوليو الماضي، كشف فيها عن لحظات المعاناة والانتظار داخل محبسه، وأمله في سرعة الإفراج عنه لاستئناف حياته الطبيعية بين أسرته وأحبابه، وإصراره على عدم الاستسلام والتمسك بأمل الخروج.
وكانت إلينا بيشلر واصلت المطالبة بسرعة الإفراج عن زوجها، وقالت عن زيارتها له، في أول أيام عيد الأضحى الماضي، ضمن الزيارات الاستثنائية لأهالي المحبوسين: “هذا العيد أقضيه في السجن لزيارة بدر، ورؤية الحشد الهائل من أهالي المحبوسين، عندما وصلت أدركت مجددا أن الوضع بعيد جدًا عما كنت أتمنى قبل بضعة أشهر”.
وأضافت: “لا ينبغي أن تفتقد العائلات أحبابها وذويها في عيد آخر، وعيد ميلاد آخر، ويوم أول آخر في المدرسة، وشهر رمضان آخر، ورأس السنة الجديدة”.
وتابعت: “العديد من اللحظات كانت من الممكن أن تكون مليئة بالبهجة، وأتساءل متى يُسمح لنا أخيرًا أن نكون سعداء، بدر بريء من التهم الموجهة إليه، بينما يكمل اليوم 790 يوماً في السجن”.
ويقبع بدر في محبسه بعد صدور حكم بسجنه 5 سنوات على ذمة القضية 8615/2013، المعروفة بـ”أحداث رمسيس” على الرغم من كونه “حدثا” حينها، حيث لم يكن يتجاوز الـ17 ربيعا، بينما يقضي الآن أكثر من سنتين محبوسا ومحروما من حريته وزوجته، وطفلته التي لم يلق نظرته الأولى عليها إلا من خلف قضبان السجن، لم يسمح له برؤية محاميه، ويراه قاضيه من خلف قفص زجاجي لا يستطيع من ورائه حتى الدفاع عن نفسه.
أكمل بدر، في 11 مايو الماضي، عامه الثاني في السجن، حيث حُكم عليه غيابيًا في عام 2017، وهو الآن قيد إعادة المحاكمة على ذمة القضية التي تحمل رقم 4163/2013 شمال القاهرة، بينما تتواصل مناشدات زوجته إلينا بيشلر، التي تحمل الجنسية النمساوية، للإفراج عنه، بينما يصيبها الأسى مرارا وتكرارا مع كل تأجيل للقضية.
وقالت إلينا لـ”درب”: “في شهر مايو من عام 2013، كان بدر في محيط منطقة رمسيس، حيث كان متوجها إلى منطقة الفجالة لشراء مستلزمات دراسية بعد نحاجه في الثانوية العامة وتقدمه للالتحاق بكلية الهندسة، حيث لم يتعد حينها عامه الـ17، إلا أنه تم القبض عليه لتواجده في محيط المكان بينما كانت تجري أحداث رمسيس.
في أثناء هذه الفترة، قضى بدر 3 أشهر محبوسا قسم الأزبكية، وسجن وادي النطرون، والمؤسسة العقابية بالمرج، قبل الإفراج عنه لاحقا، وفي 11 مايو 2020 تم القبض عليه بعد الحكم عليه غيابيا بالسجن 5 سنوات على ذمة القضية، لتجري بعدها إجراءات إعادة محاكمته، بينما ما يزال محبوسا في سجن المزرعة بطرة، بعد نقله من سجن الليمان، وفقا لزوجته.
تحكي إلينا: “في يوم القبض على بدر كنا في منزل عائلته نحضر إفطار رمضان حينها، بينما كنا نستعد لنزف لهم خبر حملي بطفلتنا، إلا أنه في هذه اللحظة حضر عدد من أفراد الأمن ليأخذوه، رأيته فجأة يحتضنني، دون أن أفهم ماذا يجري، قبل أن أستوعب الأمر بعدها”.
وتضيف: “لم أتخيل أن هذه المناسبة التي كنت أنتظرها كثيرا تتحول إلى هذا الكابوس في لحظات، يونس لم يستطع إخبار والده بحملي إلا في أثناء اقتياده من قوات الأمن، لم أستطع فعل شيء خاصة أنني حضرت إلى مصر قبل عام فقط، ولا أعرف فيها سوى زوجي وأسرته”.
في هذه الأثناء، كان فيروس كورونا المستجد تشتد حدته في مصر، وسط اتخاذ إجراءات بالإغلاق، لم تستطع إلينا حتى السفر إلى أسرتها في النمسا لرعايتها وطفلها حتى موعد الحمل، بينما كانت زوجة بدر تبذل ما في وسعها لرؤية زوجها في محبسه، ومحاولة معرفة أسباب القبض عليه، وظروف احتجازه.
تروي زوجة بدر: “في زيارتي الأولى له، دائما ما كان محاولا تهدئتي وإخباري أنه بحالة جيدة وأنه لا حاجة للقلق عليه، كان ينتظر الحضور بجانبي لحظة ولادة ابنتنا، وكانت لدينا بالفعل الكثير من الخطط للتحضير لهذه المناسبة الهامة لنا، لكن كل ذلك لم يكتب له الحدوث بحكم حبسه”.
لم يلق بدر النظرة الأولى على رضيعته للمرة الأولى إلا من خلف قضبان السجن، تسعده ابتسامتها الطفولية، بينما يبدو محاولا الثبات أمامها وأمام زوجته، بينما يسعى لكتم دموع السعادة برؤيتها المختلطة بدموع الأسى على المعاناة التي يعيشونها جميعا في هذه اللحظات.
تقدم إلينا 3 أسباب تؤكد براءة زوجها من الاتهامات المنسوبة إليه في “أحداث رمسيس”، وتستدعي سرعة الإفراج عنه وعودته لأسرته وطفلته، أولها عدم وجود دليل على مشاركته في الاحتجاجات، مع وجود إثبات من قسم الشرطة في عام 2013، بعدم مشاركته في الاحتجاجات، وإن وجوده في موقع الأحداث في هذا الوقت كان لشراء كتب ومستلزمات دراسية، ومنذ ذلك الحين ، يستخدم هو ومحاميه هذا الدليل كدفاع أساسي عنه.
السبب الآخر، أن بدر كان قاصرًا في ذلك الوقت، حيث لم يتجاوز الـ17 من عمره، وثالثا أنه لم يكن منتميا لأي جماعة دينية أو سياسية، كما لم ينشر أي آراء سياسية يمكن تفسيرها على أنها تضر بالوطن.
وفقا لزوجة بدر، تم اقتراح ضم اسمه أمام أعضاء في لجنة العفو الرئاسية وآخرين، ضمن قوائم الإفراجات المحتملة، مؤكدة أن إعلان الدولة إعادة النظر في ملفات المحبوسين فرصة جيدة للإفراج عن بدر، وإثبات برائته، كما تواصلت بدورها مع السفارة النمساوية لمحاولة التدخل للإفراج عن زوجها.
وواصلت: “أخشى أن القاضي سيحكم عليه فقط من خلال الأوراق المقدمة إليه، لأنه لم يرَ بدر قط ولم يسمعه يتحدث مدافعا عن نفسه، أشعر بكثير من الإحباط مع كل تأجيل لنظر القضية، وأخشى من إطالة أمد الحكم فيها، لكن لدي أمل كبير في القضاء بتبرئة زوجي وعودته إلينا قريبا”.
وتستكمل: “في زياراتي له، دائما ما يؤكد لي أن ما يحدث معه لا يمكن أن يدفعه لكره وطنه، ويخبرني بخططه حال خروجه، ورغبته في استعادة حياته الطبيعية، والاستمتاع إلى جوارنا باللحظات التي افتقدناها سويا خلال فترة حبسه، مشاركة ثلاثتنا مائدة الطعام للمرة الأولى، والحديث الأول مع ابنتنا بعيدا عن أي قيود أو حواجز”.