الحرب الروسية الأوكرانية| المدنيون يغادرون كييف.. ولافروف يؤكد استعداد موسكو للحوار.. والأزمة تهدد الأمن الغذائي العربي
فرانس 24
تواصل الأرتال العسكرية الروسية زحفها نحو العاصمة كييف، ويضيق الخناق أكثر على العاصمة التي تتأهب لما هو قادم، وأصبحت مغادرة العاصمة الأوكرانية حتمية على كثيرين من الذين يخشون حربا طاحنة يقولون إنها قادمة.
فيما تنتشر نقاط التفتيش في كل مكان وسط أعصاب مشدودة في صفوف القوات الأوكرانية التي تؤكد أنها تستقبل عددا كبيرا من المتطوعين للقتال. تقرير عبد الله ملكاوي وكلوفيس كازالي وروبرت بارسنوز.
وفي اليوم الثامن للهجوم الروسي على أوكرانيا، أكدت السلطات الأوكرانية سيطرة الجيش الروسي على مدينة خيرسون القريبة من شبه جزيرة القرم جنوب البلاد.
وأعلن المدعي العام في محكمة الجزاء الدولية ”فتح تحقيق فوري” في الوضع في أوكرانيا يشمل “كل المزاعم، السابقة والحالية، بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية”، وذلك بعد تلقيه الضوء الأخضر من 39 بلدا منضويا تحت المحكمة.
وعبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن استعداد موسكو للحوار “وفق شروط احترام المصالح الحيوية للجميع”، فيما يتوجه وفد أوكراني إلى مكان محدد سلفا في بيلاروسيا لإجراء جولة جديدة من المفاوضات مع الروس. وحسب وكالة تاس، فقد فتح الجيش الروسي ممرا آمنا لهذا الوفد المنتظر وصوله الخميس.
وفي الليلة الفاصلة بين الأربعاء والخميس، أقر مسؤولون أوكرانيون (مسؤول الإدارة المحلية ورئيس البلدية) سيطرة القوات الروسية على خيرسون، المدينة الكبيرة جنوب البلاد، كما فر مليون لاجئ أوكراني من بلدهم منذ بدء الغزو الروسية قبل أسبوع، حسب تأكيد المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة.
ورغم البعد الجغرافي لأوكرانيا عن العالم العربي، لكن تأثير الهجوم الروسي على هذا البلد الأوروبي، سيكون قاسيا معيشيا على عدة بلدان عربية خاصة إذا امتدت هذه الحرب فترة طويلة.
فعدة دول عربية تستورد القمح سواء من روسيا، أول مصدر عالمي لهذه المادة الحيوية، أو من أوكرانيا التي تحتل المرتبة الرابعة دوليا. والنزاع بين البلدين يؤدي تلقائيا لوقف الحركة التجارية مع الخارج. أولا بسبب الحرب على الأراضي الأوكرانية وثانيا لفرض عقوبات على الصادرات الروسية.
وتستورد الدول العربية مجتمعة 60% من احتياجاتها للحبوب من روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى فرنسا ورومانيا. لكن لروسيا وأوكرانيا ثقل دولي خاص في توريد العالم العربي بالحبوب، نظرا لسعرها المنخفض في البلدين.
وتفيد الأرقام أن أوكرانيا، رابع أكبر مصدر للقمح وللذرة الصفراء على مستوى العالم، وصدرت وحدها 17% من كمية الذرة والشعير التي سوقت للتجارة العالمية في 2020، 40 بالمئة منها إلى دول عربية فيما تعتبر روسيا مصدرا رئيسيا للقمح إلى مصر.
وستعقد هذه الحرب، لا سيما إذا طال أمدها، مهمة الكثير من الأسر في مصر ولبنان واليمن وتونس ولربما دول عربية أخرى في توفير الرغيف على مائدة الطعام. وقد حذر معهد الشرق الأوسط للأبحاث من أنه “إذا عطّلت الحرب إمدادات القمح” للعالم العربي الذي يعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائه، “قد تؤدي الأزمة إلى مظاهرات جديدة وعدم استقرار في دول عدة”.
فحتى بعد أن بدأت القاهرة في السنوات الأخيرة، بشراء القمح من موردين آخرين، لا سيما من رومانيا، فقد استوردت في عام 2021 50% من القمح من روسيا و30% من أوكرانيا. وأكدت الحكومة أن لديها “مخزونا استراتيجيا يكفي الدولة فترة تقرب من تسعة أشهر” لتغذية 103 مليون نسمة يتلقى 70% منهم خمسة أرغفة خبز مدعومة.
لكنها أضافت “لن نستطيع شراء القمح بالسعر الذي كنا نحصل عليه قبل الأزمة الروسية الأوكرانية”، خصوصا أن أسعار القمح بلغت أعلى مستوى في شيكاغو منذ 14 عاما، إذ وصلت إلى 344 يورو للطن. وبعد خفض وزن الرغيف المدعوم، تفكر الحكومة الآن في زيادة سعره.
واليمن، أول بلد عربي مهدد بتأزيم وضعه الغذائي أكثر مما هو عليه. المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي الموجود في اليمن ديفيد بيسلي يشرح لوكالة الأنباء الفرنسية صعوبة الظرف الحالي: “كنا نظن أننا وصلنا إلى القاع، لكن لا، الحال أسوأ (…) نحن نحصل على نصف طلباتنا من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، سيكون لهذه الحرب تأثير مأساوي”.
أما في لبنان الذي يتخبط في أزمة اقتصادية خانقة منذ سنوات قد تتأزم الحياة المعيشية لمواطنيه أكثر. ممثل مستوردي القمح في لبنان أحمد حطيط كشف لوكالة الأنباء الفرنسية أنه “لدينا خمس بواخر في البحر حاليا محملة بالقمح، جميعها من أوكرانيا. المخزون الحالي بالإضافة إلى البواخر الخمس يكفي لشهر ونصف”. فقط. وأضاف أن “لبنان يستورد بين 600 و650 ألف طن سنويا، ثمانون في المئة منها من أوكرانيا”.
على غرار اليمن ولبنان، قد تواجه البلدان المغاربية أزمة غذائية أيضا بسبب الحرب في أوكرانيا، ويبدو أن حكومات المنطقة واعية بالخطر المحذق بها، وتحاول أن تسابق الزمن لاتخاذ خطوات استباقية تحميها من هزات اجتماعية. فالمغرب مثلا، الذي التهبت فيه الأسعار قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، قام بزيادة مخصصات دعم الطحين إلى 350 مليون يورو، وعلقت الرسوم الجمركية على استيراد القمح.
لكن تونس لم يكن بوسعها القيام ذلك. ففي كانون ديسمبر، رفضت البواخر تفريغ حمولتها من القمح لعدم دفع ثمنها، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن الإعلام المحلي، حيث يتزايد الدين مع ذوبان احتياطات العملات الأجنبية. وتستورد تونس 60% من القمح من أوكرانيا وروسيا، ولديها مخزون يكفي حتى حزيران/يونيو، كما أكد عبد الحليم قاسمي من وزارة الزراعة.
وفي الجزائر، ثاني مستهلك للقمح في أفريقيا وخامس مستورد للحبوب في العالم، يكفي المخزون ستة أشهر على الأقل. أما مصر، فتعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم وثاني أكبر مستورد من روسيا، واشترت 3,5 مليون طن من القمح حتى منتصف يناير، وفقا لشركة “إس آند إس جلوبال”.
وتختار العديد من الدول العربية استيراد القمح الروسي والأوكراني نظرا لـ”سعره المنخفض”، يقول المحلل المالي التونسي نادر حداد في حديث لفرانس24، إلا أن هذا السعر سيرتفع كثيرا في حال التوجه إلى الولايات المتحدة أو كندا وأيضا بلدان أمريكا اللاتينية لشرائه “بسبب بعد المسافة… لاسيما وأن سعر النفط مرتفع ما ينعكس على تكلفة نقل البضائع بين الدول”.
وليس هناك أي حل آخر أمام حكومات الدول العربية المتضررة، إلا “إيجاد بدائل عن أوكرانيا وروسيا. والبدء في مفاوضات مع دول أخرى على عقود جديدة لتوريد القمح”، بحسب حداد، مضيفا أن هذا الوضع “ستتضرر منه حتى الدول الغنية حيث سترتفع فيها الأسعار، ما يمس بالسياسات المالية لحكوماتها المتعثرة أصلا منذ بدء الأزمة الصحية”.
دول الخليج بدورها مهددة بأزمة في مواردها الغذائية المستوردة من البلدين، وتحديدا اللحوم والحبوب، بدون أن يكون لذلك أي تأثير على أمنها الغذائي، حسب أيهم كامل، رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “Eurasia Group”، وهي مؤسسة بحثية مقرها الرئيسي في نيويورك، الذي اعتبر في حديث لوكالة رويترز، أن هذه الدول “لديها قدرة على استيعاب كلفة أعلى للواردات في حالة ارتفاعها” بفضل إمكانياتها المالية.
في كل الأحوال، ارتفاع الأسعار لا تتقبله الشعوب حتى لو كانت في البلدان الغنية، فكيف تستسيغه في دول عربية نامية كتونس والمغرب والجزائر ومصر والسودان ولبنان واليمن، التي يكد مواطنوها لتوفير الرغيف اليومي لهم ولأسرهم، وهذا ما يدفع المحلل المالي نادر حداد للقول إن وضع من هذا القبيل فيه “تهديد للأمن الغذائي وقد يؤدي إلى تحركات اجتماعية” رافضة لغلاء المعيشة.