«التعذرات الأمنية».. ورقة للشبكة العربية حول تجديد الحبس دون حضور المتهمين: وباء كورونا ووباء الاستبداد يعصف بالسجناء والمحتجزين
كتبت- كريستين صفوان
نددت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، الأربعاء، بتجديد حبس المحبوسين احتياطيا دون حضور ودون دفاع، ومنع السجناء والمحبوسين احتياطيا من زيارة ذويهم ومحاميهم بالسجون، وقالت إن وباء فيروس كورونا المستجد «تحول إلى أداة أو وسيلة إضافية لزيادة التنكيل بالسجناء عموما ، والمحبوسين احتياطيا من سجناء الرأي بوجه خاص».
وطالبت الشبكة في ورقة قانونية، بإخلاء سبيل المحبوسين احتياطيا لاسيما في قضايا الرأي والجرائم غير الخطيرة، والتوقف عن إهدار حقوق المتهم بما يسمى «التعذرات الأمنية»، وفتح الزيارات للسجناء مع اتخاذ أي اجراءات وقائية تقرها وزارة الصحة أو نقابة الاطباء.
وأشارت إلى أنه في قراره الصادر في 24مارس الماضي، لم يشير رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى تعليق العمل في المحاكم والنيابات، إلا أن وزير العدل عمر مروان ، وبعض رؤساء المحاكم «استبقوا هذا القرار، بتعليق العمل في كافة المحاكم والجلسات، وتأجيلها دون حضور أطراف القضايا»، منذ 16مارس، تحوطا لأي تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد.
وأضافت أن وزارة الداخلية أيضا كانت قد قررت تعليق الزيارات بجميع السجون لمدة عشرة أيام اعتباراً من الثلاثاء الموافق 10 مارس الماضي، حرصاً على الصحة العامة وسلامة النزلاء، لكن «القبض على المواطنين لم يتوقف، وتجديد حبس المحبوسين لم يتوقف، لكنه تجديد على الورق».
وأوضحت الشبكة أن تجديد الحبس يجرى الآن «دون حضور المتهمين، دون حضور محاميهم، دون تقديم دفاع» ليصبح الوضع؛ منع السجناء والمحبوسين احتياطيا من زيارة ذويهم ومحاميهم بالسجون، وتجديد حبس المحبوسين احتياطيا دون حضور ودون دفاع، وتساءلت مستنكرة «فهل يجوز ذلك؟».
ولفتت ورقة الشبكة إلى قول رئيس مجلس الشعب الأسبق والفقية القانوني فتحي سرور، «إن الحبس الاحتياطى إجراء بالغ المساس بالحرية الشخصية، وقد كان له ماضِ ملوث شهد إساءة استخدامه فى كثير من الدول، خاصةً النظم التسلطية التى تتفوق فيها حقوق السلطة على حقوق الفرد، فبمقتضى هذا الإجراء يُودع المتهم فى السجن خلال فترة التحقيق كلها أو بعضها، ويتعرض لإنتهاك كرامته الإنسانية التى يتمتع بها إبان كان طليق السراح، وهو ما يحتم التدقيق فى مراعاة درجة التناسب بين آلام الحبس الاحتياطى ومصلحة المجتمع».
وشددت الشبكة على أن الحبس الإحتياطي يعد «إجراء بغيض» ويتعارض مع مبدأ «المتهم برئ حتى تثبت إدانته»، ولهذا اهتمت التشريعات الدولية والمحلية بتقييد الحبس الإحتياطي وحدد له مبررات وشروط ومدد يجب مراعاتها وإلا يسقط، مما يوجب الافراج عن المحبوس احتياطيا.
وأشارت إلى أنه «مع إعلان منظمة الصحة العالمية تحول جائحة كورونا إلى وباء عالمي، نجد أن المتهم المحبوس إحتياطيا لا يأتي من محبسه في جلسة نظر أمر حبسه إحتياطيا وما يأتي هو رسالة من الداخلية تفيد بتعذر نقل المتهم لأسباب أمنية ويلحق بتلك الرسالة قرارا من الجهة التي تنظر أمر تجديد الحبس إحتياطيا بتجديد أمر الحبس ورقيا أو تأجيل النظر في ذلك الأمر مدة معينة، وتنتهي تلك المدة برسالة أخرى من الداخلية تفيد بتعذر نقل المتهم لأسباب أمنية، والذريعة، هي الظروف القاهرة».
وتساءلت الشبكة مستنكرة: «ما هي الظروف أو القوة القاهرة التي تمنع مؤسسات الدولة من ممارسة عملها؟»، واستطردت : «هي باختصار: الافعال الناتجة عن فعل الطبيعة كالزلازل والفيضانات والأعاصير والأوبئة المرضية المعدية، أو التي تنشأ عن فعل الإنسان كالحروب والثورات».
وأشارت الشبكة العربية إلى أن السلطات المصرية استندت لهذه القوة القاهرة (وباء كورونا) لفرض مزيد من التنكيل بالسجناء والمحبوسين احتياطيا، ولا سيما سجناء الرأي، عبر حرمانهم من الزيارة وكذلك من ابداء دفاعهم خلال جلسات تجديد الحبس أو المحاكمة، بدلا من إجراء آخر، يعد مطروح طيلة الوقت، وهو الإفراج عنهم، أو الافراج عنهم بتدابير احترازية.
ونقلت الشبكة عن المحامي الحقوقي البارز والمرشح الرئاسي السابق، خالد علي، قوله إنه «لا يجوز التذرع بمرض كورونا وتجريد المحبوسين احتياطيا من كل حقوق الدفاع عبر حرمانهم من زيارات الأهل أو التواصل مع المحامين، وحرمانهم من حق الاتصال التليفونى بهم، بل وحرمانهم مقابلة القضاة، من خلال عدم نقلهم من السجون، ومنعهم من حضور جلسات النظر فى أمر تجديد حبسهم لمدد تعدت الحد الأقصى لتجديد الحبس الاحتياطى».
وأضاف علي «وإذا كان القانون يتيح أن يكون تجديد الحبس فى الجنايات كل ٤٥ يوماً، فإن تجاوز هذه المدة دون إحضار المتهم من محبسه وعرضه على القاضى يجعلنا ننحاز للقول بأن ذلك يؤدى إلى سقوط أمر الحبس الاحتياطى، ولا يصحح هذا البطلان قيام المحكمة بتأجيل نظر أمر الحبس لأنها مع هذا التأجيل تأمر باستمرار حبسه احتياطياً، وهو ما يعنى أن المتهم تم حبسه لمدد تجاوزت الـ٤٥ يوماً دون أن يعرض على المحكمة ودون سماع دفاعه أو دفاع محاميه».
وقالت الشبكة إن «التعسف ليس جديدا»، مشيرة إلى أنه «منذ سنوات، ابتدعت وزارة الداخلية نهجا جديدا للتنكيل بسجناء الراي المحبوسين احتياطيا، وهو عدم احضارهم من مكان احتجازهم خلال جلسات تجديد الحبس، تحت مسمى (التعذرات الأمنية) أي أنه تعذر نقل المتهم المحبوس احتياطيا إلى مكان تجديد حبسه، رغم عدم توافر اي ظرف قاهر أو ظرف طارئ تجعلها تمتنع عن احضاره»، برغم أن العديد من الجلسات تتم في معهد أمناء الشرطة، الذي بات محكمة، ويقع ضمن وداخل منطقة سجون طره، ولا يفصل بين «محكمة معهد امناء الشرطة» والسجن المحتجز به سجين الرأي المحبوس احتياطيا سوى أمتار قليلة، وفق الشبكة.
وأشارت إلى أن «العديد والعديد من المحبوسين احتياطيا ولاسيما سجناء الرأي، لا تتوافر في الكثير منهم هذه الشروط، فالحبس مستمر»، وذلك على الرغم من وجود مخرج لوقف «حالة الإخلال الشديد بين النهج البوليسي الممثل في حبس هؤلاء، وبين انفاذ سيادة القانون»، وهو اللجوء للتدابير الاحترازية، فإن الحل البوليسي «المتعسف» أصبح له الغلبة.
وأوضحت الشبكة أن المشرع أقر بمجموعة تدابير إحترازية تكون بديلة عن الحبس الاحتياطي تقرها النيابة العامة أو قاضي التحقيق للمتهم وله ذات القواعد المقررة للحبس الإحتياطي كمدة التدبير أو مدها والحد الأقصى لها واستئنافها والتدابير الإحترازية وفقا لقانون الإجراءات الجنائية هي:
ا- إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه.
ب- إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة.
ج- حظر ارتياد المتهم أماكن محددة.
وفي هذا يقول المحامي الحقوقي خالد علي «ومعالجة مثل هذه الحالة وضع لها المشرع نص المادة ٢٠١ إجراءات جنائية بأن تقضى المحكمة بتدبير احترازي كبديل عن الحبس الاحتياطى، وهذا التدبير قد يتمثل فى منعه من السفر أو حرمانه من مغادرة المدينة التى يقطن بها….».
وأضاف علي أن المشرع أقر هذه المادة لمساعدة المحكمة على تحقيق التوازن بين حقوق المتهم وحرياته وبين حقوق المجتمع، لافتا إلى أن الفرضية الدستورية ببراءة المتهم تعنى، أن هذه البراءة تلازمه فى جميع مراحل الدعوى الجنائية من بداية التحقيق معه ولحين صدور حكم نهائي وبات بثبوت ارتكابه الجريمة، ولذلك فإن التعسف فى استخدام الحبس الاحتياطى وعدم مراعاة مقتضيات الخصومة الجنائية على نحو يهدر حقوق المتهم وضماناته فى الدستور قد يجعل الحبس الاحتياطى على هذا النحو يخرج عن حقيقته بأنه مجرد إجراء من إجراءات التحقيق ويتحول فى جوهره إلى عقوبة».
وقدمت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في نهاية ورقتها مجموعة من التوصيات، إلى وزارة الداخلية، والسلطة القضائية، نستعرضها فيما يلي:
وزارة الداخلية:
– لابد وأن تتوقف عن إهدار حقوق المتهم بما يسمى التعذرات الأمنية، خاصة وأن تلك التعذرات تمثل إخلالا كبيرا للقانون ولحقوق المتهم
– فتح الزيارات اسوة بالعديد من المؤسسات والمصالح الحكومية ، مع اتخاذ اي اجراءات وقائية تقرها وزارة الصحة أو نقابة الاطباء
السلطة القضائية
– أن تعمل قاعدة المتهم برئ حتى تثبت ادانته ، وتخلي سبيل المحبوسين احتياطيا لاسيما في قضايا الراي والجرائم الغير خطيرة
– أن تتوسع في استبدال قرارات تجديد الحبس “لاسيما جرائم الراي والغير خطيرة ” بالتدابير الاحترازية التي نص عليها قانون الاجراءات الجنائية
– أن تمارس دورها في معاقبة كل من يخالف أمر القضاء بإحضار المتهم في المواعيد القانونية لنظر أمر تجديد حبسه إحتياطيا، وألا تقوم بالتجديد الورقي للمتهم لما فيه من تعسف قانوني وحقوق المتهم ولضمانات المحاكمة العادلة
– ألا تقوم المؤسسة القضائية بتأجيل جلسة نظر أمر تجديد الحبس الإحتياطي لما بعد المواعيد المقررة قانونا، وإذا تعدت المدة القانونية لنظر أمر تجديد حبس المتهم إحتياطيا، فعلى السلطة القضائية حينها أن تأمر بإخلاء سبيله.