التجربة الهندية.. قراءة في إحصائية الألف وفاة بكورونا في بلد الـ1.3 مليار نسمة
محمود هاشم
على الرغم من توقعات الخبراء وقوع ملايين من حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في الهند، مع تحذيرات الأطباء بحاجة البلاد لاستعدادات مكثفة لهجوم وبائي قد يشل نظامها الصحي، في ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان – 1.3 مليار نسمة – إلا أنها فاجأت الجميع وتجنبت السيناريو الأسوأ .
سيناريو تجنب إصابة 150 مليونا.. لا تنتظر تصاعد الأزمة
حتى يوم أمس، أبلغت الهند عن 31360 حالة إصابة بكورونا في مقابل 1008 حالة وفاة فقط، أي حوالي 0.76 حالة وفاة لكل مليون مواطن، في إحصائية مبشرة، بالمقارنة بالولايات المتحدة التي تجاوز عدد الوفيات لكل مليون حالة بها 175 شخصا.
ويرى بعض الخبراء أن الأرقام الإيجابية نسبيًا في الهند، سببها الإغلاق الذي فرضته على جميع أنحائها لمواجهة كورونا، بحسب تقرير لـ”سي إن إن”.
وقال رئيس الوزراء ناريندرا مودي في 14 أبريل: “لم تنتظر الهند حتى تتصاعد الأزمة، وقررنا مدد إغلاق البلاد لمدة 21 يومًا على مستوى البلاد حتى 3 مايو، وبمجرد ظهور الوبا ء حاولنا وقفه باتخاذ قرارات سريعة، لا نتخيل ما كان سيحدث لولا تطبيقها”.
في 24 مارس، أعلن مودي إغلاق البلاد لمدة 3 أسابيع، وهي الدولة الأولى على مستوى العالم التي تتخذ هذا الإجراء، إلا أنه كان قرارًا عالي المخاطر، حيث حرم ملايين من عمال اليومية من الدخل، إلا أنه جنّب البلاد سيناريو كارثيا، فبحسب تقرير كان إهمال تدابير التباعد الاجتماعي سيصيب حوالي 150 مليون شخص في البلاد بحلول شهر يونيو، وفي يوم الجمعة قال مسؤول كبير عن مواجهة الوباء في الوباء في الهند إن الدولة كانت ستشهد أكثر من 100 ألف حالة حتى الآن لولا الإغلاق.
ولجأت الهند إلى إجراءات الإغلاق بعد الإعلان عن 519 حالة إصابة فقط، بالمقارنة انتظرت إيطاليا حتى يكون لديها أكثر من 9200 حالة إصابة لإعلان إغلاق جميع أنحاء البلاد، واتخذت بريطانيا الإجراء بعد تسجيل حوالي 6700 حالة.
بعد الإغلاق، حاول آلاف العمال المهاجرين مغادرة المدن الرئيسية في الهند، بعد أن تركتهم القيود بدون وظائف، ما أثار مخاوف من احتمالية نشرهم الفيروس، ولجأ عدد من المسؤولين في ولاية أوتار براديش الهندية لرش العمال العائدين بالمطهرات، في نهج غير فعال للسيطرة على الفيروس.
بعد حوالي أسبوع من بدء الإغلاق، مات شخصان مصابين بالفيروس في الأحياء الفقيرة المكتظة في مومباي، وبعد الوفاة الثانية، تم وضع العديد من أفراد عائلة المصاب تحت الحجر الصحي في المنزل، وإغلاق 300 منزل و 90 متجرًا .
وتزامنا مع إجراءات الإغلاق، اتخذت الهند تدابير أخرى، ففي 11 مارس أوقفت التأشيرات السياحية، وأعلنت عزل جميع المسافرين الذين كانوا في المناطق الأكثر تأثرًا في العالم لمدة 14 يومًا على الأقل، ومنذ 22 مارس، أوقفت جميع الرحلات التجارية الدولية من الهبوط ي أراضيها، كما تم تعليق جميع خدمات قطار الركاب في البلاد.
على الجانب الآخر، كانت الولايات المتحدة قيدت وجود الأجانب الذين يسافرون من الصين وإيران وبعض الدول الأوروبية، لكن دون حظر شامل على دخول الأجانب إلى البلاد.
الاختبارات والوفيات المسجلة تحبط “تهنئة” سابقة لأوانها
ويرى رئيس مؤسسة الصحة العامة في الهند سريناث ريدي، أن الواقع وراء هذه الأرقام أكثر تعقيدًا، وأنه من السابق لأوانه الحديث عن تهنئة البلاد على هذه الإحصائية، وكما هو الحال مع كل بلد، يعتمد تفسير النتائج الإيجابية لتفشي المرض بالأرقام المتاح، وهذا الأمر يعتمد على حجم الاختبارات.
ويقاس تقييم خبراء الصحة العامة مدى قوة البلد في الاختبار، بمعدل إيجابية اختبار الدولة، وليس العدد الإجمالي وحده فإذا كانت نسبة كبيرة من الاختبارات تعود بشكل إيجابي،، فهذا يشير إلى أنه يتم فقط اختبار الحالات الأكثر خطورة – مثل تلك الموجودة في المستشفيات.
ووفقا لوزارة الصحة الهندية، أجرت البلاد أكثر من 625 ألف اختبار حتى الأحد الماضي، أكثر من كوريا الجنوبية التي امتدحت نهجها في الاختبار.
وفقًا لمايك ريان ، المدير التنفيذي لبرامج الطوارئ الصحية لمنظمة الصحة العالمية، فإن المعيار الجيد هو أن يكون لديك 10 حالات سلبية على الأقل لكل حالة إيجابية.
ووفقًا لبيانات وزارة الصحة الهندية، فإن حوالي 4٪ من اختبارات الهند إيجابية، وهو معدل أقل بكثير من هذا المعيار، كما أنه أقل بكثير من الولايات المتحدة التي يبلغ بها حوالي 17 ٪، وأقل من بريطانيا التي يبلغ المعدل بها حوالي 21٪، بناءً على البيانات الحكومية.
بالإضافة إلى الاختبارات، هناك مقياس آخر مفيد لفهم أرقام الحالات، وهو نسبة الوفيات، ففي الهند، توفي حوالي 3٪ من الحالات ، مقارنة مع أكثر من 13٪ في إيطاليا وبريطانيا وفرنسا، ما يعني أنها تختبر أشخاصا آخرين إلى جانب من يعانون من مضاعفات خطيرة.
مع ذلك، يعد معدل الاختبار في الهند منخفضا للغاية بالنسبة للفرد، حيث يتم اختبار حوالي 48 فقط من بين كل 100 ألف شخص، مقارنة بحوالي 1175 في كوريا الجنوبية، و1740 في الولايات المتحدة.
وحتى عندما لا تواجه البلاد وباءً، فإن 22٪ فقط من جميع الوفيات المسجلة معتمدة طبياً، وهذا يعني عدم توثيق الأطباء السبب الرسمي للوفاة في معظم الحالات.
وقال طبيب مقيم في أحد المستشفيات الحكومية الرئيسية في مومباي، إنهم لم يختبروا جثث الموتى للتأكد من عدم إصابتها بكورونا بعد نقلها إلى المستشفى، حتى في حالات الاشتباه في الأمر.
وأضاف: “حتى في حال ثبوت اتصال المتوفى مع أشخاص ثبتت إصابتهم بالفيروس، نتخلص من الجثة بالطريقة نفسها التي نتعامل بها مع المرضى المصابين بالالتهاب الكبدي”.
مع ذلك، لا يتوقع خبراء وجود أعداد كبيرة من الوفيات بسبب الفيروس، ويوضح رئيس منظمة المراقب للأبحاث سمير ساران: “حتى لو لم نختبر ولم نكتشف ما يكفي، ليس هناك الكثير من الجثث المتكدسة في المستشفيات أو في وحدات العناية المركزة أو في المشرحة، ما يوحي بعدم وجود خطورة كبيرة في هذه المرحلة.