«استقلال الجامعات».. 9 مارس يوم أضرب الطلاب والأساتذة تضامنا مع طه حسين وضد «إهانة الجامعة».. فظل رمزًا للحرية
مرت أمس الثلاثاء، الذكرى الـ89 ليوم استقلال الجامعات “9 مارس”، الذي شهد فيه عام 1932، موجة احتجاجات قوية حركها طلاب بجامعة القاهرة، اعتراضا على تدخل سلطة الملك في قرارات فصل وتعيين عمداء وأساتذة الجامعة، ما اعتبره الطلاب إهانة لكرامة الجامعة.
وتعود قصة اليوم إلى عام 1932، عندما تقرر إقالة عميد الأدب العربي طه حسين من منصبه كعميد لكلية الأداب جامعة القاهرة وقتها، وبعدها استقالة أحمد لطفي السيد رئيس الجامعة اعتراضا على القرار الذي صدر بعد زيارة الملك فؤاد إلى مقر الجامعة واعتراضه على “عدم التصفيق له”.
بدأت القضة عندما طلب وزير المعارف حلمي عيسي من الدكتور طه حسين أن يزوره في مكتبه، فتوجه إليه ومعه الدكتور عبد الوهاب عزام، وفي أثناء الزيارة قال الوزير: “يا طه حسين باعتبارك عميدا لكلية الآداب، نريد منك أن تقدم اقتراحا للجامعة بمنح الدكتوراة الفخرية لعدد من كبار الأعيان ،يحي إبراهيم،وعلي ماهر، وعبد الحميد بدوي وعبد العزيز فهمي وآخرين”.
رد طه حسين: “يا باشا عميد كلية الآداب ليس عمدة،تصدر إليه الأوامر من الوزير، أنا لا أوافق علي إعطاء الدكتوراة الفخرية لأحد لمجرد أنه من الأعيان، لا أوافق ولا أستطيع حتي أن أعرض هذا الأمر علي مجلس كلية الآداب، لأن المجلس لن يوافق، رد الوزير: طيب أنت لا تسمع الكلام، حانشوف مين ينفذ كلامه”، وتم عرض الأمر علي مجلس الكلية فرفض منح الدكتوراة الفخرية للأعيان المذكورين”.
وروي الدكتور طه حسين هذه القصة الي الكاتب الصحفي محمود عوض، وجاء بها في كتابه “أفكار ضد الرصاص”، وأضاف إليها قصة أخري عن زيارة الملك فؤاد الي الجامعة وكلياتها،يرويها طه حسين له علي النحو التالي: “قبل وصوله سألني زملائي باعتباري عميدا للكلية، هل نلقي محاضرات خاصة بمناسبة زيارة الملك؟، قلت: لا كل محاضرة كما هي، وكل أستاذ في محاضرته المعتادة”.
وحينما وصل الملك ودخل أول قاعة للمحاضرات فوجئ بالطلبة يستمعون الي محاضرة النظام الدستوري،غضب الملك،ثم غضب مرة ثانية حينما دخل عدلي باشا رئيس مجلس الشيوخ، فصفق له الطلبة أشد مما صفقوا للملك”، يستكمل طه حسين رد القصة لمحمود عوض قائلا: “في الواقع انهم لم يصفقوا للملك أصلا، هنا قال الملك فؤاد: كيف يصفق الطلبة لعدلي ولا يصفقون لي؟، هذا عمل من تدبير الملعون طه حسين”.
ويقول الكاتب الصحفي سعيد الشحات: “اجتمعت القصتان لتفجير الغضب ضد طه حسين، والتفجير كان يحتاج الي سبب، والسبب كان جاهزا وهو كتابه “في الشعر الجاهلي” الذي أثيرت ضده ضجة هائلة بدأت عام 1926 تتهمه فيها بـ”الطعن الصريح في القرآن الكريم” ونتج عن ذلك اتهامات بالزندقة والكفر، وتم التحقيق معه من النيابة، وانتقل الموضوع إلي الأزهر ومجلس النواب، وبقيت القضية طوال هذه السنوات تتصاعد تارة وتنخفض تارة أخري، وكان مطلب أعداء حرية الفكر هو طرده من الجامعة ومن أي وظيفة حكومية”.
وتولي “إسماعيل صدقي” رئاسة الحكومة وحسب “محمود عوض”: اختاره الملك فؤاد ليضرب بيد من حديد، ولكي يحكم بيد من حديد فلابد أن يفعل أشياء كثيرة،من بينها بالطبع كبت أي اتجاه لنشر حرية الفكر،وكان وجوده فرصة يتجدد فيها الطلب القائم من قبل بفصل طه حسين من الجامعة،وقررت بالفعل نقله يوم 3 ماري من الجامعة الي وزارة المعارف .
وأضاف الشحات: “كان رد الفعل عنيفا من طلاب الجامعة وأساتذتها ومديرها أحمد لطفي السيد،والذي تقدم باستقالته في مثل هذا اليوم 9 مارس 1932 احتجاجا علي نقل طه حسين ،وقال في خطاب استقالته الي رئيس الوزراء:”فصل طه حسين أمر يمس كرامة البحث العلمي وكرامة الجامعة “.
وفي كتاب”الطلبة والحركة الوطنية في مصر 1922 _1952″ الصادر عن “دار الكتب والوثائق القومية– القاهرة” يقول مؤلفه، الدكتور عاصم محروس عبد اللطيف: “تحمل الطلبة مسئولية الدفاع عن استقلال الجامعة بالتصدي لهذا القرار، وتظاهر طلبة الحقوق والآداب والطب، وفشلت محاولات البوليس منع الطلاب من الوصول الي السراي.
وقرر الطلبة استمرار الإضراب يومي 9 و 10 مارس احتجاجا، وأعلن مجلس اتحاد الجامعة برئاسة الطالب يحي العلايلي أسفه لهذا القرار واعتبره امتهانا لكرامة الجامعة، وفي كلية العلوم عقد الطلاب مؤتمرا برئاسة سكرتير اتحاد الجامعة طالب الحقوق يحي نامق ناشدوا اساتذة الجامعة بتقديم استقالتهم أسوة بمدير الجامعة”، أصبح هذا الموقف من وقتئذ رمزا لاستقلال الجامعة، ويوم 9 مارس هو اليوم الشاهد علي ذلك.