إلهامي الميرغني يكتب: هل تكفي الشهادات الدولارية لإنهاء أزمة الدولار في مصر؟!
طرح البنك الأهلي شهادات إدخار دولارية وأعلن أنه لن يسأل عن مصدر الدولارات، على أمل أن يستطيع جمع مبلغ كبير من الدولارات لتغطية الفجوة والعجز.
ولكن ما هو جذر المشكلة:
1- يوجد 43.4 مليار دولار عجز في الميزان التجاري المصري عام 2021/2022.
2- توجد فوائد وإقساط ديون مستحقة خلال العام المالي 2023/2024 تبلغ 2436 مليار جنيه ، وكانت 1655 مليار جنيه في العام الماضي جزء منها بالدولار.
معروف أن أزمة الدولار عطلت وصول مستلزمات الانتاج وتوقفت مئات المصانع، كما كانت الأزمة وراء أزمة أعلاف الدواجن واللحوم بما أدى إلى تفجر أسعارهم وخراب عشرات من المشروعات المصرية الوطنية المنتجة لتحل المشكلة باستيراد الدواجن البرازيلي. لذلك لا يوجد حل لأزمة ميزان المدفوعات سوى تطوير وتنمية الانتاج الزراعي والصناعي وزيادة الصادرات لتغطية العجز في الميزان التجاري.
ويكفي أن نعرف أن عائد الصادرات المصرية الزراعية والبترولية والصناعية حالياً في حدود 44 مليار دولار بينما تحويلات المصريين العاملين في الخارج وحدها 32 مليار دولار، أي أن تحويلات العاملين في الخارج تمثل حوالي 73 % من إجمالي صادرات الزراعة والبترول والصناعة.
أما السياحة فقد بلغت عائدات السياحة الداخلة لمصر 10.7 مليار دولار بينما أنفق المصريين في نفس السنة 4.5 مليار جنيه على السياحة في الخارج بما فيها الحج والعمرة ليكون صافي الميزان السياحي 6.2 ملياردولار فقط! تصبح تحويلات المصريين العاملين بالخارج تمثل 516% من صافي عائدات السياحة.
لذلك لا علاج لعجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات الا بتنمية الزراعة والصناعة وزيادة الصادرات لتقليص العجز.
🛑أزمة الديون مربط الفرس في الأزمة
ارتفع إجمالي الدين العام المحلي من 1648.5 مليار جنيه في يونيو 2014 إلي 4267.5 مليار جنيه في يونيو2020(نشرة وزارة المالية عن شهر يونيو 2023 متوقفة عند رقم الديون المحلية في 2020 وبالتالي لم تضاف قيمة الديون المحلية من يونيو 2020 إلي يونيو 2023). ورغم ذلك نجد قيمة الديون المحلية ارتفعت من 2619 مليار جنيه خلال هذه السنوات ولا نعرف الي كم بلغت الآن في يوليو 2023.
أما الديون الخارجية فقد كانت قيمتها في يونيو 2014 تصل الي 46 مليار دولار وكان سعر صرف الدولار يبلغ 7 جنيهات أي إن قيمة الديون الأجنبية مقومة بالجنيه تبلغ 322.5 مليار جنيه وارتفعت في 2023 لتبلغ 165 مليار دولار ولكن سعر الصرف اصبح 30.8 جنيه للدولار، وبذلك ارتفعت قيمة الديون الخارجية بالجنيه لتصل الي 5082 مليار جنيه!!!! أين أنفقت كل هذه الديون ؟
تم انفاقها علي الطرق والكباري والعاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة واعلي برج في افريقيا واكبر مسجد ثم اكبر كنيسة واكبر نجفة ومونوريل وقطار كهربائي سريع واسناد بالأمر المباشر ومشروعات لن تحقق عوائد علي المدي القصير والمتوسط وتشكل عبئ علي الموازنة خاصة وان مصر حصلت علي قروض جديدة في العام الماضي 1523.6 مليار جنيه وارتفعت في العام الحالي الي 2436 مليار جنيه تمثل 81.4% من إجمالي مصروفات الموازنة في 2023/2024 و 56% من إجمالي استخدامات الموازنة. وتجذرت الأزمة بحلول آجال سداد الديون والفوائد واستمرار نفس السياسات المعتمدة علي الاستدانة المحلية والخارجية وبحيث اصبحت عبئ كبير علي الموازنة وعلي الاقتصاد وعلي التنمية في مصر.
تشير الأرقام والبيانات المتاحة، إلى أن مصر بحاجة في الوقت الحالي إلى نحو 41 مليار دولار لتغطية مدفوعات الديون وعجز الحساب الجاري حتى نهاية عام 2023. ووفق البنك المركزي المصري، تنتظر مصر جدول سداد مزدحماً خلال الأعوام القليلة المقبلة، وبخلاف 26.4 مليار دولار ديون قصير الأجل يتعين سدادها خلال عامين، هناك ديون متوسطة وطويلة الأجل تجاوزت 72.4 مليار دولار حتى نهاية 2025.
وبحسب جدول سداد الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل يتعين على مصر سداد 8.3 مليار دولار حتى نهاية يونيو 2023، وفي 2024 يجب سداد 10.9 مليار دولار في النصف الأول و13.3 مليار دولار في النصف الثاني من العام.
وخلال عام 2025 يجب سداد 9.3 مليار دولار في النصف الأول و5.8 مليار دولار في النصف الثاني من العام، أما في عام 2026 فيتعين سداد 6.6 مليار دولار خلال النصف الأول من العام بخلاف 10.2 مليار دولار خلال النصف الثاني. ومن المقرر أن تسدد مصر لمؤسسات دولية نحو 3.6 مليار دولار في النصف الأول من 2023 و3.8 مليار دولار في النصف الثاني منه. ( العربية – خالد حسني – بالأرقام.. هذه التزامات مصر الخارجية حتى يونيو 2023 – 3 مارس 2023)
تنطلق مصر في عدة برامج لتجميع الدولارات اللازمة لسداد التزاماتها الملحة سواء للورادات او سداد أقساط وفوائد الديون. ورغم ذلك توجد أزمة في تجميع المبالغ المطلوبة وفق جداول الإحتياجات والسداد المستحق.
لذلك طرحت بيع شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام ولكن بعض دول الخليج ارادت ان يتم تقييم الصفقات بسعر الجنيه وليس الدولار بما يشكل خسارة كبيرة في قيمة المشروعات اضافة الي فقدان الأصل وتحويل الأرباح للخارج. ولم تستطيع مصر تنفيذ 10% من برنامج الطروحات الذي قدمته منذ شهور وبما يفاقم من الأزمة في ظل ضغوط الدول الخليجية وسحب المساعدات التي ساهمت في تخفيف حدة الأزمة لسنوات سابقة.
كما طرحت السداد المقدم لجمارك السيارات للمصريين في الخارج ولكن للاسف البرنامج لم يحقق المستهدف منه، طرحت بيع الأراضي والعقارات بل والجنسية المصرية للأجانب بالدولار ولكن هذا البرنامج لحق بسابقه. واخيراً طرحت شهادات دولارية بسعر فائدة يتراوح بين 7% و 9% دون السؤال عن مصدر الدولار لتتحول مصر الي ما يشبه الجزر العذراء ومراكز غسيل الأموال في العالم.هل يحل ذلك الأزمة ؟!!!
🛑 أسعار الفائدة العالمية
قد لا يتصور البعض من غير المهتمين أن أسعار الفائدة بالسالب في عدد من الدول مثل سويسرا واليونان واسبانيا واليابان . ووفقا لأسعار الفائدة في البنوك المركزية نجدها :
البنك المركزي المصري 18.25% البنك الاتحادي الروسي 8.50%
البنك المركزي التركي 17.50% بنك انجلترا 5%
البنك المركزي البرازيلي 13.75% البنك الفيدرالي الامريكي 5.5%
مؤسسة النقد العربي السعودي 5.75% مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي 5.15%
البنك المركزي الأوروبي 4% البنك الاحتياطي الاسترالي 4.1%
بنك الصين الشعبي 3.55% بنك اليابان -0.10 %
المصدر: https://sa.investing.com/central-banks/
لذلك سعر الفائدة الأعلي هو في الدول التي تعيش أزمات اقتصادية كبري مثل تركيا والبرازيل بينما معظم دول العالم الفائدة في حدود 5% وأقل وهي سالبة في اليابان. وقد سبق ان طرحت مصر سندات قناة السويس الجديدة وجمعت 64 مليار جنيه ( 3.6 مليار دولار) بسعر فائدة 12% وطرحت شهادات إدخار بفائدة 18% واستطاعت جمع 750 مليار جنيه. تري كم تستطيع أن تجمع من الشهادات الدولارية الجديدة وهل تكفي الايرادات المتوقعة تغطية الاستحقاقات الدولارية للواردات وسداد الفوائد والأقساط؟!
وإذا كان المتحصل من هذه الشهادات لن ينفق علي مشروعات استثمارية تدر دخل وعائد وانفقت علي الاستيراد والديون وعندما يحل موعد سدادها كيف يمكن سدادها؟! وهل تحويل مصر لمركز لغسيل الأموال يمكن أن يكون جاذب للاستثمار المباشر؟!
اسئلة كثيرة تعكس التخبط في البحث عن أي حلول لأزمة نقص الدولار وزيادة الاحتياجات الدولارية في اقتصاد معتمد علي الدولار بشكل رئيسي. نأمل أن نتجاوز الأزمة ولكن للأسف هذه الحلول تشكل إعادة لإنتاج الأزمة.