إلهامي الميرغني يكتب: استمرار بيع الأصول لسداد الديون ( 1 )
عندما تستسلم أي دولة لصندوق النقد الدولي يبدأ في إملاء شروطه وروشتته الثابته لكل دول العالم والتي تفعل فعلها في كل دول العالم من الأرجنتين الي جنوب إفريقيا . وروشتة الصندوق معروفة وثابته وهي رفع يد الدولة وإطلاق حرية الأسواق بدعوي كاذبة بأن الأسواق توازن نفسها ، وتقليص الدور الاقتصادي للدولة لصالح القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي وتخفيض سعر الصرف وإلغاء الدعم لأنه تدخل في حرية الأسواق وترك التعليم والصحة والمرافق العامة للقطاع الخاص . وتعد الخصخصة في كل القطاعات ركيزة لبرنامج الصندوق الذي تطبقه مصر منذ عقود والذي دخلنا في مرحلته الأخيرة منذ عام 2016 ومستمرين حتي الآن والنتيجة 6.8 تريليون جنيه ديون محلية و 165 مليار دولار ديون خارجية و 1120 مليار جنيه فوائد ديون و 1316 مليار جنيه سداد أقساط في سنة واحدة ، إضافة الي الحصول علي 2140 مليار جنيه قروض جديدة في 2023/2024.
الدكتور مختار خطاب أحد رموز الخصخصة أعلن في حوار أجرته معه صحيفة اليوم السابع عام 2008 أن الخصخصة قرار ساداتى..ثبت فشله وواصل “لم ينجح اتفاق 1987 مع دول نادي باريس في حل مشكلة الدين الخارجي ولذلك سعت مصر إلى تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي عام 1991 باتفاق مع صندوق النقد الدولي، وحوى الاتفاق مجموعة من السياسات والإجراءات التي تؤدي في النهاية إلى تخفيف الطبيعة الاحتكارية وزيادة التنافسية في الاقتصاد المصري عن طريق تقليل وتقليص دور الدولة سواء الخدمي أو الإنتاجي، إلى جانب تحويل الشركات المنتجة للسلع والخدمات إلى القطاع الخاص (الخصخصة)، وكذلك تحرير الأسعار من قيود التسعير الجبري وخفض الدعم وتحرير الزراعة والتجارة الداخلية والخارجية وأسعار الصرف والفائدة ومنح فرص أوسع للقطاع الخاص للمشاركة في التنمية”. وقال خطاب أن اسماء الشركات التي سيتم بيعها كان يأتي من جهات أعلي من الوزارة .
أهم نتائج الخضوع لشروط الصندوق هو تعميق التبعية ووضع القيود علي القرار الاقتصادي الوطني وتوجيه الاقتصاد نحو المزيد من الاندماج في السوق العالمي واذا كان الاقتصاد ضعيف ويعاني الأزمات فإن خضوعه للسوق العالمي يعني المزيد من العجز وفقدان الأصول والموارد وهذا هو ما يحدث في مصر منذ عادت للخضوع لشروط الصندوق . وبما ينعكس علي التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة.
مراحل الخصخصة
يمكن تمييز الخصخصة في عدة مراحل علي النحو التالي :
المرحلة الأولي من 1974 حتي 1991 وهي مرحلة التفكيك والتجارب وتغير شكل القطاع العام وتنظيمه والخلاف حول قيمته وافضل اساليب للبيع. وقد شملت وزارات السادات وعبدالعزيز حجازي وممدوح سالم ومصطفي خليل وعلي لطفي وعاطف صدقي . وصدرت لذلك عدة تشريعات منها:
– قانون الشركات المساهمة رقم 159 لسنة 1981 والذي تمت عليه عدة تعديلات.
– القانون رقم 120 لسنة 1975 في شأن البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي.
– القانون رقم ٣٨ لسنة ١٩٩٤ بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبى.
– القانون رقم 95 لسنة 1992 بإصدار قانون سوق رأس المال وعودة البورصة المصرية.
القانون 101 لسنة 1992 بإنشاء الجامعات الخاصة.
القانون 38 لسنة 1994 بتنظيم التعامل في النقد الأجنبي.
قانون ضمانات وحوافز الاستثمار لسنة 1997 .
قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 284 لسنة 1997 بإنشاء الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة .
قانون التجارة رقم 17 لسنة 1997.
القانون 93 لسنة 2000 بإصدار قانون الإيداع والقيد المركزي للأوراق المالية.
القانون رقم 83 لسنة 2002 بشأن المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة.
قانون رقم ٨٨ لسنة ٢٠٠٣ بإصدار قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد والمعدل بالقانون رقم ١٦٢ لسنة ٢٠٠٤ وبالقانون رقم ٩٣ لسنة ٢٠٠5 .
قرار رئيس جمهوریة مصر العربية رقم ٦٤ لسنة ٢٠٠٤ بإصدار النظام الأساسى للبنك المركزى المصرى.
المرحلة الثانية من صدور القانون 203 لسنة 1991 وحتي 2005 وهي مرحلة الخصخصة المتدرجة التي تم خلالها بيع العشرات من الشركات الناجحة والرابحة. وقد شملت وزارات عاطف صدقي وكمال الجنزوري وعاطف عبيد.
المرحلة الرابعة من 2005 وتولي وزارة أحمد نظيف ورجال الأعمال وحتي 2010 وهي مرحلة بيع كل الأصول والشركات . وصدرت خلالها عدة تشريعات منها:
قانون الضريبة علي الدخل رقم 91 لسنة 2005 والذي جعل اعلي سعر للضريبة علي الدخل 25% .
القانون رقم 67 لسنة 2010 بتنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الاساسية والخدمات والمرافق العامة.
المرحلة الخامسة من 2011 – 2016 وهي مرحلة البيع البطئ . وتشمل وزارات أحمد شفيق وعصام شرف وكمال الجنزوري وهشام قنديل وحازم الببلاوي إبراهيم محلب . وصدرت خلالها تشريعات كارثية مثل :
قرار ر ئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 82 لسنة 2013 في شأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات و المزايدات و بعض أحكام قانون تنظيم المناقصات و المزايدات والذي فتح باب إسناد المشروعات بالأمر المباشر.
القانون رقم 32 لسنة 2014 بتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة.والذي حصن صفقات البيع الفاسدة لشركات القطاع العام.
وهي التشريعات التي قننت للفساد في صفقات البيع ومنع الطعن علي العقود الفاسدة .
المرحلة السادسة من 2016 وتوقيع اتفاق الصندوق وحتي الان وهي تشمل بيع كل شئ ليس فقط الشركات بل امتد البيع لكل اصول الدولة وخدمات التعليم والصحة والمرافق العامة . وهي تشمل وزارات شريف إسماعيل ومصطفي مدبولي. وقد شملت صدور عدد من التشريعات منها:
القانون 144 لسنة 2017 بشأن التصرف في الأراضي المملوكة للدولة.
قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017.
القانون رقم 177 لسنة 2018 بإنشاء صندوق مصر السيادي وتعديلاته.
وثيقة ملكية الدولة التي طرحتها حكومة مصطفي مدبولي في 2023.
وبالتالي تم إيجاد القواعد التشريعية للبيع والذي لم يعد قاصراً علي الشركات بل امتد لعمل عقود إدارة للمطارات والموانئ بل وتأجير للمستشفيات والمدارس في مرحلة بيع كل شئ في مصر.
تطور مفهوم الخصخصة المعلن
عند بدء البرنامج كان الحديث عن بيع شركات القطاع العام الخاسرة أو التخارج من المشروعات المشتركة بين الدولة ومستثمرين آخرين. ثم امتد المفهوم الي الشركات الرابحة بل والشركات الأعلي ربحية ( بنك الإسكندرية – أبوقير للأسمدة – إسكندرية لتداول الحاويات – مصر للتأمين – الشرقية للدخان ) .
لكن بدء طرح مفهوم جديد للتحايل والتلاعب وهو تحويل الأصول المملوكة للدولة ملكية عامة الي اصول مملوكة للدولة ملكية خاصة وذلك تمهيداً لبيعها وهو تلاعب لفظي يتيح حرية البيع بلا اي رقابة باعتبار انها ليست ملكية عامة بل ملكية خاصة للدولة .
في نهاية حكم مبارك طرح الدكتور محمود محي الدين بيع كل القطاع العام للشعب المصري بصكوك لكي يتخلص من كل الشركات دفعة واحدة . لكنها كانت سنوات الحراك الشعبي ففشل مشروع محي الدين ونظيف في البيع .
ثم وصلنا الي صندوق مصر السيادي والذي تم تحويل ملكية مئات المشروعات والأراضي ذات القيمة العالية إليه مثل ارض الحزب الوطني السابق علي كورنيش النيل وارض مجمع وزارتي الداخلية والعدل في لاظوغلي ومواقع الوزارات والمصالح التي تم نقل ملكيتها الي الصندوق . حتي وصلنا الي المرحلة الحالية حيث تم طرح ميناء سفاجا للتشغيل لمدة 30 سنة من شركة مواني دبي، ثم بيع سبع فنادق تاريخية لشركة هشام طلعت مصطفي التي هدمت فندق سان استيفانو التاريخي لتقيم مكانة مول وفندق جديد. وقد نشرت الصحف أن رئاسة مجلس الوزراء كلفّ وزير التربية والتعليم والتعليم الفني بسرعة طرح المدارس الجاهزة والتي يبلغ عددها 10 مدارس، على المستثمرين من القطاع الخاص، وسرعة الانتهاء من أعمال التطوير الجارية في 34 مدرسة أخرى من أجل طرحها على المستثمرين. ( صدي البلد – إسراء عبدالمطلب – طرح 10 مدارس على القطاع الخاص.. وقرارات جديدة وعاجلة بشأن 34 أخرى – 4 ديسمبر 2023). ويمتد البيع ليصل إلي أبراج الشركة المصرية للاتصالات. ولا يوجد شئ يمكن أن يوقف حمي البيع لدي الحكومة .
كما وقع الصندوق السيادي اتفاقية شراكة مع شركة تنوير للخدمات التعليمية لتطوير المدرسة الخامسة على أرض القرية الذكية بمدينة السادس من أكتوبر، قال إن الشراكة تعد واحدة من أهم استثمارات الصندوق السيادي مع القطاع الخاص. وأوضح أن الشراكة تأتي في إطار تعزيز دور القطاع الخاص في الاستثمار بالقطاعات ذات الأولوية التي تشجعها الدولة مثل التعليم، موضحا أن بناء الفصول الدراسية من شأنه أن يرفع هذا الدور عن كاهل الدولة هذا بخلاف فرص الاستثمار. وأضاف أن الصندوق يعمل على تذليل عقبات الاستثمارات عبر الدخول كشريك عيني بمساحة الأرض وإتاحة فرص الاستثمار للقطاع الخاص للاستثمار، معقبا: “كل جنيه أنفقه الصندوق؛ جذب معه حوالي 10 جنيهات من القطاع الخاص”. وأشار إلى مشاركة الصندوق في 16 مشروعا مع القطاع الخاص، موضحا أن حجم المحفظة الاستثمارية للصندوق تجاوز 14 مليار جنيه، فيما تخطت حجم المشروعات والأصول التي يديرها الصندوق 200 مليار جنيه.
لكن الصادم هو تصريح مصطفي مدبولي بأن حصيلة البيع بلغت 5.6 مليار دولار. هل يكفي هذا المبلغ أمام ديون خارجية تتجاوز 165 مليار دولار وواردات تتجاوز 80 مليار دولار والتزامات واجبة السداد في 2024 تبلغ 29.2 مليار دولار منها 6.3 مليار دولار سداد فوائد و 22.9 مليار دولار سداد أقساط قروض . وماذا نفعل بيع بيع كل المشروعات الرابحة والأصول وماذا نقول للأجيال القادمة؟!