إعادة إلى «الجحيم».. مسلسل ترحيل طالبي اللجوء الإريتريين من مصر مستمر: 21 ملتمس لجوء يواجهون خطر الترحيل الوشيك
تقرير: السلطات المصرية تحتجز في محافظتي أسوان والبحر الأحمر أكثر من 200 ملتمس لجوء إريتريين بينهم رجال ونساء وأطفال
خبراء أمميون يطالبون السلطات المصرية مراجعة سياستها في طرد المواطنين الإريتريين دون إجراء أي تقييم للمخاطر
كتبت- كريستين صفوان
يواجه 21 ملتمس لجوء إريتري خطر الترحيل الوشيك من مصر إلى بلادهم، بعد انتهاء استخراج السلطات بطاقات سفر لهم بالتنسيق مع السفارة الإريترية في القاهرة، بحسب ما كشفت «منصة اللاجئين في مصر».
وأفاد تقرير لـ«منصة اللاجئين في مصر» بأن السلطات المصرية تحتجز في محافظتي أسوان والبحر الأحمر أكثر من 200 ملتمس لجوء إريتريين (رجال ونساء وأطفال).
ويأتي هذا الاحتجاز على خلفية القبض عليهم بعد دخولهم الأراضي المصرية بشكل غير نظامي أملا في طلب اللجوء فيها هربا من انتهاكات حقوق الإنسان في بلدهم. وينص القانون رقم 82 لسنة 2016 والخاص بمكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر على أنه «لا تترتب أية مسؤولية جنائية أو مدنية على المهاجر المهرب عن جرائم تهريب المهاجرين المنصوص عليها في القانون، ولا يعتد برضاء المهاجر المهرب أو برضاء المسئول عنه أو متوليه في جرائم تهريب المهاجرين المنصوص عليها في هذا القانون».
وذكرت التقرير أن المحتجزين طلبوا عدة مرات تمكينهم من تقديم طلب التماس اللجوء وهو ما رفضته سلطات مقر الاحتجاز.
كما لم يتلق ذوي المحتجزين رد من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول طلبهم تسجيل ذويهم المحتجزين كـ ملتمسي لجوء، ورفضت إدارة الجوازات والهجرة والجنسية التابعة لوزارة الداخلية تسليمهم إلى ذويهم المقيمين في مصر ولديهم تصاريح إقامة ومحل إقامة ثابت ومعلوم برغم تقديمهم طلبات تفيد صلة القرابة بينهم.
وقال التقرير إن المحتجزين لم يحصلوا على حقهم في المحاكمة العادلة أو الاحتجاز بناء على قرار قضائي، أو الطعن على قرار إحتجازهم، كما لم يتم تمكينهم من الحصول على حق الدفاع والتمثيل القانوني من محامي من اختيارهم أو بتعيين من سلطة التحقيق والمحاكمة، و لم يتم إعلامهم بأي اتهامات ضدهم.
وبحسب التقرير فإن من بين المحتجزين 44 طفلا وفتاة، أحد هؤلاء الأطفال وُلد أثناء الإحتجاز حيث كانت والدته حامل وقت اعتقالها في يونيو 2021 وتم إخراجها للولادة في إحدى المستشفيات ثم إعادتها مرة أخرى إلى مقر الاحتجاز، «ولا يتوفر للأطفال والفتيات أي نوع من أنواع الرعاية الخاصة لهم/هن من ناحية الدعم الغذائي والطبي والنفسي».
ومنذ الأسبوع الماضي، نقلت السلطات المصرية 53 طالب لجوء إريتري – بينهم أطفال – كانوا محتجزين في محافظة أسوان، وذلك بغرض العرض على السفارة الإريترية بالقاهرة لاستخراج وثائق سفر للبدء في ترحيلهم، بحسب «منصة اللاجئين في مصر».
وكانت مصر قد رحلت ثمانية من طالبي اللجوء الإريتريين، منهم أطفال ونساء ومرضى من عائلة واحدة قسريا وجبريا إلى بلادهم في 31 أكتوبر الماضي. ومنذ ذلك الحين، لم يراهم أحد ويُعتقد أنهم محتجزون في الحبس الانفرادي، بحسب تقرير أممي.
والثمانية الذين تم ترحيلهم من ضمن مجموعة مكونة من ثمانية عشر ملتمس وملتمسة لجوء كانت السلطات قد قامت بإلقاء القبض عليهم بعد دخولهم إلى مصر بطريقة غير نظامية في 24 أكتوبر 2019 ، واستمر احتجازهم لمدة عامين «بدون سند قانوني في ظل ظروف سيئة»، بحسب «منصة اللاجئين في مصر».
ويعد التجنيد الإجباري والخدمة الوطنية مدى الحياة أحد أبرز انتهاكات حقوق الإنسان في إريتريا، التي يقدر انتشار العبودية الحديثة فيها بنحو 451,000 شخص في عام 2018. ويمكن أن تتراوح الخدمة الوطنية من العمل الإداري إلى البناء والتدريب العسكري المتقدم، وليس لدى الإريتريين أي اختيار في هذا الشأن على الإطلاق.
وتتهم تقارير حقوقية وأممية حكومة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، الذي يحكم البلاد منذ العام 1991، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية من بينها الاستعباد والاغتصاب والتعذيب على مدار الـ30 عاما الماضية.
وبحسب إحصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر في نهاية نوفمبر 2021 يبلغ عدد اللاجئين المسجلين في مصر 269,826 لاجئ ولاجئة مسجلين لدى المفوضية ومن بينهم 20,778 شخصا من إريتريا.
وتنص المادة 91 من الدستور المصري أن «للدولة أن تمنح حق اللجوء السياسى لكل أجنبى اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الإنسان أو السلام أو العدالة».
وتؤكد ذات المادة أن «تسليم اللاجئين السياسيين محظور، وذلك كله وفقًا للقانون».
لكن في 17 نوفمبر الماضي، رحلت السلطات المصرية سبعة طالبي لجوء إريتريين قسرا إلى إريتريا. ومن بين المرحلين خمسة أطفال. وهم أيضا من ضمن مجموعة الثمانية عشر طالب لجوء الذين ألقت عليهم السلطات في أكتوبر 2019.
وأعرب خبراء حقوق إنسان أمميون – آنذاك – عن بالغ القلق إزاء إعادة السلطات المصرية سبعة من طالبي اللجوء الإريتريين قسريا، إلى بلادهم، على الرغم من خطر تعرضهم للاختفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة، وفي انتهاك للالتزامات الدولية لحقوق الإنسان.
وقال الخبراء في بيان إن «الأفراد الذين فروا من إريتريا ثم أعيدوا إليها بعد ذلك قسرا يعتبرون (خونة) وغالبا ما يتم احتجازهم عند وصولهم إلى إريتريا، واستجوابهم وتعذيبهم واحتجازهم في ظروف عقابية شديدة ثم يختفون».
وأشار البيان إلى أن طالبي اللجوء الذين أعيدوا إلى بلادهم «حُرموا من الوصول إلى التمثيل القانوني ومن نظام اللجوء وكذلك الوصول إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين (..) وأُعيدوا قسرا إلى إريتريا دون أي تقييم فردي للانتهاكات التي قد يتعرضون لها عند عودتهم». وقال الخبراء إن «أي عملية إعادة إلى الوطن دون الاحترام الكامل للضمانات الإجرائية، بما في ذلك تقييم المخاطر الفردية، تنتهك الحظر المطلق للإعادة القسرية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وقانون اللاجئين».
ولا يزال ثلاثة أفراد آخرين من العائلة رهن الاحتجاز في مصر، ويواجهون أيضا خطر الإعادة القسرية الوشيكة إلى إريتريا. و«هربت هذه الأسرة من إريتريا لأنها كانت تخشى أن يتعرض أفراد الأسرة الصغار، بمن فيهم الأطفال، للتجنيد الإجباري إلى أجل غير مسمى. وترتبط الخدمة الوطنية إلى أجل غير مسمى في إريتريا بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك السخرة والتعذيب أو المعاملة المهينة وغير الإنسانية والعنف الجنسي».
ووفق «منصة اللاجئين في مصر» فإن الثلاثة أفراد الباقين من مجموعة الثمانية عشر طالب لجوء محتجزين بقسم شرطة القصير بمحافظة البحر من بينهم طفل، ويجري استخراج وثائق سفر لهم تمهيدا لترحيلهم.
وحث الخبراء الأمميون الحكومة المصرية على الوقف الفوري لترحيل طالبي اللجوء الإريتريين الثلاثة الذين ما زالوا رهن الاحتجاز، ومراجعة سياستها في طرد المواطنين الإريتريين دون إجراء أي تقييم للمخاطر، وعلى الرغم من المخاطر الكبيرة المتمثلة في الاحتجاز التعسفي، والاختفاء والتعذيب وسوء المعاملة في إريتريا. ودعا الخبراء المستقلون إريتريا إلى احترام حقوق العائدين الإريتريين، والإفراج الفوري عن هذه العائلة، وكذلك جميع طالبي اللجوء الإريتريين العائدين الذين أُفيد بأنهم محتجزون بشكل تعسفي.
ويشار إلى أن ترحيل الإريتريين قسريا من مصر حدث عدة مرات خلال العقدين الماضيين، ففي ديسمبر من العام 2008 أعادت السلطات المصرية 25 من طالبي اللجوء الاريتريين قسرياً من مطار القاهرة إلي اريتريا.
وأدانت «منصة اللاجئين في مصر» الاعتقال التعسفي والترحيل القسري الممنهج لطالبي اللجوء الإريتريين، ودعت السلطات المصرية إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين والمحتجزات وضمان سلامتهم الجسدية، وتمكينهم من إجراءات طلب اللجوء، وحذرت من تنفيذ أي عملية ترحيل قسري أخرى.
كما حثت المنصة، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر على التحرك من أجل تغيير السياسات التي تنتهك حقوق اللاجئين واللاجئات، والعمل على تمكين ملتمسي اللجوء المحتجزين من إجراءات التسجيل وطلب اللجوء، وتوفير المساعدات الإنسانية اللازمة لهم ولعائلاتهم، والتدخل العاجل لتقديم الإغاثة اللازمة للمحتجزين حاليا خاصة الأطفال وضمان سلامتهم الجسدية والنفسية جميعا.
وفي سبتمبر الماضي، طالب الناشط الإريتري عثمان حجاج، المنظمات والمدافعين عن حقوق الإنسان حث السلطات المصرية على عدم ترحيل طالبي اللجوء الإريتريين قسريا إلى بلاده، مشيرا إلى أن ترحيلهم يعني عودتهم إلى «الجحيم».
يذكر أن المفوضية العليا للاجئين أصدرت منذ سنوات مبادىء توجيهية موجهة إلى جميع الحكومات تضمَّنت معارضة إعادة طالبي اللجوء المرفوضين إلى إريتريا بسبب سجلها في عمليات الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي والتعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة.