إسلام الكلحي يكتب: البقاء في المنزل هو الحل
«أنا أعمل في مجال الاستعداد للأوبئة لمدة 20 سنة تقريبا وبدون أي عواطف على الإطلاق، أو محاولة تسخين الوضع ودون مبالغة أو غلو؛ هذا أكثر مرض مرعب رأيته على الإطلاق طيلة مسيرتي المهنية وهذا يشمل إيبولا وميرس وسارس، وهو مرعب بسبب مزيج سرعة انتشاره وقدرة قتل تبدو أكثر من الإنفلونزا بأضعاف».
هكذا يقول الدكتور ريتشارد هاتشيت، الرئيس التنفيذي لتحالف ابتكارات التأهب للأوبئة «CEPI» غير الربحية، والذي أكد في مقابلة تلفزيونية، أننا منذ اجتاح وباء الإنفلونزا الإسبانية العالم في العام 1918، لم نر فيروسا يجمع بين سرعة الانتشار وقدرة القتل، بمثل هذه الطريقة.
إذن، نحن ليس بمأمن من هذا الخطر، ولا بد أن نتصرف حتى نقي أنفسنا وأهلينا وبلادنا من هذا الفيروس.
يقول مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس «إذا تصرفتم بحزم الآن، فيمكن احتواء الفيروس».
ولكن لكي نتصرف لا بد أن نعرف أولا عن الفيروس الذي يواصل انتشاره في مختلف أنحاء العالم، حاصدا آلاف الأرواح.
فيروسات كورونا لمن لا يعرف هي زمرة واسعة من الفيروسات؛ تشمل فيروسات يمكن أن تتسبب في مجموعة من الاعتلالات في البشر، تتراوح ما بين نزلة البرد العادية وبين المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة.
للأسف يقلل بعض من الناس على مواقع التواصل الاجتماعي من خطورة فيروس كورونا، ويطلق بعض آخر شائعات ومعلومات غير صحيحة عنه المرض تزيد من حالة الذعر بين المواطنين، فيما يذهب فريق ثالث للسخرية من الأمر برمته، وكأنهم بعيدون عن مرمى الخطر.
نعم نسب الوفيات بسبب فيروس كورونا لا تقارن بفيروس «الإيبولا» الذي قد تصل أعلى نسب وفيات له لـ80% وأكثر قليلا؛ لكن «الإيبولا» و«نيباه» وغيرها من الفيروسات التي تصنف بأنها شديدة الفتك، ليس لها نفس قدرة العدوى.. «ليس لها القدرة أن تنفجر، وتنتشر في العالم كله» مثلما يفعل كورونا، وفق هاتشيت.
وبحسب الكثير من العلماء فإن فيروس كورونا الجديد، المعروف اختصاصيًا باسم (SARS-CoV-2) خطير جداً لأنه يمزج كما قلنا سابق بين سرعة العدوى مع القدرة على إحداث أمراض شديدة أو الموت. وكما نرى يجري الإعلان يومياً عن اكتشاف آلاف الإصابات جديدة حول العالم بالمرض المعروف باسم (COVID-19). وفي مصر أصبح يكشف عن عشرات الحالات في بعض الأيام مؤخرا.
والمدقق في الأرقام الخاصة بنسب الإصابات، يجد أن أعداد المصابين شهدت في إيطاليا على سبيل المثال «قفزة كبيرة جدا في الأرقام» يوم 23 فبراير الماضي؛ نفس الأمر حدث في الصين قبل إيطاليا، ويحدث حاليا في إسبانيا وفرنسا وألمانيا. وهذا يرجع – بحسب بعض الخبراء – إلى أن الحالات التي سجلتها هذه الدول للمصابين، كانت أقل من الأرقام الحقيقية لأعداد المصابين.
وهذا لا يعني أن هذه الدول كانت تكذب بشأن أعداد المصابين لديها، ولكن يعني أن هناك فترة كان ينتشر فيها الفيروس دون اكتشافه، وفجأة ظهرت هذه الإصابات مع تدهور حالات الأشخاص المصابين بالمرض، وهو ما جعل النظام الصحي في دولة مثل إيطاليا غير قادر على مواكبة الانتشار والسيطرة عليه؛ حيث تعرضت لضغط كبير ولم تتمكن من مواكبة التعامل مع الحالات الجديدة.
ماذا يعني هذا؟… هذا يعني أن الأرقام المسجلة في إيطاليا كانت وما زالت أقل من الأعداد الحقيقية المصابة بالفيروس.
وفي ضوء هذا، أقول لكم: «سيحدث نفس الأمر في مصر».. فلا تهلعوا حينما تحدث القفزة في أرقام المصابين ببلادنا، فهذا الأمر سيحدث؛ فقط طبقوا تعليمات وزارة الصحة المصرية، ومنظمة الصحة العالمية، وأي قرارات تصدرها الحكومة في سبيل الحد من انتشار المرض واحتوائه، كما يحدث في الصين الآن.. نعم الصين احتوت المرض لدرجة أن عدد الإصابات الوافدة كانت منذ أيام أكثر من الحالات المكتشفة بين الموجودين فيها.
الاحتواء هو الخطوة الأولى في الاستجابة لأي تفشي، بحسب أستاذ علم الأوبئة بجامعة هارفارد مارك ليبسيتش؛ الذي يتوقع أن يصاب في العام المقبل حوالي 40 إلى 70 بالمائة من الناس حول العالم بفيروس كورونا. وهنا أود الإشارة إلى أن كثيرين من علماء الأوبئة يعتقدون أن النتيجة الأكثر ترجيحًا لهذا المرض هو مرض موسمي جديد – فيروس كورونا خامس «مزمن» – مع الأربعة الآخرين.
ولاحتواء المرض، ليس علينا فقط أن نطبق الإجراءات والتعليمات التي أعلنت عنها الحكومة؛ بل وأن نزد عليها إجراءات احترازية أكثر تساعد في الحد من وتيرة انتشاره، كالبقاء في المنزل وعدم النزول إلا في حالة الضرورة القصوى.. لما لا نفعل ذلك مثلما يفعل شعوب كثير من الدول؟
في المغرب، التي يقل عدد الإصابات فيها عن مصر بكثير، دشن مواطنون حملة بعنوان «#بقا_فداركم» أي «خليك في البيت» تحث المواطنين على البقاء في بيوتهم، فلما لا نطلق حملة مماثلة.
فلنتفق على ألا نشارك خبرا حول المرض مصدره جروب على الـ«واتس آب»، حتى نواجه سيل الشائعات التي تنتشر حول فيروس كورونا، ولنعتمد على المصادر الموثوقة؛ وهي صفحة وزارة الصحة، ومنظمة الصحة العالمية، والمواقع الإخبارية ذات المصداقة العالية؛ فالشائعات والمعلومات المغلوطة تزيد من نسبة الذعر والتوتر.
لا تقللوا من خطورة فيروس كورونا، لقد قتلت كل من متلازمة سارس ومتلازمة الشرق أوسط التنفسية أقل من 1000 شخص، في حين قتل فيروس كورونا الجديد أكثر من ضعف هذا العدد. لقد أبلغ علماء صينيون في المجلة الطبية JAMA عن وجود حالة واضحة لانتشار الفيروس بدون أعراض، من مريض كانت الأشعة المقطعية لصدره طبيعية. وخلص الباحثون إلى أنه إذا لم تكن هذه النتيجة تُعد «شذوذًا غريبًا»؛ فإن الوقاية من عدوى كوفيد-19 ستكون «صعبة».
علاج فيروس كورونا المستجد COVID-19، ليس قريبا كما يعتقد كثيرون.. في حال سارت كل الأمور – فيما يخص الوصول إلى علاج لمرض كورونا – في مجراها الصحيح، سيستغرق الأمر مدة تتراوح بين اثني عشر شهرًا إلى ثمانية عشر قبل اعتبار المنتج الأولي آمنًا وفعالًا، وفق الدكتور ريتشارد هاتشيت، الرئيس التنفيذي للتحالف من أجل ابتكارات الاستعدادات الوبائية.
وليحرص كل فرد منا على تجنب الاختلاط مع الأشخاص الذين يشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا كما هول الحال بالنسبة للمصابين بالإنفلونزا. وليبقى كل مصاب بالبرد في منزله حتى يشفى تماما؛ أما إذا كان يشك في إصابته بـ«كورونا» فلا يتردد في الاتصال بالخط الساخن لوزارة الصحة.
مرة أخرى، لا تهونوا من أمر كورونا. رئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون قال الأسبوع الماضي، إن «فيروس كورونا سيواصل الانتشار في البلاد خلال الأيام المقبلة حاصدا مزيدا من الأرواح»، فيما حذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، من احتمال إصابة ما يقرب من 70 في المئة من سكان ألمانيا بفيروس كورونا المستجد.
قد تكون تصريحات جونسون وميركل فيها بعض التهويل، لكن لا يجب – أبدا أبدا أبدا – التهوين من الأمر.
فليكن الأمر بإيدينا.. نقلل من الخروجات، ونتجنب الأماكن المزدحمة، ونحرص على النظافة واستعمال المطهرات وغسل اليدين باستمرار، ونمكث في بيوتنا عند الإصابة بالبرد، حتى نقي أنفسنا وبلادنا هذا الخطر، ولا ندفع السلطات لفرض حظر تجوال.. حظر لن أقول إنني أراه ضروريا الآن، لكنه سيكون حتميا حال تجاوزت عدد الإصابات الألف حالة قبل نهاية شهر مارس.
بالنسبة للحكومة المصرية.. أتمنى أن تكون بيانات وزارة الصحة أكثرا وضوحا وتفصيلا، بحيث ندرك أين ومتى وكيف حدث الإصابات بالتحديد، واقترح أن تدشن موقعا وتطبيقا يتضمن تحديثا آنيا بكل المعلومات سالفة الذكر كما هو الحال في الصين، حيث يوجد أكثر من تطبيق يعرف من خلالها الشخص كل الأرقام الخاصة بالمرض، سواء عدد الحالات المؤكدة، أو المشتبه بها، بالإضافة للحالات التي تعافت، وحالات الوفاة. وتمكن هذه التطبيقات معرفة مكان الحالات المكتشفة بالتحديد؛ أي يوضح المقاطعة، والمدينة، والحي السكني، والشارع، والمبنى السكني.
وفائدة هذه التطبيقات تتمثل في أنها تعطي فكرة للمواطنين عن أماكن اكتشاف الحالات، ما يجعلهم يأخذون حذرهم واحتياطاتهم أثناء حياتهم اليومية، بحيث يتجنبون الأماكن التي ظهرت فيها حالات مصابة بالمرض؛ فإذا تم اكتشاف حالة في مول تجاري مثلا، يتجنبون هذا المول.
أيضا أتمنى أن توضع كاميرات حرارية في جميع محطات مترو الأنفاق وفي مختلف المطارات عند عودة حركة الطيران، حيث تكشف الحرارة بشكل جماعي على الأشخاص، لسهولة رصد من يُشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا.
ولا بد أن تصدر تعليمات للقائمين على الشركة المصرية لإدارة تشغيل مترو الأنفاق بتقليل مدة زمن التقاطر، للحد من الزحام على الأرصفة وداخل عربات المترو، حيث تصل مدة التقاطر في بعض الأوقات لأكثر من 10 دقائق ما يسبب زحام شديد في محطات المترو والقطارات.
كما أتمنى أن توضع في كل محطة مترو عبوات جل مطهر لليدين ليقوم كل شخص بتعقيم يديه في محطة الصعود، ومحطة النزول.
أخيرا، أكررها: لا تهلع عزيز القاري حينما تحدث القفزة في أرقام المصابين ببلادنا، فهذا الأمر سيحدث.. لا أريد أن أخيفك أو أصيبك بالذعر، ولكني أريدك أن تعلم أن فيروس كورونا موجود بالفعل، وهو خطير، وينتشر؛ وإن كانت مخاوفك مازالت قليلة، فلتنظر إلى الأرقام الخاصة بمصر.. لقد سجلنا أول حالة إصابة بفيروس كورونا في 14 فبراير الماضي، ومنذ هذا التاريخ وحتى 10 مارس الجاري وهو اليوم الذي لم يتم رصد أي حالات جديدة فيه، كان عدد الحالات في مصر 59 حالة فقط.
لكن في الثمانية أيام التالية فقط، سجلت مصر 151 حالة إصابة بفيروس كورونا.. أي أكثر من ضعف الحالات التي تم اكتشافها في 26 يوما السابقة. انظر إلى الأرقام: سجلنا في 11 مارس 11 حالة، وفي 12 مارس 13 حالة، وفي 13 مارس 13 حالة، وفي 14 مارس 14 حالة، وفي 15 مارس 16 حالة، وفي 16 مارس 40 حالة (قفزة كبيرة بعض الشيء)، وفي 17 مارس 30 حالة، وفي 18 مارس كانت عدد الإصابات الجديدة 14 حالة.
هل لاحظت كيف ينمو وينتشر؟ لا أريد أن أقول لك كم عدد الإصابات التي اتوقع أن نصل إليها مع حلول نهاية شهر مارس؛ لكنني ساكتفي بأن أشير إلى أنها في أفضل الأحوال قد تتراوح من 500 لـ 1000 حالة.. نحن من سيحدد ما إن كان المرض سينتشر على نحو واسع أم لا، فالأمر يتعلق بنا بدرجة كبيرة؛ فإذا أدركنا حقا حجم الخطر الذي يحيط بنا، وبقينا في منازلنا من الآن قبل أن يٌفرض علينا الأمر سنساعد في احتواء المرض، وتقليل عدد الأحباء الذين سنخسرهم.