إسلام الكلحي.. المهنة “صحفي” والتهمة “صحفي” (محبوس يا طير الحق)
واقع مرعب الذي تعيشه الصحافة المصرية هذه الأيام، شواهده ظاهرة للعيان (من تضييق إلى حجب إلى إغلاق، انتهاء بالحبس والاعتقال، ولا مجال للسؤال عن التهمة).
في ظهيرة التاسع من سبتمبر الحالي، خرج إسلام الكلحي ليمارس علمه الصحفي المعتاد، هذه المرة لتغطية حادث وفاة شاب في منطقة المنيب بالجيزة، بناء على تكليف من إدارة تحرير موقع “درب” التابع لحزب التحالف الشعبي، وكان ذلك فقط كفيل بملاحقة عناصر الأمن له وصولا إلى احتجازه لساعات قبل نقله إلى نيابة أمن الدولة العليا، التي قررت في صباح اليوم التالي حبسه 15 يوما احتياطيا على ذمة اتهامه في القضية رقم 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا.
ساعات عصيبة عاشتها أسرة إسلام وأصدقاؤه للاستفسار عن مصيره قبل قرار النيابة، دون إجابة شافية، اتصالات بالجهات والمسؤولين، الجميع يتحدثون عن تدخلهم لمعرفة سبب احتجازه والتدخل للإفراج عنه، يسأل شقيقه “إيهاب” الحرس لينكروا وجوده، ليؤكدوه لاحقا، قائلين إنه لا شيء أمامه لفعله بعد انتهاء التحقيق وصدور القرار.
“إسلام الكلحي نزل يشتغل اتقبض عليه واتحبس، إسلام كان بيغطي، معملش حاجة غير الصحافة، لو سمحتم حددوا لنا إيه نوع الصحافة اللي يناسبكم عشان ما نتوجعش على زمايلنا وأصحابنا كل يوم”، يقول رئيس تحرير موقع “درب” خالد البلشي، مستنكرا قرار حبس الزميل في الموقع لمجرد تغطية حدثا ميدانيا من واقع عمله المهني.
القضية المحبوس إسلام على ذمتها باتت كأنها دوامة مفتوحة لا تغلق فمها وجاهزة لأن تبتلع في داخلها عددا غير محدود من الصحفيين والمحامين والسياسيين، بينهم سولافة مجدي وإسراء عبد الفتاح ومحمد الباقر وماهينور المصري ومحمد صلاح وآخرين.
لم تغب المهنية عن كتابات الكلحي طوال فترة عمله في العديد من الصحف والمواقع والمنصات المصرية والعربية على رأسها، البديل، والبداية، والنهار، ومصراوي ودوت مصر، ورصيف 22، ودرب، وغيرها، بشهادة جميع من عرفوه، دون انحياز لأي جماعة سياسية أو دينية، لكن حتى ذلك لم يشفع له في التحقيقات، في ظل واقع تبدو ملاحقة الصحافة بجميع أشمالها “عنوانها العريض”.
“مع كل حالة لحبس صحفي بنقول الصحافة ليست جريمة، لكن هذه المرة الواقع يثبت أن في مصر الصحافة أصبحت جريمة، لن يفارقني ما حييت صوت إسلام الكلحي، وهو في سيارات الترحيلات عقب خروجه من النيابة في طريقه إلى محبسه مع باقي زملائه الصحفيين المحبوسين وهو يقول:( النقابة، النقابة)، عجز وقهر وقلة حيلة أمام حالة جنون وقانون مغيب عند عمد، خرجوا زمايلنا ومش عايزين صحافة خلاص إحنا آسفين”، يشرح عضو مجلس نقابة الصحفيين محمود كامل تفاصيل القبض على الكلحي، بينما يحدوه الأمل في تدخل نقابته المقيد بها في جدول المشتغلين، للإفراج عنه من تهمة لا يعلم ماهيتها.
لم تغب قضايا المهمشين وأصحاب الحقوق وفقراء الوطن عن قلم إسلام، فكتب عن أوضاع المهنة، واللاجئين، وضحايا الآثار الاقتصادية والسياسية لجائحة كورونا، والأطباء والممرضين أبطال معارك مواجهة الوباء وضحاياه، ومن قبلها اعتصامات العمال دفاعا عن حقوقهم، وغيرها من الوقائع السياسية التي غطى أحداثها منذ قبل ثورة 25 يناير حتى الآن، مفضلا انشغاله بها حتى على حساب حياته الخاصة، بينما يعاني وأسرته كمثل أي صحفي شاب من سوء الأوضاع المادية والأدبية للمهنة، إلا أن كل ذلك لم يمنعه يوما أن يحيد عن طريق الدفاع عن صاحب كل حق، ولو كلفه ذلك وظيفته نفسها.
لم يكن إسلام إرهابيا ولن يكون، لا مجال للتشكيك في ذلك أو مجرد التفكير فيه، فالصحفي المعروف بتوجهاته المناهضة لجماعات الإسلام السياسي وجماعات السلطة، لا يمكن أبدا أن يكون مشاركا أو مؤيدا لها في أي توجه.
في انتظار خروجك أقرب مما نتمنى يا صديقي، لتطل علينا بابتسامتك المعهودة، ونظل نضحك سويا بينما نتذكر هذه الأيام، ونحن مستمرون في المعافرة من أجل حرية تتسع الجميع وصحافة غير محتجزة بين القضبان، لن نمل من المطالبة بحريتك إلى أن تعود.