أمير متى يكتب: لمصر وأمنها القومي (2).. الجبهة الداخلية
أثناء الحرب العالمية الثانية، كانت العقبة الأساسية أمام روزفلت لدخول الولايات المتحدة الحرب هي الجبهه الداخلية، فعليه أن يقنع الامريكيين بشرعية قرار المشاركة في الحرب، مما يساعده بتحويل الاقتصاد من اقتصاد قائم علي الخدمة المدنية إلى اقتصاد حرب يتولي تصنيع الأسلحة و الذخيرة. حتي قامت اليابان بمهاجمة قاعدة بيرل هاربر الأمريكية في المحيط الهادي. عندها فقط استطاع روزفلت أن يجعل من قرار المشاركة في الحرب شرعي وحتمي للامريكيين.
هنا الحاجة إلى وجود جبهة داخلية قوية تعلم الحاجة الي الحرب، ومقتنعه بأهميتها، وأنها ليست نزوة للحاكم ولا يوجد بديل عنها. تستطيع هذه الجبهه الداخلية أن تضحي بإقتصادها ورفاهيتها من أجل سلامتها وأمنها، وتتفهم أن التضحية واجبة للدفاع عن الوطن وليس شخص الحاكم.
ومن ثم يكون وجود جبهه داخلية متماسكة أمر حيوي لا بديل عنه، وكلما ازاد تماسك الجبهة إزدات الرغبه في النصر والتضحية بكل ثمين.
لعل أبلغ مقارنة لصلابة الجبهه الداخلية كانت في الحرب العالمية الثانية بين هتلر وتشرشل. فهتلر يقوم يوميا بضرب لندن بالطائرات للاستلام، ومع ذلك تعرض هو نفسه للاغتيال اكثر من ١٦ مرة، بينما يتجول تشرشل في قطارات لندن دون حراسة.
كيف يمكن بناء جبهه داخلية قوية؟
لعل السؤال الحقيقي هو عن كيفيه بناء جبهة داخلية قوية تدعم الصفوف الأمامية في القتال. جبهه تستطيع أن تقبل تضحية بدماء أبنائها عن طيب خاطر. فالجبهة الداخلية لا يمكن تقويتها بكلام معسول وأغاني عن بطولات. بل هناك أسس بين الشعب والقيادة يعطي بها الشعب ثقته في القيادة أثناء أدارة الازمة. سوف نركز الإجابة علي ثلاث نقاط فقط بإيجاز قدر الممكن.
أولا: المصداقية
يعرف دونالد سنو العلاقة بين الصحافة والعمليات العسكرية بشديدة التعقيد. ففي الوقت الذي تلبي الصحافة دورها في نشر الحقيقة، قد يعرض هذا العمليات العسكرية للخطر، حتي استقرت العلاقة في المتحدث العسكري أثناء الحرب العالمية الثانية، علي يكون التصريحات العسكرية صادقة، و يتقبلها الصحفيين بثقة (good faith).
أبرز مثال في التاريخ المصري عن أزمة المصداقية في وقت الحروب هو حرب ٦٧، كانت التصريحات العسكرية ليست بصادقة مما كسر ثقة المجتمع في قياداته. أفقدت عدم المصداقية القدرة علي تجاوز الأزمة وظلت غصة في النفس حتي هذه اللحظه، يتذكرها الشعب حتي داخل انفسهم. فليست المصداقية للحظة المعركة ولكن لاستمرار الحرب. لعل أهم دروس كانت خلال الاستنزاف، فكانت التصريحات تتميز بالمصداقية قدر المستطاع حتي يتم استرجاع جزء مما فقد. كانت عمليات القوات المسلحة في الراديو الصحف كما تكتب في الصحف الاجنبية، وكما تسمع في BBC.
فالحاجة إلى مصداقية تدعم ثقة الجماهير في القيادات، صحية اتخاذ القرار وقت الازمة.
الحكومة الإئتلافية
أبرز مثال لاجماع المجتمع حول الحرب كان في حكومة تشرشل أثناء الحرب العالمية الثانية، فتشرشل قام بتكوين حكومة إئتلافية من مختلف الاحزاب علي الرغم من أغلبية حزبة في البرلمان بل أيضا في اتخاذ القرار. عبقرية تشرشل هنا كانت في جمع مختلف التوجهات السياسة لضرورة محاربة هتلر وليس الاستسلام كما حدث لبتان في فرنسا. كان قرار الاستمرار في الحرب قرار مجتمعيا بمختلف التوجهات، وليس ناتجا عن سياسة حزب قد تختلف في المستقبل. كان قرار الحرب أكبر من مسؤولية شخص أو حزب حتي لو حاز علي الأغلبية، فهي بالأساس قرار مجتمعي لأن التضحية بالدماء سوف تكون للجميع و ليس لحزب.
عرفت مصر الاجماع المجتمعي في لحظة أزمة، كانت عند اغتيال السادات وأحداث أسيوط، كان علي مبارك الإدراك ان قيادة البلد ليست بانتقال السلطة من رئيس إلى نائب ولكن لابد من أجماع عليه، فكان قراره بالافراج عن المعتقلين في للسجون في قرار سبتمبر ٨١.
حاليا قد نكون بلا أحزاب حقيقة في مصر، ولكن لدينا قيادات سياسة حولها توافق مجتمعي ولا يوجد أي شكوك في وطنيتهم، فيكون إشراكهم في قرارت الحرب والاستعداد إضافة إلى الجبهه الداخلية و ليس تشتيتا لها، تعظيم دور القيادة وليس تقليل منها.
كسر حاجز الخوف والنقاش
في ١٣ مايو ١٩٤٠ وقف تشرشل أمام مجلس العموم البريطاني في أول خطبه له قائلا (ليس لدي شيئا أقدمه سوي الدم والدموع والعرق). فلم يقف ليهدأ المجتمع بكلام معسول، و لا أن يعطي وعودا في الهواء، بل وقف ليحدد المستقبل والتضحيات بكلمات واضحة.
علقّ عليه الكاتب الأمريكي راف إنجرسون (هو – يقصد تشرشل- ببساطة الشخص الصحيح في الوظيفة الصحيحة في الوقت الصحيح).
ليس وظيفة القائد في المعركة تهدئة الاجواء ولكن بثّ الثقة والقدرة للمجتمع في إمكانية تحقيق النصر.
كانت كلمات تشرشل أقوي سلاح للبريطانيين في الحرب، فثقتهم في وطنهم وفي النصر جعلت قنابل الألمان تهدم البيوت لا النفوس، تهز أساسات المباني وليس أساس المجتمع.
للأسف ليس لدينا في مصر الشجاعة التي تجعل نقل الثقة مع الحقيقة كاملة ممكن. فلدينا دائما هاجس أن نقل الحقيقة الصعبة سوف تؤثر سلبا علي القضية، وان نقل الثقة من القيادة إلى المجتمع أقل أهمية إذا أقترنت بالصراحة.
مما سبق يتضح أهمية المصداقية والاجماع الوطني والثقة بقدرة المجتمع دون الاخلال بالحقيقة، حتي يتسني لنا أن نتجاوز أزماتنا الداخلية والخارجية معا.