أمير متى يكتب: لمصر وأمنها القومي (3).. المجتمع للدولي
عندما تتعامل الدولة مع أمنها القومي فهي بالأساس تتعامل خارج حدودها، وهذا التعامل يضع علي عاتقها الصراع مع دول أخري تهدد أمنها القومي. هنا يظهر أهمية فهم المجتمع الدولي وتركيبه حتي تضمن الدولة تأمين أمنها القومي بأساليب فعّاله دون إثارة الرأي العالمي ضدها ومعاداتها. فالنظام الدولي الحالي يضع منظمة الأمم المتحدة كأساس للشرعية الدولية وأول وأهم أهدافها هو الحفاظ علي السلام الدولي. فالتحرك لأجل الأمن القومي ليس تحركا عشوائيا بل مبني علي فهم الواقع و حدوده. إدراك عومل عده علي المستوي الدولي قد تؤثر فيه أثناء صراعه للحفاظ علي أمنه القومي.
اليوم نتحدث عن أربعه نقاط في كيفية إدراك وتعامل المجتمع الدولي مع الصراعات الدولية المختلفة.
أولا: السلام العالمي
أهم أسئلة الحرب علي الإطلاق هي كيف يمكن أن يتطور الصراع؟ هنا تكمن خطورة الحرب إذ يمكن لأطراف أخرى تدخل علي جبهات القتال دون حساب مسبق، وتجد الدولة نفسها أمام موقف لا تحسد عليه وتطورات غير مدروسة.
المثال الصارخ كان في أزمة السويس بعد تأميم القناة، كانت مصالح بريطانيا وفرنسا في الاستيلاء علي القناة مرة أخرى، وعن طريق مؤامرة مع اسرائيل تتخذها الدولتين ذريعه للعودة، لكن دخول الاتحاد السوفيتي أربك الدنيا رأسا علي عقب، فشلت الخطة تماما، وأصبح الحل العسكري مستحيلا والمفاوضات مع ناصر لا بديل عنها.
نفس التخوف في مساعدات السوفيت لمصر أثناء الاستنزاف والتخوف من تحويل الصراع العربي/الاسرائيلي (صراع أقليمي) إلى صراع أمريكي/سوفيتي (دولي) وهو ما يتجنبه السوفيت.
لعل أكبر مثال حديثا كان البوسنه والهرسك، فالتدخل الدولي كان سريعا وحاسما وجادا لأن القضية تمس بالأساس الأمن القومي لكل أوروبا، فالقضية هنا ليست مسألة انسانية ولا حتي صراع إقليمي بل أزمة تهدد كل أوروبا.
ففي الدفاع عن الأمن القومي لابد من حساب كيف يتأثر السلم العالمي، و كيف تري الدول المختلفه هذا التأثير، فالأمن القومي لبلد قد يتحول إلى صراع دولي اذا لم تحسن الدولة رؤية المستقبل وتطورات الصراع.
بكل تأكيد هذه ليس دعوة لليأس ولكن لترتيب الأوراق كما ينبغي، فلا نتسرع في حرب كبريطانيا أثناء أزمة السويس ولا نتخوف بشدة كالسوفيت فنصاب بالشلل ولا حتي نقوم بأعمال عشوائية غير محسوبة تهدد العالم.
ثانيا: الشرعية الدولية
عندما علّق نتنياهو في حضور ترامب عن المساعدات الأمريكية لاسرائيل كانت الجمله الاساسية (نحن نستطيع الدفاع عن مصالحنا، ولكن نحتاجكم في مجلس الأمن بشدة) أهمية الجملة في انها تضمن لاسرائيل استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) ضد أي قرار يدين إسرائيل في مجلس الامن، كان هذا ردا علي سياسات اوباما بعد عدم استخدام إدارة اوباما الفيتو ضد قرار إدانه الاستيطان الاسرائيلي عام ٢٠١٦ فقد امتنعت عن التصويت ولكنها لم تستخدم الفيتو. وتعبر أيضا الجمله عن فهم إسرائيل لأهمية الشرعية الدولية والمؤسسات الدولية في العلاقات الثنائية والصراعات.
فإن كانت اسرائيل تستطيع استخدام الصياغات الخاصة لبعض القرارت الصادرة من مجلس الامن، إلا إنها تعلم مدي الضرر الذي يلحق بها إذا صدر قرار يحملها المسؤولية وهي لا تستطيع ان تنصاع له.
ففكرة الدولة المارقة التي تسير خارج إطار المجتمع الدولي يضر علاقاتها الدولية، يضعف من قدرتها علي الاستمرار والاستقرار. لذلك كان الهاجس الاساسي لإسرائيل هو عدم استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن إذا كان هناك قرارات تدينها وتدين تصرفاتها.
نفس القصة مع نظام الفصل العنصري جنوب افريقيا (الابارتهيد)، فمنذ ١٩٤٩ قامت الهند وباكستان برفع دوعي امام الجمعية العامة ضد نظام الابارتهيد في جنوب افريقيا كنظام عنصري، في عام ١٩٦٠ صدر قرار رقم ١٣٤ يصف حكومة الابارتهيد صراحه بنظام عنصري، وفي ١٩٦٣ صدر القرارين ١٨١/١٨٢ لدعوة الدول المختلفة لوقف التعاون مع حكومة الابارتهيد ويصفها مرة اخري بنظام فصل عنصري.
هذا القرارات تباعا من الجمعية العامة منذ عام ١٩٤9 حتي سقوط نظام الابارتهيد كان هدفها عزل تدريجي لنظام الابارتهيد من المجتمع الدولي وتوقيع عقوبات عليه، مما يؤدي إلى سقوط النظام كله وليس تغير شكلي في الحكومة.
مصر تدرك تماما أهمية الشرعية الدولية، وخطورة الانعزال عن المجتمع الدولي، فكان قرارها إدخال مجلس الامن في قضية السد قرارا صحيحا، يضمن الشرعية الدولية ويعطي قرارتها غطاء شرعيا مفهوما ومقبولا للمجتمع الدولي.
ثالثا: الأمن القومي لدول أخرى
كانت مشكلة صدام الحقيقة هي عدم التفرقة بين حربه مع إيران وإحتلاله الكويت.
ففي حربه مع ايران و احتلاله جزء من الاراضي الايرانية في البداية كانت خربا ضد دوله مارقه، مرفوضه من أغلب المجتمع الدولي، وعلاقتها محدودة، فاستمرار الحرب معها لا يهدد الأمن القومي لدول أخرى بل هو في صالحها. فإنهاك ايران عسكريا قد يؤدي إلى سقوط الحكم وانتهاء حكم ثورة الخوميني. علي النقيض تماما، فإحتلال الكويت سوف يجعل في أيدي صدام ربع إحتياطي البترول العالمي وهذه كمية ضخمة وإمتلاك شخص واحد لها تهديد للامن وللاستقرار العالمي. بالاضافة هو تهديد مباشر لدول أخرى في المنطقة (تحديدا السعودية والامارات)، فقد انتقل صدام من صراع في صالح الأمن القومي لدول أخرى إلى صراع ضد الأمن القومي لنفس الدول.
كانت النتيجة الطبيعيه هي تحالف المجتمع الدولي ضده، لأول مرة في التاريخ يجتمع أكثر من قيادة عسكرية لانهاء الاحتلال العراقي.
وقد تتعقدد مشاكل الامن القومي بأكثر من رؤية، تتفق فيها الدول وتختلف في آن واحد.
ففي الحالة المصرية، هناك مصالح مشاركة بين مصر وإيطاليا وفرنسا في ليبيا، فالرؤية المصرية لأمنها القومي في ليبيا تتضمن إخراج الارهابيين منها، وحكومة قوية قادرة علي حماية الحدود الغربية المصرية وتضيف اوروبا لمصالحها منع تدفق الاجئين.
لكنها تختلف مع مصر في الوجود الروسي جنوب المتوسط، فروسيا موجوده شرق المتوسط (سوريا) وجنوبه (ليبيا) وشمال شرق اوروبا، وهذا يعتبر تهديدا للامن الاوروبي.
فتعامل مصر مع الأزمة الليبية لابد أن يأخذ في اعتباره تضارب المصالح وتضارب الرؤي للامن القومي بين البلدان المختلفة.
رابعا: محدودية استخدام السلاح كحلّ
عام ١٩٧٩ كانت منظمة التحرير الفلسطينية مقرها بيروت، وتقوم بأعمال المقاومة من لبنان، كانت المنظمة بالنسبة لاسرائيل تهديدا للامن القومي لها، فالمنظمة خارج الحدود وتأثيرها يمتد للداخل بقوة، فقامت اسرائيل بالهجوم علي لبنان وإحتلال بيروت لتصفية المقاومة الفلسطينية.
كان هناك العديد من القرارات لمجلس الامن قبل الاحتلال بدعوة الجانبين للتفاوض ووقف العنف كقرار ٤٢٥، ٤٣٦. بل أن هناك أجزاء من القرار أدانت التساهل اللبناني مع السلطة، لكن عندما تعدت اسرائيل وقامت بأحتلال لبنان عام ١٩٨٢، كانت البيانات والقرارات كلها تدين التصرف الاسرائيلي علانية دون استخدام فيتو اميركي يوقف القرار. كان قرار ٥١٧ إدانه لاسرائيل كاملة، دون النظر ان ما تقوم بيه تصرف لحماية الامن القومي الاسرائيلي.
بالمقارنة مع حرب اسرائيل ولبنان عام ٢٠٠٦، سوف نجد ان اسرائيل لم تقم بأحتلال اراضي لبنانية بل كان ضرب بالطائرات، صحيح كانت الضربات تصيب مدارس ودمرت بشكل كامل الجنوب اللبناني، لكن كان استخدام القوة العسكرية هذة المرة أقل من أحتلال لبنان كاملة وضربات محدودة في الجنوب اللبناني (تمركز حزب الله)، حتي عند صدور قرار وقف اطلاق النار تمت الموافقة عليه دون مماطلة، كان الدرس هو كيفية استخدام السلاح و محدوديته حتي لا يقوم المجتمع الدولي بأدانه اسرائيل كما حدث في ١٩٨٢.
هنا يتضح ان أستخدام السلاح في إي صراع دولي لابد ان يكون محدودا حتي يكون مقبولا دوليا، وليس صراعا مفتوحا كالحرب الايرانية العراقية فهي امتدت ٨ سنوات بلا هدف حقيقي.
مصر نفسها مارست نوع مع الممارسة المحدود للسلاح عندما قامت بضرب معسكرات الارهابيين في ليبيا وأعلنت عنه صراحة ولم يدينها أحد. فمعرفة كيفية استخدام السلاح هامة جدا.
إسرائيل ايضا تتنقن نفس الدرس، ففي حرب ٧٣ وعلي الرغم من تقدم الجبهتين المصرية والسورية في بداية الامر إلا أنها لم تشر من قريب أو بعيد سواء في مراسلاتها أو أوراقها الداخليه باستخدام السلاح النووي (كانت تمتلكه أثناء حرب أكتوبر)، لانها تعلم انه سلاح اللحظة الأخيرة وليس سلاح حرب، كما ان المعارك لم تهدد أمنها القومي داخل حدودها.