أمير متى يكتب: عندما يختفي الوطن
في زيارته التاريخية إلى كوريا الشمالية، التقي مايكل بالن (الصحفي البريطاني الشهير) بطلاب مدارس بأعمار مختلفه وسأل احد الطلاب، ماذا تريد تريد ان تصبح؟.. أجاب: طبيب حتي أعالج الزعيم
وانت.. ماذا تريد ان تصبح؟.. أجاب: مهندس حتي ابني مدن للزعيم
كرر مايكل بالن السؤال لأكثر من طالب وخرج بنتيجة واحدة، هؤلاء الطلاب لا يحلمون ولا يتمنون شيئا لأنفسهم ولا حتي للوطن، هم فقط يحلمون بخدمة الزعيم الذين لم يلتقوه ولا مرة واحدة.
فعدد المرات التي ذُكر فيها اسم الوطن كوريا، أقل بكثير من كلمة الزعيم. فلم يذكر أي طفل أنه سوف يصبح طبيبا مثلا ليعالج الشعب، أو مدرسا لكي يعلم الأطفال.
اختفي من الوطن كل شئ، وبقي شخص واحد فقط هو حاضر الوطن ومستقبله، هو أحلام الأطفال وأمنياتهم. فسؤال مايكل بالن لم يكن لمعرفة المستوي التعليمي، بل كان لسؤال كيف يري الأطفال المستقبل وكيف يرون انفسهم فيه. فالأطفال لم يروا انفسهم سوى في خدمة شخص واحد.
ليس الوضع غريبا علي عالمنا العربي. فأنظمتنا العربية تختفي تدريجيا ويظهر شخص واحد فقط يتمحور حوله كل شئ. القذافي حكم ليبيا لاكثر من ٤٠ عاما، انتهت بأن ليبيا لم تعد موجوده فقط القذافي، فعندما انتهي انتهت معه الدولة الليبية. هكذا ايضا صدام وبشار، أخفوا الوطن تدريجيا وأصبحوا هم كل شئ الوطن والأمل والمستقبل. يعلم الجميع ما آلت اليه تلك الدول عندما سقطوا بفعل ثورات، أو احتلال، أو حتي قاوموا السقوط بالثورات، النهاية واحدة لدول أصر حكامها بأن شخصنه الحكم هي اسلوب اللانظام.
حتي التاريخ المصري نفسه، كان جمال عبد الناصر هو الشخص الوحيد في الوطن، عندما توفي (سواء وفاة طبيعيه او اغتيال) كان وضع الوطن في مهب الريح، أرض محتلة، و السادات رئيس بلا صلاحيات، صراع علي الحكم بين بقايا عهد ناصر وشخص تم تنصيبه كصورة لا أكثر.
كانت نهاية الصراع علي السلطة اشبه بمسرحيه هزلية، فقد قام السادات بقبول استقالتهم (نائب رئيس الجمهورية، وزير الدفاع، رئيس المخابرات العامه، رئيس البرلمان، وزير الداخليه)، كل هذا وكانت ثلث الاراضي المصرية تحت الاحتلال الاسرائيلي، والقائمين علي السلطة في صراع عليها وعلي مقدراتها. عُرفت الاحداث بما يسمي ثورة التصحيح.
“الوطن باقي والأشخاص زائلون” قد تسمعها من كل الزعماء والقيادات، ولكن علي أرض الواقع تري أن كيم جون اون لم يري في المستقبل إلا نفسه. فصورته في كل مكان، في المدارس، المستشفيات، المكاتب، الميادين العامة، حتي احلام الاطفال.
فإنجازات كيم في عمارات شاهقه في العاصمة بيونج يانج، مدينه ترفيهيه، منتج سياحي للصينيين أو حتي الاستمرار في البرنامج النووي الكوري، لكن لم يكن هناك سؤال (ماذا بعد كيم جون اون؟)
لعل أهيمة السؤال وقيمته عندما اختفي الزعيم في شهر مايو الماضي من الساحة مرة واحدة وسط تقارير لتعرضه لأزمة صحيه طارئه، فعرض البلاد كلها لأزمة حقيقة فيمن يخلفه.
عندما تختفي أدوار وفاعليه المجتمع المدني ومؤسسات الدولة والقضاء والمعارضة، يتم تفريغ البلد من أهم ما فيه، أفراده. تنتهي احلامهم الخاصة ويكون حلمهم الاوحد هو خدمة شخص، يصبح المواطنون بلا هويه حقيقة لهم، يبحثون عن أوطان بديلة وهويات بديلة. وعندما يموت الزعيم تتصارع القوي المختلفه حول السلطة، تنهار الدولة لانها تمحورت حول شخص اختفي في لحظة من الزمان. فيكون الهروب من كوريا الشماليه حلم يتمناه كل كوري لنفسه ولأبنائه حتي لو كانت المخاطرة تكلفه حياته ذاتها فهي أرحم من العيش في ظل كيم جون أون!!!.