أمير متى يكتب: الحرب جزء من السياسة
كانت بدايات أزمة سد النهضة في ٢٠١١ عندما أعلنت أثيوبيا عن عزمها بناء سد يوفر لها الكهرباء و يساعدها في التنمية. ثم تطورت الامور تباعا خلال السنوات انتهاءا بقبول مصر اتفاق ٢٠١٥ و حق أثيوبيا في التنمية علي ان تلتزم اثيوبيا بجدول زمني لملئ الخزان ويوفر لها الكهرباء و يضمن لمصر مياة تسري في نيلها، ثم مراوغه اثيوبيا طوال ٥ سنوات متتاليه انتهت بعدم قبول أي اتفاق ملزم، وعدم ضمان سريان المياة ايام الجفاف، وملئ الخزان بحكم الامر الواقع (طبقا للخطة الاثيوبيه في ٣ سنوات).
المشكلة في سد النهضة ليس فقط في حجز المياة، و لكن يتعدي بأكثر من ذلك. فالمياة التي سوف تحجزها أثيوبيا خلال ٣ سنوات (بوجه النظر الاثيوبية) سوف تؤثر سلبا علي حصة المياة الصالحة للشرب و الزراعة و الكهرباء و تجريف الاراضي و بطالة. و لا يتوقف الامر عند هذا الحد لكن المستقبل سوف يحمل المزيد من المخاطر. فالخطوة الاثيوبية سوف تضيف ثلاث نقاط هامة في سياسات الدول في حوض النيل
اولا: ان المياة سوف يتم التعامل معاها كالبترول و المواد الخام، و ان علي دول المصب شراء ما يحتاجونه من المياة.
ثانيا: ان اتفاق المبادئ الموقع عام ٢٠١٥ سوف يكون تفسيره عمليا ان لدول المنبع حقاً في بناء سدود كما تشاء دون ضوابط او اتفاقيات مدام اقامه السدود للتنمية!
ثالثا: للنيل ٩ دول منبع، الان أثيوبيا فقط هي من تقوم ببناء سدود و نحن نعجز (حتي الان) عن التعامل معها، فكيف يكون التصرف اذا أصبح بناء السدود خطا للتنمية لل٩ دول معا فجميع دول المنبع تحتاج الي كهرباء و تنمية. أثيوبيا الان تعطي مثال يمكن ان يكون قدوة لباقية دول المنبع.
نحن أمام أزمة أمن قومي حقيقة تتمثل في خطر حالي علي سريان تدفق مياة النيل و المشاكل التابعة لها، و عدم الوصول إلي حل واضح يزيد من الوضع سوءا في المستقبل القريب. و لا غني عن إستغلال كل الوسائل المتاحة بما يقوي وضع مصر في التفاوض و يضمن لها استقرار أمنها و سلامتها.
الحرب كوسيلة سياسية
يقول كلاوزفيتز “الفيلسوف الروسي” ان الحرب هي سياسة بأدوات أخري”، فالحرب لابد أن تري من منظور سياسي، و لا تكون مجرد إستخدام للسلاح و من زاوية أخري هي أيضا أداه من ادوات السياسة، و التخلي عنها هو تخلي عن وسيلة متاحة إذا تعذر مسار التفاوض.
ففي تاريخنا الحديث وقف السادات في مجلس الشعب، معلنا ان حرب اكتوبر هي أخر الحروب. معلنا بذلك خروج مصر ليس فقط عن سياساتها السابقه بل و خروجها عن إطارها العربي، و ان الدائرة الاولي للامن القومي الاسرائيلي قد تمّ تأمينها و ان ما بقي هو صياغه العلاقة القادمة في إطار سياسي دون الخوف من انزلاق المنطقة الي حرب مرة أخري. و لأول مرة تحت اسرائيل عاصمة دولة عربية (بيروت) عام ١٩٨٢ لانها أمنت ان أكتوبر هي أخر الحروب. فلم تكن اتفاقية السلام حاجز بين اسرائيل و إحتلال دولة عربية بل كان تصريح و سياسات (أخر الحروب) هي حاجز مصري عن إتخاذ خطوات حقيقية تجاه العدوان الاسرائيلي.
الحرب جزء من الكرامة
بعد هزيمة ٦٧، قدمت الولايات المتحدة عدة محاولات لعبد الناصر بإنسحاب إسرائيل من سيناء في مقابل إقامة علاقات ديبلوماسية معاها، و قوبل هذا العرض بالرفض، ثم تكرر العرض للسادات و تم الرفض مرة أخري، و عندما قابل السادات كسينجر بعد الحرب أعرب عن ضرورة قيام مصر بالحرب ليس فقط لاسترداد سيناء و لكن من أجل كرامتها. فهناك جزء من كرامة الوطن فقدت و لا يمكن استعادتها بالتفاوض. فعندما يتم إهانه دولة بأشكال متعمده و صريحه و إعتداء علي أمنها القومي فوقف العدوان و إسترجاع هيبه الدولة و كرامتها لا يتم بمناقشات حول مصالح مشتركة بالاخص إن كان الخصم يراوغ و يٌماطل و فرض أمر واقع أضر بالبلاد و مصالحها.
صحيح ان الحرب ليست الخيار الاول للسياسة و لكنها لابد ان تكون خيار مطروح في صناعه القرار مدام الاتفاق بين المصالح لم يتم تسويته. فعندما يتم التصريح بأن الحرب خارج حسابات السياسة، أصبح السلاح عديم القيمة، و التدريب بلا هدف. فعندما نرفض خيار الحرب من أجل البقاء، فمتي سوف يكون للسلاح استخدام؟
أخيرا: ليبيا قضية منطقة … النيل قضيتنا نحن
لعل القضيتين يمثلان صورتان من صور الأمن القومي المصري، فليبيا بمليشيات مسلحة، و تدخل تركي، و حرب أهلية تضع الحدود الغربية المصرية في خطر، و المنطقة كلها في أهبه الاستعداد. فنجد إنعكاس التعاون بين مصر و السعودية و الامارات واضحا سواء في التصريحات او الزيارات. تتقارب الاراء و يتبني الجميع موقف موحد.
أما سد النهضة فهو مختلف، فهو قضية مصرية بالاساس، و فيه مصر تتعامل بمفردها برؤيتها الخاصة بها. تدرك مخاطرها و عواقب عدم الوصول الي إتفاق واضح يرضي جميع الاطراف. و إستخدام كل الوسائل المتاحة بما فيها السلاح أمر لا بديل عنه لتأمين استمرار سريان النيل.
هنا نرفض عنترية ناصر وإنسحاب السادات، نري فقط ان يظل استخدام السلاح متاح، و يتم الاعداد لاستخدامه إذا إحتاجت البلاد له، أن يكون هناك لحظة نعترف فيها إن المفاوضات فشلت (لا قدر الله) و جاء دور سياسة بأساليب أخري.