أمير متى يكتب: أزمة الديمقراطية في مصر
كان من نتائج ثورة ١٩١٩ وضع دستور ٢٣، وانتخابات اتت بالوفد وسعد زغلول كرئيس للحكومة وملك يملك ولا يحكم. كانت هذه الانتخابات من المرات القليلة الصحيحة التي تمت في تاريخ مصر المعاصر. و بوفاة سعد زغلول ورفض الملك فؤاد فكرة ملك يملك ولا يحكم، بدأت مؤسسات الدولة في هدم البناء الديمقراطي سواء بإنهاء دستور ٢٣، وإضعاف حزب الوفد، وتزوير الانتخابات حتي قامت ثورة ٥٢.
كان من أهداف الثورة كما خطها هيكل (إقامة حياة ديمقراطية سلمية)، فتم إلغاء الاحزاب لانها تتبع ديمقراطية غير سليمة، وفتحت السجون أبوابها للمعارضين من كل اتجاة. فكانت الديمقراطية تتصف بأنها مريضة وغير سليمة وأنه لابد من ترتيب البيت الداخلي بشكل سوي حتي يسمح بقيام ديمقراطية ساليمة.
ثم انتهي عصر عبد الناصر وجاء عصر ساداتي يتميز بديمقراطية بلا محتوي، فإنشاء المنابر داخل الحزب الواحد وكان علي المثقفين أن يتحدثوا بصوت منخفض مع الرئيس (الذي وصف نفسه بأنه رب العيلة)، وعندما بدأت الشيوعية في الانتشار، قام السادات بإخراج الاخوان من السجون كصفقة للحد منهم، كان الجميع يعلم ويدرك الحقيقة وهي أن الديمقراطية ليست سوي واجهه لحكم ديكتاتوري. حتي عند نشأت الاحزاب، أنضم المثقفين لحزبي اليمين واليسار، وعندما انضم السادات لحزب الوسط هرول الجميع لحزب الرئيس تاركين الأحزاب الأخرى لاداركهم الحقيقة. وعندما وقف السادات في مجلس الشعب قائلا “الديمقراطية لها أنياب”، لم يقصد بالطبع النظام الديمقراطي بل أنه هو لم يفقد أنيابه داخل النظام الديمقراطي، فاعتقل في يوم واحد ١٥٠٠ شخص دفعة واحدة، ودون محاكمة ولا تهمة.
وعندما كان البناء الدستوى الديمقراطي يمنع الرئيس من الترشح لأكثر من ولايتين، غيّر السادات الدستور.
و فجأة تم اغتيال السادات، ودخل مبارك في الحكم متعهدا بأنه لن يتولي أكثر من فترتين (كما نص دستور ٧١ قبل تعديله)، ولكن للكرسي سحره، والديمقراطية لا تهبط من السماء ولا تعطي كهبة. فبدل الفترتين ٥ فترات رئاسية، بل واستمر بلا رقيب ولا شريك في حكم. وكانت الحجة هذه المرة للهروب من الديمقراطية هي أن الديمقراطية تحتاج إلى تنمية قبل تطبيقها، كانت تلك كلمة عمر سليمان حتي يتهرب بها مبارك من تطبيق الديمقراطية.
بالطبع لم يقدم سليمان خصائص وصفات التنمية المزعومة، وظلت مصر ٣٠ عاما منتظرة تنمية حتي تهبط الديمقراطية من رئيس ديكتاتوري، فكانت النتيجة لا ديمقراطية ولا تنمية وخرج مبارك مطرودا من عرش مصر.
ثم جاءت ٢٥ يناير بأروع انتخابات حقيقة ومنافسة بين مرشحين، وانتجت حكم الاخوان. صحيح نعارضة ولكن كان هدمه بمثابه هدم للديمقراطية الوليدة والعودة مرة أخرى إلى الحكم الديكتاتوري، واستخدمت صيغة أخرى و عبارة أخري لكي تبرر عدم الديمقراطية المنصوص عليها في الدستور ٢٠١٤ وهي (لا يوجد ديمقراطية أساسا و لكنها اختراع غربي يبيعه للشرق).
الجملة التي تكررت بالأمس لأكثر من كاتب سياسى ورئيس تحرير تعليقا علي الانتخابات الامريكية. حتي يقنعوا القارئ أنه بالأساس لا توجد ديمقراطية. وأن الغرب ليس لدية انتخابات بل غش وتزوير ورقص أمام اللجان (كما يحدث في مصر). بل وتمادي البعض في أن هناك مجلس أعلي يدير أمريكا والعالم ويختار الرئيس ويقوم بالانتخابات الامريكية كديكور. كل هذا لهدف واحد لا غير، وهو لا ديمقراطية في مصر ولا لرأي المواطن أي اعتبار وكأن الدستور المصري بلا قيمة، ولا نصوصه لها إي احترام.
الأزمة هنا ليست في الديمقراطية نفسها، ولكن في حلم الشعب الذي علي الرئيس تنفيذه. فمنذ ثورة ١٩، وقبل ظهور أمريكا علي المسرح العالمي، كانت مطالب الديمقراطية واضحة، سواء في مناقشات سعد زغلول مع السير ونجت، أو نصوص الدساتير، أو حتي الشعارات الشعبية. هذا الحلم الذي باستمرار يتهرب منه الحاكم ومن حوله مساعدوه (وحاليا لجانة الالكترونية) بكل السبل والطرق.
أزمة عند الشعب الذي طالب بالحرية منذ ثورة عرابي عام ١٨٨١ في مقولة (إننا لسنا عبيد نورث)، أزمة عندما يراها الشعب تتحقق وتتمثل في شعوب أخري وممارسات واضحة علي الشاشات ويتابع نتائجها، ويعجز هو نفسه عن تحقيق الحد الأدنى منها.
الديمقراطية هي أزمة كل حاكم في تاريخ مصر، كيف يفرض سلطاته علي كل المؤسسات، ويهدم كل أسس الديمقراطية التي يمكن أن تظهر، كيف يخرس كل الأصوات، كيف يجعل البرلمان هو أداة حكمه وليس رقيب علي الحكومة. كيف يتأكد أن تصل الرساله كامله دون نقضان، أنه الحاكم الاوحد.
عندما تجرأ أيمن نور وترشح أمام مبارك وحصل علي ٦% كانت النتيحة ٥ سنين في السجن، حاليا عندما قام مجموعه بالتفكير في الترشح لمجلس الشعب تحت إسم (مجموعة الأمل) تمّ حبسهم جميعا.
نحن أمام حلم يراود الشعب منذ أكثر من ١٠٠ عام، وحاكم يماطل ويؤجل في تحقيقة طوال تلك الفترة.