أمير متى يكتب: أزمات مصر الكبري(2).. انتقال السلطة
تعريف انتقال السلطة
نعرّف هنا انتقال السلطة بتغير الحاكم (رأس الدولة) سواء كان التغير نتيجة عوامل طبيعيه (كوفاة الحاكم) أو نتيجة ظروف داخليه أو خارجية أدت إلى انتهاء النظام السياسي.
الحاكم في انتقال السلطة يشمل الخديو (عصر الخديوية)، أو السلطان (بعد فرض الحماية البريطانية) أو الملك (بعد تطبيق الملكية)، أو الرئيس (بعد ثورة ٥٢). و يعتبر انتقال السلطة هنا اختبار حقيقي للنظم السياسية كافه في كفائتها وقدرتها علي استيعاب التغير دون توتر أو اضطرابات تضر بمصالح الوطن.
انتقال السلطة في أسرة محمد علي
خلال حكم أسرة محمد علي، كان هناك توتر في انتقال السلطة من شخص لآخر، ففي أيام الخديوية انتقلت السلطة من الخديوي إسماعيل إلى الخديوي توفيق (أبنه) تحت ضغط من القوى الخارجية، وازدياد الديون الخارجية عليه، وأيضا من عباس حلمي الثاني إلى حسين كامل، حيث أزاح الانجليز عباس حلمي الثاني من حكم مصر خلال وجوده بالخارج عام ١٩١٤ أثناء الحرب العالمية الأولى خوفا من ولائه للدولة العثمانية.
ثم قيام دستور ٢٣ الذي حدد طريقة انتقال السلطة من الملك خليفته بشكل كامل في التفاصيل (وجود نائب، نائب قاصر، عدم وجود نائب، كيفيه اختيار الملك). كل تلك التفاصيل لم تحول دون حدوث اضطراب في الملكية بعد وفاة الملك فؤاد وانتقال السلطة إلى ابنه فاروق الذي لم يبلغ سنّ الرشد، وتخوفت الملكة نازلي من سيطرة الأمير محمد علي (إبن الخديو توفيق) علي الحكم، فضغطت علي الأزهر لإصدار فتوى شرعية بأن فاروق قد بلغ السن القانوني طبقا للتقويم الهجري، وعليه هو بالغ الرشد لتنصيبه ملكا.
قيام الجمهورية:
بعد قيام حركة الضباط الاحرار بالسيطرة علي الحكم، ألغى مجلس قيادة الثورة دستور ٢٣ وتم إعلان قيام الجمهورية، وتولى محمد نجيب قيادة البلاد لحين إقامة دستور جديد. ثم تطورت الأحداث وحدث صراع بين مجلس قيادة الثورة ونجيب كان نتيجته إستقالة اللواء محمد نجيب من منصبه في ٢٢ فبراير ٥٤، وقبلها مجلس قيادة الثورة يوم ٢٥ فبراير فحدثت إضطرابات داخلية في القاهرة والسودان مما أدى إلى رجوع نجيب مرة أخرى، ثم حدثت أزمة مارس الشهيرة حول الديمقراطية والاحزاب بين نجيب ومجلس قيادة الثورة، تبعها استقالة نجيب بشكل نهائي مرة أخرى في نوفمبر بعد صدام مرير وطويل مع جمال عبد الناصر نتيجة وضعه الشرفي كرئيس بدون صلاحيات فعلية.
انتقال السلطة من جمال إلى السادات
في ٦٢ تمّ إقرار إعلان دستوري بعد الانفصال عن سوريا ولم يتمكن النظام من بناء دستور جديد للبلاد حتي وفاة جمال عبد الناصر. واقعيا لم يكن السادات ذو دور حقيقي في قيادة البلاد أثناء حكم جمال عبد الناصر، بل كان كل طموح زوجته جيهان أن يتولى منصب وزير في أي من الوزارات التي تكونت. و في أواخر عام ٦٩ اختاره جمال لتولي منصب نائب أول لرئيس الجمهورية، متقدما بذلك علي منصب حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية وبعد وفاة جمال عبد الناصر، تقرر الدفع بالسادات طبقا للوضع القانوني والدستوري كمرشح لرئاسة الجمهورية في حين يقود البلاد بشكل فعلي الصف الثاني من القيادات (مراكز القوى) التي كانت تتولي إدارة البلاد أثناء حكم جمال عبد الناصر. وبعد تولي السادات رئاسة الجمهورية عمدت مراكز القوى علي إضعاف سلطاته فراقبوا منزل السادات، وتليفوناته، ومنعوا دخوله التليفزيون، حتي قامت أزمة داخلية، استقال علي أثرها الجزء الأكبر منهم وقبل السادات الاستقالة فيما عرف بعد ذلك بثورة التصحيح.
انتقال السلطة من السادات إلى مبارك
كانت أزمة أغتيال السادات أكبر من مجرد حادث إرهابي، كان المعتقلات مليئة بالسياسيين، وغضب في الداخل نتيجة سياسات متعددة، وعزلة عن المحيط العربي، وتزايد قوة القوي الاسلامية في الداخل، وتصاعد أحداث الفتنة الطائفية. و لم يكن مبارك الرجل القوي في نظام السادات، بل كان المشير أبوغزالة هو الشخص الأقوى بلا منازع، كان التوتر في السلطة خلال بداية حكم مبارك واضح، فأخرج المعتقلين من السجون، وتعهد بعدم الاستمرار بأكثر من مدتين في الحكم، وأن الكفن ليس له جيوب (محاولة منه لنفي تهمة الفساد المالي في الحكم)، حتي وصلت ذروة التوتر في ٨٦ أثناء مظاهرات الامن المركزي، ونشر أبوغزالة الجيش في كل ربوع القاهرة وكان بين إزاحة مبارك وتولي أبوغزالة كلمة واحدة من أبوغزالة الذي رفض في النهاية و قرر استمراره كقائد للجيش.
ثورة ٢٥ يناير وما تبعها
كانت ثورة يناير تغير في المسار السياسي المصري وسلوب الحكم. أسقطت معها دستور ٧١ وأزاحت مبارك من السلطة. لكن الأزمة الحقيقية أن مبارك خلال ٣٠ عاما كان قد جرد الحياة السياسية بالكامل، وما بقي منها كانت أحزاب كارتونية وتنظيم سريّ. فتركت إستقالة مبارك فراغا سياسيا حاول الاخوان أن ينفردوا به بعيدا عن القوى الأخرى الوليدة. وكان انتخاب مرسي يحمل الأزمة قبل الحل، فالرجل جاء بفارق أقل من ١ في المئة مما يدل على انقسام المجتمع بشدة، ولم تسع الجماعه إلى أحتواء الوضع بل أغرتها السلطة وتعاونها مع أجهزة أخرى بالاستمرار مادام المنصب قيض الاستمرار. ونتج عن تلك السياسات اضطرابات حقيقية وليست مفتعلة في شكل مظاهرات، واحتجاجات، خاصة في ظل عدم وجود خطط حقيقية لبناء حياة سياسية حقيقية. وانتهى كل هذا بإزاحة مرسي عن الحكم ومن خلفه الجماعه كلها تاركا علي الأسفلت دماء مصريين من كلا الجانبين.
طبقا للدستور، والمواد القانونية الاساسية كان انتقال السلطة في مصر في أغلب الاوقات دستوري ولكنه غير آمن، سواء أيام الملكية أو حتى الجمهورية. فالدستور لم يكن كافيا لقيام انتقال سلمي آمن للسلطة من شخص لاخر. بل أن السياسات الداخلية والخارجية اهتزت بشده عند الانتقال طبقا لاهواء الحاكم ورؤيته الخاصه. فعدم وجود رؤية مؤسسية حقيقية تستند عليها السلطه، أدى إلى قراءات شخصية للاحوال الاقتصادية والسياسية لا تستطيع أن تستمر فترة طويلة ولا أن تحقق تنمية اقتصادية. فعلي الرغم من قدم المؤسسات التشريعيه (مجلس الشعب) في مصر لكنها تفتقر القدرة علي تحديد سلطات الرئيس وضمان انتقال السلطة بشكل يعطي أمان وسلامة للحياة السياسية.
السؤال الأهم
كيف يمكن انتقال سلطة آمن لمصر؟
أولا: لابد ان يكون هناك بناء قانوني مكتمل الجوانب لانتقال السلطة، هذا البناء القانوني شامل وعليه إجماع شعبي. البناء القانوني يضمن سلامة الاجراءات والصلاحيات في اختيار الرئيس الجديد.
ثانيا: ضمان خضوع مؤسسات الدولة كافه للرئيس الجديد حتي لو لم توافق عليه، فالرئيس بالاجراءات القانونية يجب ان يأتي باختيار شعبي وحرّ في المقام الاول. فطبقا للدستور مؤسسات الدولة ليست مصدر السلطات، ولكن الشعب هو مصدرها ومرجعها الأساسي.
ثالثا: الرئيس ليس مطلق الصلاحيات، فالرئيس خاضع للقانون وليس فوقه، وحلف اليمين يضمن (بأن أحافظ علي الدستور والقانون). فليس للرئيس إحداث تغييرات دستورية ولا قانونية تضمن توسيع سلطاته، فالهيئات الرقابية، والمؤسسات التشريعيه، والقضاء ليسوا تحت سلطاته. و بهذا نضمن اختيار رئيس وليس ديكتاتورا.
رابعا: توزيع للسلطات بين هيئات ومؤسسات الدولة المختلفه، هذا التوزيع يضعف ويحد من قدرة أي شخص او مؤسسة تحاول الاستحواذ بالسلطة وإضعاف باقي مؤسسات الدولة. مما ينتج عنه فراغ سلطة إذا فرغ منصب رئيس الدولة في لحظه ما.