أميرة الفقي تكتب: في كشف المتحرشين.. أتمنى أن تنتبه فالذئاب لا تأتي مباشرة
“اتمنى أن تنتبه فالذئاب لا تأتي مباشرة”… كان هذا مضمون تعليق أحد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي على بيان النيابة العامة المصرية الأخير بخصوص احالة المتهم بالتحرش الجنسي أحمد بسام زكي للمحكمة الجنائية.
استوقفتني تلك العبارة كثيرا ربما لأني لدي هذا تساؤل المتكرر في الاونة الاخيرة: منذ متى اصبحنا نحن البنات ضحايا لا حول لنا ولا قوة؟ كنا منذ سنوات قليلة نتشارك خبراتنا في مواجهة التحرش الجنسي، نشجع بعضنا البعض على أخذ دروس في الدفاع البدني عن النفس ونتبادل وصفات رذاذ الفلفل. وخاضت الحركة النسوية معارك عديدة من أجل نشر الوعي بالقضية والمطالبة بالحقوق، ونجحت في تغيير بعض القوانين لصالحها ووفرت الدعم النفسي للناجيات وساعدتهن على البوح وبنت وتبنت قضايا انتهت بمحاسبة المجرمين.
ولكن الزمن يأتي بمستجدات، والتعامل مع القضية أصبح مختلفا كثيرا، علي سبيل المثال لا الحصر، تبديل مصطلح “ضحايا الاعتداءات الجنسية” بـ “الناجيات من العنف”. ولكني مع قراءة هذا الكم من الشهادات الموجعة عن التحرش الجنسي للأسف لا أرى ناجيات، فمعظمهن في شهاداتهن ضحايا فقط، فأتساءل: منذ متى أصبحنا غافلات أو مغفلات؟
أدرك تماما أن الأمر معقد وأنه مرتبط بالمواريث الثقافية والمفاهيم الدينية والاخلاقية والمجتمعية المتنوعة، بالإضافة إلى تجربة كل امرأة، المختلفة عن الأخرى، والدور الذي تلعبه الأسرة، مما يؤثر قطعا في تكوين شخصية الفتاة وبالتالي قدرتها علي التعامل مع اعتداء مثل التحرش الجنسي.
ونظرا لمثل هذه الاعتبارات، وبغض النظر عن الدعم غير المشروط الذي أرى أنه من حق أي ضحية اعتداء جنسي باشكاله وأن الكلام عن لوم الناجية مرفوض شكلا ومضمونا، سأسميها سذاجة وقلة حيلة.
لا يمكن مواجهة هذه الاعتداءات المتزايدة بنفس أساليب الماضي وان كنت قد تهاونت في حق نفسي مرارا وتكرارا في الماضي، بسبب قلة الوعي أو الخوف، فلا زالت هناك فرص لأدافع عن حقي في عدم اغتصاب جسدي.
ومع اني لا استطيع أن اتحكم في الكون والأشخاص والشوارع، أستطيع أن أذكر نفسي أن هناك علامات، قد لا تكشفهم تماما ولكنها تنذر بالخطر. ظواهر تدعو للريبة لا ننتبه لها او ننتبه ثم نتجاهلها لسبب ما. أحاول أن اذكر نفسي بها وأن اخلق لنفسي مساحات أكثر امانا تزيد من فرص النجاة.
أول وأهم عامل هو ثقتي بنفسي وبإحساسي. فاذا انتابني شعور بعدم الراحة تجاه أي شخص قريب أو غريب، لا يجب أن أتجاهله، لأنه شعور وليد سبب أو مجموعة أسباب ايا كانت وليس من فراغ، ولأنني امرأة ناضجة اثق بنفسي وبقدرتي علي الحكم علي الأمور، فمن المؤكد أنه سوف يكون خيرا لي أن أتعامل بحذر فور احساسي بعدم الارتياح، علي الأقل حتي اشعر بالراحة.
احيانا، لا يأتي هذا الاحساس بهذا الوضوح، ويكون السبب في ذلك الشخص الآخر. هذا الرجل ذو الكلام الغريب والغامض، كلما تحدث أو تصرف وجدت نفسي امام سلسال من الأسئلة المحيرة. “هل قال مافهمته؟ هل قصده؟ احتكاكه بجسدي بهذه الطريقة صدفة ام تحرش بي؟” والسؤال المهم هنا هو هل هناك مشكلة؟ لأن الاجابة عليه بشئ غير “لا” قاطعة قد تكون من العلامات التي يجب التوقف عندها.
أما في أوقات اخرى، يكون التحرش أكثر مباشرة وشراسة، ويلعب عنصر المفاجأة دورا اساسيا في قدرتنا علي استيعاب الموقف أو إبداء رد فعل في لحظتها. ومع أن هذا النوع يصعب تفاديه، فإن الأمر لا يجب أن يمر مرور الكرام. فإذا كان هذا الشخص في محيط دوائر الأصدقاء والمعارف، فمن الارجح انه اعتاد تكرار جريمته اعتمادا على سكوت ضحاياه، وان لم استطع اتخاذ اجراء قانوني ضده فهناك طرق اخري لمحاولة ردعه، علي الأقل اخبر اصدقائي واقاربي حتي ينتهي وجوده بيننا، وربما تخبرن دوائر معارفهن وهكذا، فيصبح منبوذا وحينها إما توقف عن تلك الأفعال المشينة او واجه مصيره.
وبعيدا عن التنميط، إلا أن شهادات الناجيات تقدم بعض السلوكيات المألوفة التي تسبق جريمة الاعتداء الجنسي. من هذه النماذج الي قابلتها ولازلت الاقيها مثلا الرجل ذو الاراء الرجعية فيما يخص المرأة، أو الرجل مزدوج المبادئ، فأمه وأخته نساء شريفات عفيفات أما صديقاته فهن سافرات، لا يتزوجهن ولا يدافع عنهن اذا تعرضن للتحرش.
مفترس محتمل من نوع اخر يجب أن ننتبه له هو الرجل الذي دائما يتفاخر بحياته الجنسية ويجعل منها مقياس لرجولته، وبالطبع نظرته للمرأة اقرب للدونية، يقول أشياء غير لائقة و يتباهي بعلاقته الغرامية ويتطرق لمواضيع جنسية دون مناسبة.
أما الذي يحاول اختراق المرأة نفسيا وتشتيتها بهدف هز ثقتها بنفسها غالبا يمهد لفرض السيطرة، خاصة ان كان اكبر منها سنا، وسواء متحرش ام لا، لا اعتقد ان احدا يريده حوله. وعلي كل حال يظل من اساسيات اختيار المعتد لضحيته فرض السيطرة النفسية لضمان افلاته من العقاب.
وهذا لا يقل جبنا، الصديق المتحرش، الذي يستغل مساحة القرابة والثقة في العلاقة لمزيد من الإلحاح. وكلها علامات قد تدفعنا لمراجعة رؤيتنا لأنفسنا وعلاقتنا بمن حولنا وتكون فرصة للاستعداد بشكل أفضل لمواجهة الانتهاكات حتي لو اضطررنا لإخراج بعضهم من حياتنا.
ولأن التحرش الجنسي ينمو علي الصمت فمن المهم أن نؤمن أنفسنا، بمن حولنا والعكس، واكتشاف اعتداء محتمل والافصاح عنه والتعامل معه هو بداية المعركة. ولأن مفهوم التحرش الجنسي قد زاد تعقيدا فيجب مراقبة بعض التصرفات البسيطة وطرحها للمناقشة مع اشخاص ذوي ثقة أو خبرة وعدم التجاهل والاعتماد علي نسيان الأمر والتجاوز عنه، ما اثبتت التجربة مدي صعوبته وعدم جدواه.