أشجار المانجو أصبحت زينة.. انخفاض 90% من إنتاجية مزارع المانجو بالإسماعيلية.. وخبراء يكشفون الأسباب
مدير الإرشاد الزراعي الأسبق: التغير المناخي والعفن الهبابي دمر الأزهار والمحاصيل.. وغياب الإرشاد الزراعي ودور الدولة فرض العشوائية
مسعد علي: تحرير القطاعي الزراعي وإلغاء التعاونيات وضع المزاعين تحت تأثير الشركات الخاصة
الحلول: رش إجباري لكل المساحات المصابة واستنباط أصناف مقاومة للحرارة وعودة الإرشاد الزراعي
كتب – فارس فكري
يعد المانجو المحصول الرئيسى والإستراتيجى بمحافظة الاسماعيلية، ويعتبر صنف المانجو «العويسي» الاسماعيلاوى وفقا لتقديرات خبراء الزراعة – من أشهر الأصناف التى تتميز بها المحافظة، حيث تبلغ نسبة السكريات الذائبة فيه أكثر من 24%، وهذه النسبة تعد أعلى نسبة سكر على مستوى الأصناف على مستوى العالم.
تعتبر المانجو ملكة ثمار فواكه المناطق الاستوائية وتحت الاستوائية، وهي ثمرة ذات قيمة غذائية عالية فهي غنية بالعناصر الغذائية وهي تحتوي على فيتامين أ، ج بجانب البروتينات، والدهون، وأحماض الماليك، والستريك والكاروتين.
وحسب موقع وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، فإن ثمرة المانجو من الفواكه الاستوائية التي أدخلت مصر في عهد محمد على باشا عام 1825 وازدادت المساحة المزروعة بها حتى وصلت إلى 109018 فدانا عام 2003.
وحسب كتاب تاريخ الزارعة في عهد محمد على للمؤرخ أحمد الحتة، فإن زراعة المانجو في مصر نجحت في حديقة الروضة في القاهرة في عهد إبراهيم باشا الذي استقدم بذورها من الهند، التي تعد الموطن الأصلي للمانجو وأكثر الدول إنتاجية للمانجو.
وقد تعرض هذا المحصول المهم خلال السنوات العشر الأخيرة الى عدد من الضربات المتتالية، كان السبب الرئيسى وراءها التغيرات المناخية التى شهدها العالم خلال الفترة الأخيرة، بدءا من موجات الصقيع ثم الأمطار الغزيرة ومرورا بموجات الطقس الحار والاستعانة بأصناف أجنبية تسببت فى دخول بعض الأمراض الى مصر، ومنها مرض العفن الهبابي، وأخيرا الموجة الحارة التى تعرضت لها البلاد خلال شهر رمضان الماضي، وهى الأمور التى أدت الى تراجع محصول المانجو بشكل حاد وصل إلى 90% في بعض الحقول، رفعت أسعار المانجو في الأسواق بنسبة كبيرة، وحولت الأشجار فى كثير من الأحيان الى أشجار للزينة، دفعت عددا غير قليل من المزارعين الى التخلص من الأشجار والبحث عن محاصيل أخرى مضمونة العائد.
تحدثت “درب” مع متخصصين للكشف عن الأساب وراء انخفاض المحصول والحلول.
يقول المهندس حسام رضا الباحث الزراعي ومدير الإرشاد الزراعي الأسبق بالإسماعيلية إن هناك 3 أسباب أساسية وراء تدهور محاصيل المانجو هذا العام، ولابد من التدخل السريع للدولة لحل الأزمة، محذرا من أن المزارعين يتجهون إلى قطع اشجار المانجو بسبب الخسائر المتكررة.
ووصف المهندس حسام وضع المحاصيل بالكارثي، لافتا إلى أن محصول المانجو انخفض بنسبة من 85% إلى 90% ، ما يشير إلى وضع كارثي أدى إلى زيادة الأسعار من 13 جنيها للمانجو العويسي في منتصف الموسم الماضي وقبل الماضي إلى 75 جنيها للكيلو في الموسم الحالي.
وكشف مدير الإرشاد الزراعي الأسبق بالإسماعيلية: إلى أن المشكلة الأولى وهي العفن الهبابي وهي حشرة موجودة منذ 10 سنوات تقريبا أو أكثر على الموالح وتنتقل إلى أشجار المانجو وتنتج طبقة سوداء على أوراق المانجو يقلل من استقبالها لأشعة الشمس ما يؤدي إلى انخفاض المحصول، مؤكدا أن حل هذه المشكلة هو الرش الوقائي قبل بداية المحصول، لكن هذا لم يحدث لأن وزارة الزراعة تركت الأمر للقطاع الخاص من بعد الوزير يوسف والي، وشركات القطاع الخاص تبيع المبيدات لمن لدية القدرة المالية على الشراء وبالتالي رش المبيدات يكون حسب القدرة المالية فحقل يتم رشه وآخر لا ما يؤدي إلى انتقال الآفات وعدم التخلص منها نهائيا.
واقترح الباحث الزراعي أن يكون الرش إجباري بالتجاور من قرية إلى أخرى ولكل المساحات على أن يتم سداد تكاليف المبيدات عن طريق البنك الزراعي بالأجل.
وتابع أن المشكلة الثانية في الاحتباس الحراري والتغير المناخي الذي أدى إلى وفاة حبوب اللقاح على الأشجار وهو السبب الرئيسي في انخفاض محصول الفدان من 10 أطنان إلى طن واحد.
وأوضح: أن زهرة شجرة المانجو تزهر في نهاية فبراير عند 25 درجة مئوية وتستمر حتى مارس في النمو، وهذا العام حدثت مصيبة كبرى حيث وصلت درجات الحرارة في مارس إلى 42 درجة مئوية بسبب التغيرات المناخية ما أدى إلى موت حبوب اللقاح على الأزهار والسؤال الآن هل سيستمر هذا الوضع ؟، ويجب أن تدخل الدولة لإيجاد حلول لهذا الوضع الكارثي الذي سيستمر، ولابد أن يبحث مركز البحوث الزراعية عن حلول جذرية سواء كان تعديل الأصناف التي تتحمل الحرارة وتعديل أيضا مواعيد الزراعة.
وأضاف أن السبب الثالث هو تراجع دور الإرشاد الزراعي ووقف التعينات ما أدى فقدان التواصل مع الفلاحين ما يؤدي إلى التصرفات العشوائية حسب الأهواء والإشاعات .
وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة بالمانجو في مصر أكثر من 289 ألف فدان، حسب دراسة تحليلية اقتصادية إنتاجية محصول المانجو في مصر صادرة عن معهد بحوث الاقتصاد الزراعي في عام 2018.
وقالت الدراسة إن المتوسط السنوي للمساحة المثمرة للمانجو في محافظات الوجه البحرى بلغ حوالى 148 ألف فدان، بما يمثل نحو 59.67% من المتوسط السنوي لمساحة المانجو المثمر على مستوى الجمهورية.
وجاءت محافظة الإسماعيلية في المركز الأول على مستوى كل من الجمهورية والوجه البحرى، حيث بلغ المتوسط السنوي لمساحة المانجو المثمر بها حوالى 89.4 ألف فدان، تليها محافظات الشرقية والسويس والبحيرة والمنوفية.
أما صادرات مصر من المانجو فتبلغ نحو 53 ألف طن سنويًا، ويجرى تصدير المانجو المصري إلى أكثر من 50 دولة.
وأهم أسواق التصدير لدى بشكل عام هي أوروبا والشرق الأوسط وآسيا وروسيا، أو رابطة الدول المستقلة لجميع المنتجات.
أما إنتاجية مصر من المانجو فبلغت نحو مليونى طن مما يجعلها ثاني أكبر فاكهة مُصدرة من مصر بعد الحمضيات.
يقول مسعد على أمين حزب التحالف الشعبي بالإسماعيلية إن تراجع دور الدولة سواء على مستوى الإرشاد الزراعي أو الرش الإجباري نتيجة لتحرير القطاع الزراعي جعل المحاصيل الرئيسية التي تدر دخلا للمزارعين وتوفر عملة صعبة لعبة في يد الشركات الخاصة، مؤكدا أن محصول المانجو في تدهور منذ 8 سنوات تقريبا بسبب العفن الهبابي الذي أصيبت به الأشجار ما جعل محصول هذا العام ينخفض إلى أكثر من 50% .
وأرجع مسعد أسباب تراجع وانخافض المحصول إلى تحرير القطاع الزراعي وإلغاء التعاونيات والعجز في الإرشاد الزراعي، مؤكدا أن الدولة كانت ترش الحقول بالطائرات للقضاء على الآفات ما يجعل عملية التخلص من الآفات مسئولية الدولة التي تحافظ على جميع المحاصيل في كل الحقول .
واضاف مسعد إن محصول المانجو يعتبر الدخل الأساسي لمعظم مزارعي الإسماعيلية ويتم تصديره إلى الخارج ما يوفر عملة صعبة للبلاد، مؤكدا أن الأسعار ارتفعت ووصل سعر المانجو العويسي إلى 70 جنيها للكيلو بسبب قلة المعروض وضعف المحصول.
وتسائل مسعد عن دور الدولة التي يجب أن تكون حاضرة للحفاظ على المحاصيل والحقول، محذرا من أن عدم التدخل سيجل المزارعين يهجرون الأراضي بعد خسارتهم للمحاصيل.
وقال إن الضرر الواقع على محصول المانجو هذا العام يرجع إلى السياسات الخاطئة لوزارة الزراعة، ففي الثمانينات كانت الدولة ترش المبيدات على محاصيل القطن بالطائرات لأنها كانت تدرك أهمية المحاصيل القومية، أما الآن فيترك الأمر بشكل عشوائي وللتصرفات الفردية، فما حدث في المانجو يحدث للبطاطس وغيرها من المحاصيل، مشيرا إلى أن تحرير القطاع الزراعي والعجز في الإرشاد الزراعي بسبب عدم التعيين أدى إلى تصرفات عشوائية للمزارعين سواء على مستوى نوعية المبيدات وكميتها ومواعيد الرش وحتميتها والتي يجب أن تكون موحدة على جميع الحقول لضمان القضاء على الآفات لكن ما يحدث أن كل مزارع يتصرف حسب هواه وقدرته المالية وهو ما يؤدي إلى استمرار الآفات ومعها المشكلات.