اذكروهم وقت منع الزيارات| محمد رمضان.. محامي الغلابة والمظلومين.. الذي سجن 15 شهرا بسبب صورة بالسترة الصفراء (بروفايل)
كتب- حسين حسنين
منذ اللحظة الأولى لمطالب القوى السياسية والبرلمانية والحزبية والمنظمات والأسر، بالإفراج الفوري عن السجناء والمعتقلين خوفا من تفشي فيروس كورونا، كان قررنا في “درب” ألا يمر يوما إلا ونتذكر معكم حكايات المعتقلين، وإن كان قدرهم أن يكونوا وراء القضبان وقدرنا أن نحن في الخارج، فلنعوض ذلك بذكراهم المستمرة ورصد حكاياتهم وحياة الأصدقاء والأسرة.
وكان لابد أن يكون للمحامي الحقوقي البارز والقيادي بحزب “التحالف الشعبي الاشتراكي” نصيبا من هذه الحكايات.
” أقسم لك أنك لم تغب عن بالي وخاطري ولو للحظة خلال الفترة الماضية، وأن تأخري في الكتابة إليك إن كان يدل على شيء فلا يدل إلا عن مدى فاجعتي بما حدث لك”. رسالة من الكاتب محمد عيسى إلى صديقه المحامي محمد رمضا.
وفي 9 ديسمبر 2018، نشر المحامي الحقوقي السكندري، محمد رمضان عبد الباسط، صورة لنفسه على حسابه بـ”فيسبوك”، يرتدي فيها سترة صفراء، على غرار مظاهرات السترات الصفراء آنذاك، ليعلن تضامنه مع مطالب الفرنسيين.
صورة تضامنية، كانت سببا في تحرك قوات الأمن إلى منزل المحامي الشهير، واعتقاله وإحالته للتحقيق في اتهامات بالإرهاب. أكثر من 15 شهرا في الحبس الاحتياطي في ظروف سيئة وأوضاع احتجاز غير إنسانية.
هذه لم تكن المرة الأولى التي يتعرض فيها محمد رمضان، الذي اشتهر بـ”محامي المظلومين”، ولكنها تأتي ضمن سجل كبير من النضال والمطالبة بالعدالة والديمقراطية، في مواجهة أنظمة حكم متعاقبة على مصر.
ومحمد رمضان هو عضو حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وعضو اللجنة المركزية وأمين وحدة شرق الإسكندرية، اشتهر بدفاعه عن المعتقلين والعمال في محافظته، حتى جاءت أول واقعة اعتقال له في ظل النظام الحالي، والتي كانت في نهاية 2016.
فوجئ رمضان فور وصوله مقر النيابة العامة، بصدور أمر ضبط وإحضار له، ألقت قوات القبض عليه بموجبه، فيما بعد أسبوع صدر قرار من النيابة بإخلاء سبيله بكفالة 10 ألاف جنيها.
ووجهت النيابة للمحامي اتهامات الانتماء لجماعة مؤسسة على خلاف أحكام القانون “حركة الاشتراكيين الثوريين” ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة وإهانة رئيس الجمهورية ومؤسسات الدولة واساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
كانت هذه الاتهامات على ذمة القضية رقم 94 لسنة 2015 المنتزه، والتي أحيلت للجنايات في فبراير 2017، التي أصدرت بعد عدة جلسات حكمها على رمضان غيابيا، والذي كان الحكم الأول من نوعه وقتها.
الجنايات أصدرت حكمها الغيابي بحبس رمضان 10 سنوات، وتحديد إقامته جبريًا، ومنعه من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، لمدة 5 سنوات أخرى، لاتهامه بإهانة رموز الدولة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والتحريض على أعمال عنف.
بينما وفي يونيو 2018، قررت الجنايات وقف نظر إعادة المحاكمة في القضية التي صدر في الحكم ضد رمضان، لحين الفصل في الدعوى التي أقامتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير، حول دستورية بعض مواد قانون الإرهاب.
وكانت المبادرة المصرية طعنت أمام المحكمة الدستورية في فبراير 2018، لصالح رمضان، واستند الطعن على شقين: الشكلي وهو مخالفة الشرط الدستوري المنصوص عليه في المادة 156 من الدستور، حيث لم تحصل مناقشات المشروع بقانون في البرلمان على الوقت الكافي أو الجدية اللازمة، وأيضا مخالفة المادة 225 من الدستور، حيث أنه لم تنشر موافقة مجلس النواب على ذلك القرار بقانون في الجريدة الرسمية.
أما الشق الموضوعي فهو متمركز على مخالفة القانون “للقواعد الدستورية الخاصة بكيفية التجريم والعقاب، والتناسب ما بين الجريمة والعقاب، وأيضًا لمخالفته مبادئَ حقوق الإنسان وخصوصًا فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، وسيادة القانون”.
وبعد أشهر قليلة من هذا القرار، الذي جاء في صالح رمضان، جاءت واقعة القبض عليه لنشره صورة التضامن مع مظاهرات السترات الصفراء في فرنسا.
“أنا لست إرهابيا فأنا لم استبح الدماء ولم أخرب أو أنهب، ولم أبع ارض الوطن، ولكن جريمتي أنني محامي يحلم بوطن حر”، بهذه الجملة كانت رسالة رمضان من محبسه في ابريل 2019، والتي وجهها للمحامي سامح عاشور نقيب المحامين.
وجاءت نص الرسالة:
معالي السيد الأستاذ / محمود الامير (نقيب محامي شرق الإسكندرية)
تحية طيبة و بعد،
عندما تم إلقاء القبض على أصدرتم حضراتكم قرارا بعدم التضامن معي لكونكم لا تدافعون عن ارهابيين، و لا اخفي على حضراتكم بأنني قد تلقيت هذا الخبر ليس بدهشة أو استغراب، فطالما كانت النقابة – خلال فترة توليكم لهذا المنصب العظيم – أداة في قبضة الدولة توجهها كيفما شاءت، و لكن أقول لحضراتكم إنه ما زالت لديكم فرصة لتحرير النقابة من هذه القبضة، فكلما كانت النقابة حرة، أصبحت كرامة المحامي في عنان السماء، وأذكر نفسي و إياكم بأنه على مر العصور كان المحامون في طليعة الحركة الوطنية و حملوا لواء قياداتها
كانت المحاماة رسالة و ليست مهنة وكانت سيف يشهر في وجه الظلم وحارس أمين على حقوق الفقراء و المستضعفين،
كانت النقابة هي الأم الولادة التي أنجبت عظماء أمثال الخواجة و مصطفى كامل و مصطفى البرادعي.
معالي النقيب،
لو قرأتم أوراق قضيتي ستجدون إقرار من الضابط مجري التحريات يقر فيه في أكثر من موضع بالآتي : “المتهم دائم الترافع في قضايا الحركات الإثارية”.
معالي النقيب،
أنا لست إرهابيا فأنا لم استبح الدماء ولم اخرب أو أنهب
ولم أبع ارض الوطن
ولكن جريمتي انني محامي يحلم بوطن حر.
مقدمه لحضراتكم،
محمد رمضان المحامي بالاستئناف العالي
زنزانة ١٢ عنبر ٢
معتقل برج العرب
فيما قالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، في بيان سابق، إن “المحامي السكندري محمد رمضان، الذي طالما تطوع للدفاع عن المظلومين والمقهورين. اعتقل على إثر ارتدائه سترة صفراء.
وأضافت الشبكة في بيانها: “نعم، حيازة السترة الصفراء كانت أحد الاتهامات الموجهة إليه، كان محمد رمضان، أحد محاميي الغلابة، وشأنه شأنهم، تم اعتقاله أكثر من مرة، لاتهامات عبثية مماثلة”.
بينما تضامن المفوضية المصرية للحقوق والحريات مع رمضان بإصدار بيان أعربت فيه عن رفضها القاطع للقبض عليه لمجرد تضامنه مع مظاهرات في فرنسا، وطالبت بالإفراج الفوري عنه.
وقالت في بيانها، إن “ما يحدث للمحامي محمد رمضان هو انتهاك لحقوقه وتلفيق لقضية بدون أي وجه قانوني أو مبررات. فقد أصبح التعبير عن الرأي بالصور أو الكتابة ولو حتى على سبيل الدعابة سببا كافية لتلفيق قضية خطيرة ليتم حبس الشخص المراد التنكيل به”.
وفي أغسطس الماضي، توفت والدة المحامي رمضان بعد صراع طويل مع المرض والفقد والحرمان من ابنها المحبوس. طالب محامي رمضان النيابة بالموافقة على خروجه لتشييع الجثمان، ولكنه الأمر الذي قوبل بالرفض.
وعلى الرغم من تنظيم القانون لعملية التصريح للسجناء بالخروج في حالة وفاة الأقارب من الدرجة الأولى، كان التعنت من السلطات المعنية بالأمر واضحا في حالة المحامي محمد رمضان.