أخطر انتخابات برلمانية في تاريخ العراق.. القوى الثورية تقاطع وتوقعات بتحالف شيعي سني لتشكيل الحكومة
كل الأحزاب تحاول استعادة شعبيتها وترفع شعار الإصلاح ومحاربة الفساد.. و25% من المقاعد للنساء
كتبت – ريهام الحكيم
دعت المفوضية المستقلة للانتخابات في العراق نحو 25 مليون ناخب إلى المشاركة في الانتخابات المبكرة التي يتنافس فيها أكثر من 3200 مرشح للفوز بـ 329 مقعداً، هو مجموع مقاعد مجلس النواب التي خصص 25 % منها للنساء في 83 دائرة انتخابية.
وستجري الانتخابات بحسب قانون انتخابي جديد يعتمد دوائر انتخابية مغلقة، بحيث أصبح الترشح لا يتطلب الانضواء في قوائم، ويمكن أن يقتصر على عدد محدود من المرشحين بحسب عدد السكان في كل دائرة.
وفي ظل الأوضاع السياسية التي يعيشها العراق فمن الصعب التكهن بالحزب الذي سيتصدر الانتخابات في ظل التنافس الكبير، خصوصاً بين التيار الصدري الذي يتزعمه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وتحالف “الفتح” الذي يمثله مرشحون مدعومون من فصائل قريبة من إيران.
ويرى مراقبون أن نسبة المشاركة في الانتخابات المقررة في العاشر من أكتوبر المقبل ستكون أقل مقارنة بالماضية التي جرت العام 2018.
ومع كون الانتخابات المقبلة تأتي كاستجابة لمطالب انتفاضة أكتوبر 2019، إلا أنها تشهد مقاطعة واسعة من قوى الانتفاضة التي تعتبر أنها لا تراعي متطلبات ضمان النزاهة وعدالة التنافس بين الكتل المشتركة.
في أواخر عام 2019، خرجت احتجاجات شعبية كبيرة في شوارع بغداد العاصمة ومدن ومحافظات وسط وجنوب العراق. فشلت الأحزاب في احتواء التظاهرات والتي تصاعدت وأجبرت حكومة عادل عبد المهدي على تقديم الاستقالة ، كان الأخير قد حاول قمع التظاهرات بشتى الطرق واستخدم كل وسائل قمع المتظاهرين السلميين، وبمخاض عسير وارتباط الأحزاب التقليدية تم ترشيح أكثر من شخصية لا تحسب على الحرس القديم أملاً في تهدئة الشارع. انتهى الخلاف بتشكيل حكومة رئيس جهاز المخابرات آنذاك مصطفى الكاظمي في مايو 2020 والذي تعهد بإجراء انتخابات مبكرة كما طالب المحتجون.
حُكم العراق منذ عام 2005 – ابان تسلم العراقيين الحكم من الاحتلال الأمريكي- مجموعة من الأحزاب، أخذت شكلاً وليس جوهرا في تبني ايدلوجية واضحة وبنيان حزبي راسخ. سيطر على صناعة القرار الإسلام السياسي والذي تحالف في البداية مع الاحتلال الأمريكي واعتبره البعض منهم محرراً لا محتلاً.
وبالمحاصصة الطائفية والعرقية تم تقسيم الغنائم والمناصب بين الكتل والائتلافات المختلفة. نجح المكون الشيعي في تشكيل الحكومات المتعاقبة والتي تسببت بشكل رئيسي في انتشار الفساد وإهدار كبير للمال العام بمشاركة باقي المكونات من السنة والأكراد.
وتشعر تلك الأحزاب – التقليدية – بعدم امتلاك كل خيوط القوة والمعادلة السياسية كما كان في السابق. فمن 2005 وحتى 2021 حدث تغيرات مجتمعية للمواطن العراقي من جراء سياسة تلك الأحزاب والتي جعلت عام 2019 عاماً كاشفاً لعوار نظام حُكم استمر16 عاماً، أوصل البلاد إلى حافة الانهيار جراء سياسات تلك الأحزاب والتي اعتمدت تقسيم العملية السياسية بين ثلاث مكونات رئيسية (شيعية وسنية وكردية).
تمثل الانتخابات التشريعية المبكرة التي حددت تحت ضغط مطالبة متظاهرين بها خلال احتجاجات أكتوبر 2019 بدلاً من موعدها في العام 2022، أحد التنازلات القليلة التي قدمتها السلطات إلى المحتجين الذين خرجوا رفضاً للفساد المستشري ونقص الخدمات العامة في العراق.
وتحاول تلك الأحزاب في هذه الانتخابات أن تستعيد شعبيتها التي فقدت بعد عام 2019 في، كما وصف زعيم ائتلاف الفتح هادي العامري، بأنها أخطر انتخابات في تاريخ العراق ما بعد النظام البعثي.
وبشكل عام تنقسم المكونات الحزبية داخل البرلمان بين جبهات متصارعة بل ومتحاربة في بعض الأحيان، كلاً يتبنى خطاباً يحمل وعوداً بالإصلاح ومحاربة الفساد.
وكعادة الأحزاب التقليدية، اتسم الخطاب الجمعي لهم بإلقاء باللوم على الآخر، من الشركاء في العملية السياسية، في توصيف الأزمات التي لحقت بالمواطن وفقدان للبنى التحية وانتشار البطالة وضعف الاستثمار. بل وحصر الميزانية بالاعتماد على النفط والاقتصاد الريعي، بدون حتى بيئة أمنة للعمل والتطوير.
وبالنظر إلى المكون الشيعي والذي يعتبر الأهم في تحديد شكل الحكومة القادمة والذي ينقسم بين قوتين كبيرتين: الأولى تضم التيار الصدري “سائرون” وتحالف كلاً من عمار الحكيم وحيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق (2014-2018). والجبهة الأخرى هى التي تسمي نفسها “محور المقاومة” وتضم تحالف “الفتح” بقيادة هادي العامري – الملقب برجل إيران في العراق – وقيس الخزعلى وائتلاف رئيس الوزراء الأسبق ( 2006- 2014 ) نوري المالكي وعدداً من الفصائل المسلحة الموالية لإيران وهذه الجبهة تسمى إعلامياً “قوى اللادولة”.
المكون الكردي وهو الأكثر استقراراً يضم كلاً من حزب العمل الكردستاني ( بارتي) في أربيل، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني (اليكتي) في السليمانية. والمكون السني في الوقت الحالي منقسم بين تياريين “تقدم” و”عزم” بقيادة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان الحالي ورجل الأعمال خميس الخنجر.
ويُتوقع أن يتحالف أحد جبهتي المكون الشيعي مع المكون السني والكردي لتشكيل حكومة ائتلافية، أو أن يعاد سيناريو 2018 بتحالف “الفتح” و”سائرون” ،هذا التحالف الذي أدى لانفجار الأوضاع بعد عام من تشكيل الحكومة.
لم يعتد المكون الشيعي على الانقسام، ولان تحالفات2010 و2018 أظهرت رغبة المكون الشيعي للهيمنة على تفاصيل تشكيل الحكومة والحفاظ على البيت الشيعي من التصدع في مقابل عدم تمكن المكون السني المنقسم والمكون الكردي الأكثر تماسكاً في توزيع الأدوار.
ويعد إحكام سيطرة الكتل التقليدية على نتائج الانتخابات ونسقها والدعاية الانتخابية، وتحكم السلاح بالمشهد العراقي، عاملان رئيسان لتقوض مساحة التنافس ودفع العراقيين إلى اختيار المقاطعة.
ومن المتوقع أن النتائج لن تختلف كثيراً عن الخريطة الحالية، إلا أنها من المرجح أن تشهد اختلافات طفيفة في ما يتعلق بتراجع مقاعد بعض القوى التقليدية أمام تقدم بسيط للبعض الآخر. والتسويات السياسية ستتم وفق شروط متبادلة بين “قوى الدولة واللادولة” خصوصاً مع التوقعات التي تشير إلى تقارب نتائج الكتل المختلفة بعد الانتخابات. أما مرشحي انتفاضة تشرين – شباب حديثي العهد بالعمل السياسي وشارك في احتجاجات أكتوبر 2019 – فمن المتوقع عدم تحقيق نسباً جيدة بسبب عزوف القاعدة الشعبية المؤيدة للاحتجاجات عن المشاركة ودعاوي المقاطعة والممانعة.
الانتخابات ستعطي للفاعلين السياسيين وهماً زائفاً بالفوز والأمان، لكنها ستصب مزيداً من الزيت على النار، وربما تسهم في حدوث انفجار جديد للأوضاع، خصوصاً في المناطق الجنوبية من البلاد. هذا ويستبعد أن تمثل الانتخابات المقبلة نهاية الأحزاب التقليدية التي حكمت العراق الأعوام الماضية.