أحمد عزت يكتب: نقابة المحامين ملزمة دستوريًا وقانونيًا بدعم المحامين ماليًا لمواجهة كورونا
أفاق العالم فجأة على كارثة لم تشهدها البشرية من قبل، تعمقت منذ مطلع السنة الجديدة 2020. أدت إلى عجز وشلل لا لجميع القطاعات الصناعية والتجارية فقط بل لأكبر الدول العظمى والمنظمات الحكومية الدولية.إنها كارثة أزمة فيروس كورونا. التي تضررت جمهورية مصرالعربية منها، بجميع قطاعاتها بما في ذلك قطاع مهنة المحاماة. فإلى أي مدى المحامي لاسيما الشاب قادر على مجابهة هذه الأزمة ماليا في ظل غلاء المعيشة و الصعوبات إقتصادية وإجتماعية؟ إلى أي مدى ملزمة نقابة العامة للمحامين بتأمين أعضائها ماليا في ظل هذه الأزمة؟ أما أن نقابة العامة للمحامين نشأة فقط لجمع إشتراكات والتملص من مسؤوليتها القانونية تجاه أعضائها وقت العوز؟
مهنة المحاماة، نقابة المحامين: النشأة بين الأساس الدستوري والقانوني
تعتبر مهنة المحاماة من المهن الحرة، وللمحامين المقييدين بجدوال المحامين متحصلات مالية تتحقق من أتعاب القضايا التي يتولون النظرفيها والدفاع عن أصحابها وفقا لأحكام القانون أمام المحاكم المختصة.
ولقد ظهرت هذه المهنة في مصر منذ سنة 1884 . وأمام أهمية مهنة المحاماة ومكانتها بإعتبارها :” مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحريتهم ويمارس مهنة المحاماة المحامون وحدهم في استقلال ولا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وأحكام القانون” ، دعت الحاجة إلى حماية “مهنة الروب الأسود” من كل القيود التي يمكن أن تطال إستقلالية المحاماة وضمان مسار العدالة بكفالة حق الدفاع، ولقد أدت أسباب تاريخية بالأساس لنشأت نقابة تسهر على تحقيق ذلك، رسميا فى 30 سبتمبر 1912 كانت أهم مراحل عمل النقابة مع صدور قانون المحاماة رقم 26 بتاريخ 30 سبتمبر سنة 1912، وهو عام التأسيس الرسمى للنقابة.
ولئن توالت الدساتير المصرية، فإن أحكامها الدستورية لم تخلو من التأكيد على ضرورة تكريس الأسس الدستورية للعمل النقابي وأهميته. وهو ما أكد عليه أيضا المشرع الدستوري صلب
أحكام المادة 76 من دستور 2014 الحالي، والتي أكدت على المكانة الدستورية بـ:” إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون. وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم فى رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم. وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات، ولا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي. ولا يجوز إنشاء أى منها بالهيئات النظامية”.
وبالرغم من وأن قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 وتعديلاته، أقدم من هذه الأحكام الدستورية للمادة سابقت الذكر، إلا أن قانون المحاماة في قسمه الثاني جاءت أحكامه متطابقة ومتماشية مع الأحكام الدستورية المكرسة للعمل النقابي.
الأساس القانوني لإلتزام النقابة العامة بمصالح أعضائها: في الحالات العادية والطارئة
و استنادا للمادة 120 من قانون المحاماة فإن:” نقابة المحامين مؤسسة مهنية مستقلة تضم المحامين في جمهورية مصر العربية المقييدين بجداولها وتتمتع بالشخصية الإعتبارية…” وتعمل النقابة على تحقيق هدف “العناية بمصالح أعضائها وتزكية روح التعاون بينهم وضمان استقلالهم في أداء رسالتهم…” ، إلى جانب بقية جملة من الأهداف الأخرى المحددة صلب المادة 121 .
ولتحقيق هذه الأهداف منح المشرع النقابة جملة من الصلاحيات وذلك بمقتضيات المادة 143 والمعدلة بموجب أحكام القانون 147 لسنة 2019 بشأن تعديل قانون المحاماة،والتي أكدت على مايلي:”يكون لمجلس النقابة العامة جميع الصلاحيات في كل ما يتعلق بإدارة شئون النقابة وتحقيق أهدافها، ويكون له بالإضافة للاختصاصات الأخرى المقررة فى هذا القانون الآتي:
1-وضع الضوابط التى تضمن الإشتغال الفعلي بالمحاماة، وربط تجديد الإشتراك السنوي وأداء الخدمة النقابية بالإشتغال الفعلي داخل مصر وخارجها،وتحديث ومراجعة جداول النقابة بشكل دورى.2-…،3…، 4- وضع النظام الداخلي للنقابة واللوائح والقواعد المالية للنقابة العامة وللنقابات الفرعية. 5- وضع لائحة الرعاية الإجتماعية والصحية. 6- إعداد الموازنة التقديرية المجمعة للنقابة،وحسابتها الختامية المجمعة.”
وعلى أساس كل ماتقدم يتضح لنا، أن نقابة المحامين استنادا لأحكام الدستور وقانون المحاماة شخصية اعتبارية مستقلة، وهي الجهة المختصة أساسا وأولا بكفالة العناية بمصالح المحاميين المقييدين بجدوالها وحسب مقتضيات قانون المحاماة الحالي رقم 17 لسنة1983وتعديلاته. ووفق مقتضيات أحكام المادة169 منه فإن نقابة المحامين تتحصل منهم اشتراكات سنوية حسب الرسوم والمالية المحددة صلب المادة 167 من قانون المحاماة . وإضافة إلى ذلك تتكون الموارد المالية لنقابة العامة من أساسا من :” 1رسوم القيد بجداول النقابة. – 2الاشتراكات السنوية وفوائد الاشتراكات المتأخرة. – 3حصيلة ثمن أجور الإعلانات القضائية التى تنشر بمجلة المحاماة. – 4عائد استثمارات أموال النقابة. – 5الموارد الأخرى التى يوافق عليها مجلس النقابة….”
و سعيا من المشرع لتعزيز الموارد المالية للنقابة العامة للمحامين وحسن ترشيد التصرف فيها وإستغلالها، فرض صلب المادة 165 أن تودع أموالها في حساب خاص بالمصرف او المصارف التي يعنيها مجلس النقابة العامة بناء على اقتراح أمين الصندوق. ولمجلس النقابة العامة أن يحدد بناء على اقتراح أمين الصندوق من يودع من هذه الاموال في حسابات الودائع أو في حسابات الجارية ومايتم استثماره منها في سندات حكومية أو أوراق مالية ومايحتفظ به بخزينة النقابة بصفة مستديمة للصرف منها في الحالات الطارئة. ويكون الصرف من حسابات النقابة وفق ما يقضى به النظام المالى للنقابة وبتوقيع النقيب أو الوكيل و أمين الصندوق أو الأمين المساعد للصندوق.”
وتعود عائدات استثمار هذه الأموال إلى صندوق الرعاية الصحية والإجتماعية وذلك وفقا لأحكام المادة 181، وتتكون موارد الصندوق أيضا من حصيلة الإعانات والمعاشات الموجود بالنقابة وقت العمل بأحكام هذا القانون، حصيلة طوابع مقابل الحضور، حصيلة أتعاب المحاماة التى تحكم بها المحاكم فى جميع القضايا والهبات والتبرعات والإعانات التى يتلقاها والتى يوافق الصندوق على قبولها. ويعمل صندوق الرعاية الصحية والإجتماعية بفضل هذه الاموال وعائداتها الاستثمارية وغيرها إلى تحقيق رعاية أعضاء النقابة من المحامين المقييدين بالجدول العام إجتماعيا وصحيا بما في ذلك ترتيب معاشات لهم عند تقاعدهم أو للمستحقين عنهم في حالة الوفاة، إعمالا لنص قانون المادة 176. و للصرف منها بصفة مستديمة في الحالات الطارئة إعمالا لنص المادتين 165 و194، بإعتبار أن صندوق الرعاية الصحية وإجتماعية يتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة تخول له أهلية التصرف في الأموال التابعة لنقابة وتهدف لرعاية مصالح أعضائها، تطابقا وتقيدا بأحكام المادة 76 من دستور 2014 التي ألزمت بذلك.
دستوريا وقانونيا النقابة العامة ملزمة بالحفاظ على الاستقرار الإجتماعي لأعضاءها لمواجهة أزمة الكورونا الطارئة
بات للأسف اليوم أصحاب “الروب الأسود”، في مصر في ظل أزمة كورونا غير قادرين على توفير مستلزمات الحياة، خاصة المحامين الشبان لاسيما بعد تعليق العمل بجميع المحاكم و ليجد ما يقارب عن 145 ألفا محامين ، أنفسهم أمام أزمة خانقة تهدد استقرارهم اجتماعي وعائلاتهم.
ولعلنا نلقي الضوء هنا أنه من المضحكات المبكيات في هذه المسألة أننا وجدنا أنفسنا أمام معضلة الحصول على العدد الفعلي من جهة رسمية ، وأن الموقع الرسمي لنقابة المحاماة لم يحدد أعداد المحامين المشتغلين بعد تنقية الجداول ولا نسبة المحامين المتقاعدين، ولا نسبة المحامين الشبان المزاولين لهذه المهنة . والسؤال يطرح نفسه أي إعمال لمبدأ الشفافية لأبسط المسائل ؟
نعود لأساس الموضوع، اليوم هذا العدد الهائل لقطاع المحاماة، يجد نفسه بلا غطاء إجتماعي يكفل له العناية، في الوقت ذاته الذي اتخذت فيه الحكومة حزمة من إجراءات لتأمين العاملين بالقطاع العام ومنها إجازات مدفوعة الأجر وتأجيل تسديد الأقساط البنكية والمستلزمات المالية، ولم تخلو تلك التعليمات من الحفاظ على القطاع الخاص بمنحه جملة من امتيازات المتمثلة في الدعم المالي وإعفاءات الضربية، إيمانا منها بضرورة الحفاظ على مواطن الشغل وخلق الثروة، ولكن أولا العناية والحفاظ على استقرار المصالح الإجتماعية والإقتصادية والصحية للموظف أو العامل بالقطاع العام.
في حين تملصت النقابة العامة للمحامين من واجباتها تجاه أعضائها. فلمن يلجأ المحامي في ظل هذه الأزمة مع غلاء المعيشة وإنعدام الدخل الثابت. لنجد أنفسنا أمام السؤال التالي:
هل أن المحامين الأعضاء بالنقابة وحدهم ملزمين بالتقيد بالواجبات المفروضة عليهم بموجب أحكام قانون المحاماة واللائحة الداخلية للنقابة العامة ؟ وهل أن النقابة غير ملزمة بواجب الوقوف لجانب المحامين بتوفير دخل مالي ثابت يليق بمكانة المحامي لتوفير العيش الكريم في ظل الأزمات الطارئة كالأزمة التي خلقتها أزمة فيروس كورونا؟
لاسيمابعد قرار تعليق عمل المحاكم ووقوف المحامين عن العمل ، والذين يعانون في الأيام العادية من تردي المتحصلات المالية من أتعاب القضايا ، لاسيما في ظل الظروف الإقتصادية والإجتماعية التي تمر بها هذه المهنة جراء العدد الهائل لخريجي كليات الحقوق وإلتحاقهم بمهنة المحاماة. وماكان لهذه المسألة من تداعيات عميقة وخانقة على مستوى توفير العيش الكريم والحفاظ على مكانة المحامي أولا، التي تراجعت بمصر مقارنة بمكانتها في بقية البلدان العربية والغربية ، نتيجة انعدام رؤية الدولة والتخطييط الإستراتيجي لتنظيم هذه المهنة ومستقبلها.
ولعلنا نلقي الضوء على مسألة اتخاذ قرارتنقيت جدوال المحامين ، و خلق شروط وضوابط جديدة لممارسة المحاماة بنشأ أكاديمية ، لكن ولئن كانت هذه المسألة تعد خطوة ايجابية غير أنها متأخرة جدا ، ولا تعد على المد القريب حلا آنيا لحل أزمة المحامين الذين هم بصدد ممارسة المحاماة لاسيما منهم الشبان ، ولتزيد أزمة فيروس الكورونا الطين بلة وتعمق الصعوبات أمام استقرارهم الاقتصادي والاجتماعي.
وأمام تضييق الخناق على المحامين في ظل هذه الأزمة، نجد أنفسنا أمام السؤال التالي:
أي دور لنقابة المحامين بإعتبارها الجهة الرسمية الوحيدة التي تحصل الاشتراكات المالية من المحامين؟
إن الإجابة، صريحة وواضحة أن النقابة العامة للمحامين ملزمة بخلق حل لأزمة المحامين المالية بسبب الظرف الطارئ لأزمة فيروس كورونا ووقوفهم عن العمل.
وإن هذا المطلب ليس بمناشدة أو طلب منية، بل هو استحقاق دستوري وقانوني للحفاظ على الاستقرار الإجتماعي للمحامين وعائلاتهم ، وإن النقابة ملزمة بموجب أحكام الدستور حسب مقتضيات المادة 76 بعناية مصالح أعضائها، وإستنادا إلى جملة الأحكام القانونية التي سبق وأن عرضنها بشيء من التفصيل والتحليل.
ولامانع ثانية في تسليط الضوء وعرض نص قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 ،الذي يلزم نقابة المحامين بدفع مستحقات مالية للمحامين المقيدين بالجدول خلال هذه الأزمة، فإستنادا لنص المادتين 176 و 181، حيث جاءتا بأحكام واضحة وصريحة ، وأن موارد صندوق الرعاية الإجتماعية والصحية الهدف منها رعاية أعضاء النقابة المقيدين بالجدول العام “إجتماعيا وصحيا”، وهذه العبارة الأخيرة جاءت على إطلاقها ولم تحدد وضعيات معينة لرعاية أعضاء نقابة إجتماعيا وصحيا، بل إكتفى المشرع بنص على سبيل الذكر لا الحصر أن حالات معاشات المتقاعدين من المحامين أو للمستحقين عنهم في حالة الوفاة . و للإيضاح أكثر فإن نص المادة الأصلي ورد كالتالي:” ينشا بنقابة المحامين صنوق للرعاية الاجتماعية والصحية ويكون مقره بها ويهدف إلى رعاية أعضاء النقابة من المحامين المقيدين بالجدول العام اجتماعيا وصحيا بما فى ذلك ترتيب معاشات لهم عند تقاعدهم أو للمستحقين عنهم فى حالة الوفاة . ويكون للصندوق شخصية اعتبارية مستقلة…”
إن القانون يلزم النقابة أن تقف ماليا إلى جانب المحامين في ظل أزمة فيروس الكورونا الطارئة، فبالرجوع إلى نص أحكام المادة 165 لاسيما الفقرة 2 منها حيث أكدت على أن :”… ولمجلس النقابة العامة أن يحدد بناء على اقتراح أمين الصندوق من يودع من هذه الأموال فى حسابات الودائع أو فى الحسابات الجارية وما يتم استثماره منها فى سندات حكومية أو أوراق مالية وما يحتفظ به بخزينة النقابة بصفة مستديمة للصرف منها فى الحالات الطارئة …”
و تضيف أحكام المادة 194 مؤكدة على مايلي:” يراعى فى إعداد الموازنة السنوية للصندوق تكوين احتياطى للصندوق يقدر بما لا يقل عن عشرين فى المائة من ايراداته ويخصص لمواجهة اى عجز طارئ فى موازنة الصندوق .
كما يراعى فى إعداد هذه الموازنة تحديد المبالغ التى تخصص للرعاية الاجتماعية والصحية للأعضاء…”
وعلى مر السنين منذ نشأة نقابة العامة للمحامين وبداية نفاذ قانون المحاماة المعمول به حاليا، فإن خزينتها تحتفظ بصفة مستديمة إعتمادات مالية مرصودة للحالات الطارئة، ولم يصادف على مر هاته السنين أن واجهت النقابة بصفة عامة وأعضائها المحاميين بصفة خاصة أزمة خانقة كأزمة فيروس كورونا.
إن لم توفر النقابة العامة للمحامين الحل المالي لرعاية أعضائها إجتماعيا، الآن فعن أي حالة طارئة نتحدث ونتظر تدخلها ؟
حيث أنها تتمتع بجميع الموارد المالية المتوفرة بصندوق الرعاية الصحية وإجتماعية ، والتي حسب تصريح النقيب السابق الأستاذ سامح عاشور الذي “… شدد …، أن أتعاب المحاماة أهم موارد النقابة، وبمقتضى النص تحصل لصالح صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية، وتورد لحساب الصندوق يوميا بالاتفاق مع وزارة العدل، كما أن ودائع النقابة في البنوك تجاوزت 700 مليون جنيه…”
وفي الختام عود على بدء، نعود لما بدأنا عندما تحدث أن النقابة العامة للمحامين ملزمة للوقوف إلى جانب أعضائها، على اعتبارها الجهة الرسمية الوحيدة المختصة بتنظيم مهنة المحاماة وشؤون المحامين بكل جوانبها، ولقد خول لها القانون جملة من امتيازات والصلاحيات واختصاصات للتخذ قرارتها بحرية مطلقة دون الرجوع لأي جهة أخرى.
لكننا نعود أخيرا ليس لطرح السند القانوني، بل لطرح تساؤلات: ولنفرض مجزا أن نقابة العامة للمحامين تملصت من واجباتها المحمولة عليها تجاه أعضائها، فأي بديل يطرح للحفاظ على مكانة المحامي؟
باحث قانوني ومحامي بالإستئناف العالي ومجلس الدولة