أحمد طه النقر يكتب: لا صحافة ولا حياة بدون حرية
كل محاولات إصلاح أجهزة الصحافة والإعلام الحكومي ، محكوم عليها بالفشل.. لسبب أوحد هو غياب أو تغييب الحرية.. وكلما شاهدتُ الإعلان الذي يروج لتجديد وشيك لوجه التليفزيون المصري، أردد في سري “وإيش تعمل الماشطة في الوش العِكر”؟!!..
وأدعو الله أن يفهم المسئولون عن هذه المحاولات “السيزيفية” ، ولو مرة واحدة، أن أسلوب “الشئون المعنوية” في الحشد والتجييش واستجداء العواطف الوطنية بطرق ساذجة، عفا عليه الزمن ولم يعد يُجدي في عصر ثورة المعلومات وتكنولوجيا الإتصالات.. وأن يدركوا ولو مرة واحدة ، أن المليارات التي تنفق على مؤتمرات دولية للشباب وأحزاب كارتونية مجهولة النسب والتمويل وفضائيات وبرامج تديرها أجهزة الأمن ويعمل فيها “روبوتات بشرية” تتلقى الأوامر وتنفذها دون إضافة أو حذف حتى لو كانت عبارة “أرسل من جهاز سامسونج”!!..هذه المليارات تُبدد بلا طائل وتمول حرثاً في بحر لأن أهل مكة تم إبعادهم عن شعابها ولأن “العيش لم يُعط لخبازه”!!..
وسبق أن حذرتُ الزملاء الصحفيين من انتخاب ممثلي الأجهزة المخضرمين، لأن من شأن ذلك تسليم النقابة تسليم مفتاح والقضاء على ما بقى من أنفاس في جثة المهنة المحتضرة..وقد كان!!..بات الصحفيون ، ولهم العذر للأسف الشديد ، لا يهتمون إلا بالبدل الحكومي ومشروع العلاج المدعوم من الحكومة ..أما الإهتمام بالمهنة وشئونها والعمل على تطوير قدرات الصحفيين وإنقاذ “خرابات” دور صحف “الشمال والجنوب” على السواء ، فهذا ترف لم يعد أحد يجرؤ على مجرد الحلم به ولن أقول التفكير فيه!!..
أعود وأقول إن الحرية هى أساس أي نهضة سواء في الصحافة أو الإعلام أو السياسة أو الإقتصاد بل وفي الحياة بشكل عام..وعلى مدى تاريخ مصر الحديث ، ومنذ نشأة الحياة البرلمانية ووضع اول دستور عام 1866 ، كانت الصحافة الحرة رأس حربة وسندا للحركة الوطنية المطالبة بالتحرر من الإحتلال الأجنبي وإرساء الحكم الديمقراطي الذي يليق بتاريخ مصر ودورها المشهود في وضع البشرية على طريق الحضارة والعقل والضمير..
وربما يؤكد ذلك الدور الذي قام به واحد من رواد الصحافة الوطنية ، بل من أعظم وأطهر المناضلين الوطنيين على مر التاريخ..إنه المنضل الكبير عبد الله النديم الذي تصدى للخديوي توفيق عندما حاول التآمر مع قوى الإحتلال على حكومة “الثورة” برئاسة محمود سامي البارودي، والتي ضمت أحمد عرابي وزيرا للحربية، وكتب في صحيفة “الطائف” التي كان يرأس تحريرها عدة مقالات ضد الخديوي وأسرته .. وصف النديم الخديوي بأنه “خائن ومخدوع” ..كما هاجم الأسرة الخديوية بمن فيها المؤسس محمد علي وابراهيم واسماعيل وتوفيق..واتهم اسماعيل ب”سلب الأملاك وتسخير الأبدان “..بل ذهب الى حد تجريد الخديوي واسرته من صفات الآدمية ونسبهم الى عالم المتوحشين .. وفي آاخر مقالاته تلك هاجم توفيق “لضعفه ولؤمه وارتمائه في أحضان الدول الأجنبية وعدائه لأهل البلاد “..كما اتهمه ب”خيانة الوطن والدين”..
ومع كل ذلك اقتصرت عقوبة “الطائف” على منع صدورها لمدة شهر ولم يتعرض أحد لرئيس التحرير!!.. إنها الحرية التي تبعث الحياة في الصحافة وتجعلها سلطة شعبية تملك الجرأة لأن تقول للحاكم أنت خائن ومتوحش إذا رأت أنه خان أو باع أو طغى، والتي يمكنها أن تكون جيشاً يدفع عن الأوطان أخطاراً تعجز عن مواجهتها الجيوش التقليدية..عندما تنتزع الصحافة حريتها سيكون لدينا وطن حر ومستقبل واعد وحياة تستحق الحياة..