أحمد سعد يكتب: خسارة المنتخب والمطبلين وخصخصة الجماهير
يتعمد بعض الإعلاميين المحسوبين على النظام ادعاء الاندهاش من (الفتور الجماهيري) عقب خسارة المنتخب القومي أمام نظيره السنغالي وتوديع مونديال كأس العالم.
بالأمس القريب كانت كرة القدم مكونأ رئيسيا من حياة الناس، كان الحزن ينتاب الجميع بعد خسارة المنتخب، لكن ما حدث بالأمس أن المشاعر لدى المصريين تضاربت، فرغم وجود حزن ضئيل على ضياع حلم المونديال إلا أن ذلك الحزن صاحبه “ارتياح”!.
بالطبع لم يُكلف الإعلاميين أنفسهم عناء مناقشة هذه الظاهرة ولا الأسباب التي جعلت البعض يبدي الارتياح علنًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما كانت اتهاماتهم المعلبة والمحفوظة جاهزة: “هؤلاء خونة وليسوا وطنيين مخلصين”.. تتجلى “الوطنية” لدى هؤلاء الإعلاميين في الانتصارات الزائفة فقط.
الحقيقة أن هؤلاء الإعلاميين هم جزء أصيل من مسببات هذا الارتياح العام، فممارساتهم المضللة في استغلال فوز رياضي وتحويله إلى مكسب سياسي زج بالكثيرين إلى “التخوف” من حالة الاستنفار الإعلامي والفرحة “الزائفة والمقززة في معظمها” حال التأهل.
الجماهير -التي هي في أمس الحاجة إلى أي من أشكال الانتصار حتى ولو في مباراة- تخلت عن تلك الرغبة العارمة، نظير سكوت هؤلاء الإعلاميين.. الأمر حقا خطير، فأولئك المحسوبين على النظام أصبحوا عبئا على “الشعور العام بالانتماء”.
ولا يقتصر الأمر على تلك الفئة، وإنما يمتد إلى “خصخصة الجماهير”، فمثلما تحولت مصر إلى وطن من يدفع، كذلك أصبحت كرة القدم ولاعبها الأهم -الجمهور- محصورة في طبقة بعينها تستطيع أن تدفع ثمن التذكرة الباهظ والمرتفع على السواد الأعظم من المواطنين.
في مباراة الذهاب باستاد القاهرة، غاب عن الملعب ذلك الجمهور الشرس الذي يشعل حماس اللاعبين وحل محله جمهور “كيوت” لا يعرف ولا يعلم أنه شريك في اللعبة.. يتعامل مع المدرجات باعتبارها “فسحة” ويوم لطيف أفضل نسبيا من الذهاب إلى النادي أو التواجد في المولات، كنوع من انواع التغيير.
رأينا كيف كان الجمهور السنغالي على ملعبه في الإياب، وقبل ذلك رأينا الجمهور الجزائري في تصفيات ٢٠١٠، لكننا لم نتعلم الدرس.. الجمهور هو لاعب وليس مجرد متفرج، وهو لاعب يجب أن يكون “محترفا” شأن كل أركان المنظومة، إن كنا نريد للمنظومة أن تنجح.
من كانوا في مباراة الذهاب جمهور من الهواة لا تتحملهم مثل تلك المباراة الهامة، حتى هتافاتهم كانت ساذجة “قاعدين ليه ما تقوموا تروحوا”!.. هتافهم جعل المعلق يقول “يروحوا فين يا جماعة ما إحنا رايحين لهم”.. حتى معلق المباراة لاحظ تلك السذاجة.
الرغبة في “الجماهير المستأنسة” جعلت النظام يلجأ إلى طرق عجيبة لإبعاد جماهير “الدرجة التالتة” رفعوا سعر التذكرة وخصصوا رحلات تابعة لبعض الجهات وقاموا بالاستبيانات والفحوصات اللازمة للوقوف على تاريخ كل مشجع!.
النتائج المتتالية لاستغلال الكرة سياسيا والمحاولات المستميتة لقصرها على فئة بعينها كانت الفشل، فشل في حصد اللقب القاري لنحو ١٢ عاما، وفشل في التأهل للمونديال.. وفشل في تقديم عروض جيدة في المرة الوحيدة التي شاركنا فيها بمونيال روسيا بعد غياب عن كأس العالم منذ عام ٩٠، فخرجنا بثلاث هزائم.
إن كنتم تريدون لكرة القدم أن تتقدم وتتطور وتنجح فأبعدوا عنها أصحاب الفرح الكاذب، وأعيدوا الجمهور المحترف.