أحمد سعد يكتب: إلى هيئة الصحافة.. أعيدوا تشكيل بنية اتخاذ القرار في المؤسسات القومية
في الوقت الذي تواصل فيه الهيئة الوطنية للصحافة عقد جلسات لمناقشة سبل تطوير المؤسسات القومية، يبقى هذا الحراك بمثابة اعتراف ضمني بعمق الأزمات التي تنوء تحتها تلك المؤسسات منذ سنوات طوال.. أزمات لم تعد خافية على العاملين ولا على الرأي العام، بدءًا من التحديات المالية والإدارية ووصولًا إلى تراجع الحضور الجماهيري وفقدان التأثير.
وإذا كانت الهيئة قد التفتت أخيرًا إلى حجم هذه المعاناة، فإن السؤال المشروع هو: أليس الأجدى أن يُمنح العاملون –وهم الأقدر على تشخيص الواقع والأدرى بتفاصيله– فرصة فعلية لإدارة شؤون مؤسساتهم عبر تمثيل حقيقي وشفاف؟ فأهل مكة أدرى بشعابها، وأصحاب الأزمات أولى بصياغة حلولها.
بموازاة هذه الجلسات، تتنامى الشكوك حول جدواها في ظل غياب ممثلين حقيقيين عن القواعد العريضة من الصحفيين والعاملين داخل المؤسسات.. فما يُطرح حتى الآن لا يتجاوز أوراقًا نظرية وخططًا مكتبية لا تمس جوهر الأزمة اليومية التي تتمثل في تدني الأجور، تعثر الطباعة والتوزيع، وغياب بيئة عمل مستقرة، وهو ما يُخشى معه أن تتحول هذه اللقاءات في نظر كثيرين لتكون أقرب إلى محاولات تجميلية، بينما تظل القضايا الكبرى بلا معالجة جادة تنطلق من مشاركة أصحاب المصلحة المباشرين.
إن المؤسسات القومية، بتكوين مجالس إداراتها القائم على مزيج من المعيّنين والمنتخبين، تقف اليوم عند مفترق طرق.. فالنظام الحالي الذي يرجح كفة المعيّنين يضعف “الطابع التمثيلي الفاعل” ويجعل القرار رهينة للتوازنات الشكلية.. ومن هنا فإن زيادة حضور المنتخبين ليست مجرد خطوة إدارية، بل ركيزة أساسية لإطلاق طاقات العاملين ومنحهم مقدرة حقيقية على المشاركة في رسم مستقبل مؤسساتهم، بما يعزز قيم الشفافية والمساءلة ويضمن أن تعكس القرارات الصادرة طموحات القواعد لا أوامر المكاتب العليا.
ويتقاطع مع هذا التوجه دور الشباب باعتبارهم قوة دفع لا غنى عنها، فإعادة تشكيل مجالس التحرير لتضم نسبة من الوجوه الشابة “المنتخبة” لم تعد ترفًا، بل ضرورة لإنقاذ الإعلام من براثن الجمود.. فهؤلاء أبناء العصر الرقمي، يتنفسون لغة التكنولوجيا ويتواصلون مع جمهور جديد يعيش على إيقاع المنصات الرقمية.. إشراكهم في صناعة القرار التحريري سيعطي دفعة حقيقية للتحول الرقمي الذي تتحدث عنه المؤسسات، لكنه سيظل مجرد شعار ما لم يترافق مع ضخ دماء جديدة في قاعات التحرير.
إشراك الشباب يعني إدخال أفكار جريئة وأساليب مبتكرة لمعالجة قضايا العصر، من المناخ إلى التكنولوجيا، بلغة قريبة من وجدان الجيل الجديد، أما على صعيد الإدارة، فإن توسيع المشاركة المنتخبة سيعزز الانتماء ويحوّل المؤسسات من هياكل بيروقراطية جامدة إلى كيانات حية تتنفس طموحات أبنائها.. النتيجة المتوقعة هي إعلام أكثر قربًا والتصاقًا بالجمهور، وأكثر قدرة على استعادة الثقة المفقودة.
غير أن هذا المسار لن يكون سهلًا؛ فمقاومة التغيير من بعض الأطراف التقليدية، إلى جانب نقص الموارد التدريبية، قد يشكلان عقبات حقيقية.. ومن هنا تأتي ضرورة الموازنة بين خبرة الشيوخ وجرأة الشباب، عبر برامج تدريبية متخصصة وآليات انتخاب شفافة، مع تعزيز البنية التحتية الرقمية للبوابات الإلكترونية كي يجد الجيل الجديد الأدوات اللازمة لتحويل رؤاهم إلى واقع.
في المحصلة، فإن إعادة صياغة بنية اتخاذ القرار داخل المؤسسات القومية ليست مجرد إصلاح هيكلي أو إداري، بل خطوة جوهرية واستحقاق يرتبط بمستقبل الإعلام ودوره في خدمة المجتمع.. إن إشراك الشباب وزيادة المشاركة المنتخبة هما الشرارة القادرة على إشعال مسار التغيير، ليصبح الإعلام القومي مرآة تعكس روح العصر وأجدر بالتأثير.
وإذا كانت الهيئة جادة في مساعيها، فعليها أن تمضي في هذا الطريق بثقة وجرأة، فالمستقبل لا ينتظر، والإعلام القوي سيبقى أحد أهم أسلحة الأمم في مواجهة التحديات.. إلى السادة أعضاء الهيئة الوطنية للصحافة: أعيدوا النظر في بنية اتخاذ القرار داخل المؤسسات القومية.

