أحمد النجار: هيستيريا خنق روسيا تقود لمسيرة غباء اقتصادية بلا نهاية.. وإيران قادرة في الأجل محل الغاز الروسي في أوروبا
الخلافات السياسية بين أوروبا وإيران بشأن الصواريخ الباليستية والبرنامج النووي عوامل معوقة لهذا الخيار الاستراتيجي
الغاز الأمريكي المسال الباهظ الثمن الحل الذي تقدمه واشنطون لو انساقت إليه أوروبا سيكون بمثابة قبر لانتعاشها الاقتصادي تحفره لنفسها بنفسها
قال الكاتب الصحفي والخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق، إن هيستيريا خنق روسيا تقود لمسيرة غباء اقتصادية بلا نهاية.
وتابع في مقال له، أنه تبقى إيران باحتياطياتها الضخمة البالغة 34,1 تريليون متر مكعب تحتل بها المرتبة الثانية عالميا بعد روسيا، وإنتاجها البالغ 250,1 مليار متر مكعب والقابل للزيادة السريعة، هي القادرة على الحلول في الأجل الطويل محل الغاز الروسي في أوروبا بتكلفة معادلة لتكلفته الرخيصة لو تم مد خط أنابيب منها إلى أوروبا عبر تركيا.
وأشار إلى أن الخلافات السياسية العميقة بين أوروبا وإيران بشأن الصواريخ الباليستية طويلة المدى والبرنامج النووي الإيراني والتحريض الصهيوني والأمريكي ضد إيران بصورة تبتز أوروبا، تشكل عوامل معوقة لهذا الخيار الاستراتيجي لأوروبا.
وإلى نص مقال النجار:
أوروبا المصابة بهيستريا خنق روسيا بضغوط أمريكية تبحث عن أي بديل للغاز الروسي سواء كان يتمتع بالجدارة والإمكانية أو مجرد فقاعة دعائية. وهي في هذا المسعى تجسد العبث بالعلاقات والمصالح الاقتصادية لأسباب سياسية على عكس ما تدعيه من أن روسيا هي التي تفعل ذلك.
وآخر تلك الفقاعات مشروع مد خط أنابيب لنقل الغاز النيجيري عبر دول غرب إفريقيا والمغرب ومنها إلى أوروبا بطول 5660 كيلومتر، أو الخط البديل من نيجيريا إلى النيجر ومنها للجزائر بطول قرابة 4 آلاف كم لينقل بعد ذلك لأوروبا، بدعوى أن ذلك سيكون بديلا للغاز الروسي الذي ترغب أوروبا في الاستغناء عنه. وبغض النظر عن أن الخط الأول بطول 5560 كم يمر في بلدان تشهد بعضها اضطرابات اجتماعية وسياسية وأمنية بما يشكل تهديدا لأمانه فضلا عن أن إنشائه يستغرق عقدين من الزمن، والخط البديل يمر في النيجر المضطربة أمنيا والصحراء الجزائرية التي تنشط فيها جماعة إسلامية متطرفة، فإن احتياطيات نيجيريا من الغاز الطبيعي تبلغ 5,9 تريليون متر مكعب، وبلغ حجم إنتاجها نحو 49,4 مليار متر مكعب عام 2020، وسوف يتم رفع الإنتاج ليسمح لنيجيريا بتصدير 30 مليار متر مكعب لأوروبا سنويا بعد تنفيذ هذا الخط. وبالمقابل تبلغ احتياطيات روسيا 47,3 تريليون متر مكعب تتصدر بها دول العالم، وحجم إنتاجها 638,5 مليار متر مكعب عام 2020، والعمر الافتراضي لاحتياطياتها 75 سنة، وحجم صادراتها لأوروبا نحو 160 مليار متر مكعب سنويا يمكن أن ترتفع إلى 215 مليار متر مكعب لو تم تشغيل خط نورد ستريم 2 الجاهز فعليا للعمل، فكيف ستسد نيجيريا احتياجات أوروبا بدلا من روسيا حتى ولو بعد عقدين من الزمن؟!! إنه الهزل في موضع الجد!
وحتى لو عالجت أسبانيا مناكداتها مع الجزائر كمصدِر آخر للغاز، فإن احتياطيات الجزائر تبلغ 4,5 تريليون متر مكعب وإنتاجها كله للداخل وللتصدير نحو 81,5 مليار متر مكعب عام 2020. أما البديل الثالث الذي تسعى خلفه أوروبا وهو قطر فإن احتياطياتها الضخمة بلغت 23,9 تريليون متر مكعب تحتل بها المرتبة الثالثة عالميا، وبلغ إنتاجها نحو 171,3 مليار متر مكعب عام 2020، لكن صادراتها لأوروبا لن تكون لاعتبارات جغرافية وسياسية، إلا في صورة غاز مسال تبلغ تكلفته أربعة أو خمسة أمثال سعر الغاز الروسي الذي يصل لأوروبا في صورته الغازية عبر الأنابيب، بما سيرفع تكلفة الإنتاج الأوروبية لكل السلع والمواد التي تستخدم الطاقة في إنتاجها بصورة تضر وربما تدمر قدرة المنتجات الأوروبية على المنافسة في الأسواق الدولية لصالح المنتجين الأمريكيين وحتى الآسيويين. وتبقى إيران باحتياطياتها الضخمة البالغة 34,1 تريليون متر مكعب تحتل بها المرتبة الثانية عالميا بعد روسيا، وإنتاجها البالغ 250,1 مليار متر مكعب والقابل للزيادة السريعة، هي القادرة على الحلول في الأجل الطويل محل الغاز الروسي في أوروبا بتكلفة معادلة لتكلفته الرخيصة لو تم مد خط أنابيب منها إلى أوروبا عبر تركيا. لكن الخلافات السياسية العميقة بين أوروبا وإيران بشأن الصواريخ الباليستية طويلة المدى والبرنامج النووي الإيراني والتحريض الصهيوني والأمريكي ضد إيران بصورة تبتز أوروبا، تشكل عوامل معوقة لهذا الخيار الاستراتيجي لأوروبا. كما أنه خيار غير قابل للتحقق في الأجل القصير وحتى المتوسط حيث يحتاج تنفيذه إلى عقد من الزمن على الأقل لإنشاء خط أنابيب طوله آلاف الكيلومترات من حقول الغاز الرئيسية في جنوب غرب إيران إلى تركيا عبر تضاريس وعرة في البلدين في جبال زاجروس وطوروس وهضبة الأناضول قبل أن يصل إلى أوروبا.
وقبل كل ذلك فإن إيران وأي دولة أخرى مثل نيجيريا أو الجزائر تغامر بالإنفاق على إنشاءات لتسهيل تصدير الغاز لقارة لا تحترم تعاقداتها ويمكنها لاعتبارات سياسية أن تتخلى عن علاقات اقتصادية سواء لخياراتها الخاصة أو تحت الضغوط الأمريكية في ظل تبعيتها المتزايدة للولايات المتحدة بما يهدر التكلفة الباهظة التي تتحملها تلك الدول لبناء منشآت وخطوط تصدير الغاز لأوروبا كما يحدث مع روسيا حاليا.
وهذه الخبرة يمكن أن تدفع تلك الدول لتحميل أوروبا بكل تكلفة المنشآت وخطوط الأنابيب بما يضيف عبئا ماليا على أوروبا بسبب غبائها وعدم احترامها لتعاقداتها. ويبقى الغاز الأمريكي المسال الباهظ الثمن الذي يزيد سعره عن خمسة أمثال تكلفة الغاز الروسي هو الحل الذي تقدمه واشنطون التي لا تهمها سوى مصلحتها الأنانية التي يمكن أن تشعل من أجلها الحروب وتخرب العلاقات الاقتصادية الدولية، وهو حل لو انساقت إليه أوروبا في مسيرة الغباء التي تنزلق إليها في ظل هيستيريا خنق روسيا، فإنه سيكون بمثابة قبر لانتعاشها الاقتصادي تحفره لنفسها بنفسها بسبب تبعيتها لواشنطون وعقوباتها غير العقلانية ضد روسيا التي تدمر تنافسية اقتصاداتها قبل أن تضر بروسيا.
وقد بلغت احتياطيات الولايات المتحدة من الغاز بكل مصادره نحو 12,8 تريليون متر مكعب عام 2020. وتلك الاحتياطيات سوف تنفذ نهائيا بحلول عام 2034 في ظل حجم الإنتاج الأمريكي الراهن الذي بلغ 914,6 مليار متر مكعب عام 2020، وسوف تنفذ في فترة أقل لو تمت زيادة الإنتاج الأمريكي لتلبية الطلب الأوروبي، وبعدها سيكون على أوروبا أن تلجأ صاغرة لمصادر أخرى تنحصر في الغاز الرخيص من روسيا وإيران والغاز المسال باهظ التكلفة من قطر ومن مصادر صغيرة أخرى في شرق وجنوب المتوسط.