أحمد السيد النجار يكتب عن الانتخابات الأمريكية ومؤشرات فوز بايدن: المنطقة العربية وصعود وتراجع المهرج العنصري ترامب
اعتبر الكاتب الصحفي أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق، أن إعلان هزيمة ترامب وانتصار بايدن مسألة وقت لا أكثر على ضوء تنائج الفرز في كل الولايات.
وقال إنه لم ينفع ترامب التحسن في بعض المؤشرات الاقتصادية لأن فيروس كوفيد 19 الذي استهزأ به ولم يُعِد بلاده لمواجهته، قضى على التحسن الذي حدث في الاقتصاد الأمريكي نتيجة السياسات الحمائية لترامب.
وأكد النجار أن دعم ترامب بالتطبيع لا قيمة له في الانتخابات الأمريكية، لأن الناخب الأمريكي يعنيه الشأن الداخلي والاقتصادي والمعيشي بالأساس.
وإلى نص ما كتبه أحمد السيد النجار في حسابه على (فيس بوك)، اليوم السبت:
أصبح إعلان هزيمة ترامب وانتصار بايدن مسألة وقت لا أكثر على ضوء تنائج الفرز في كل الولايات. وترامب مجرد مهرج محتال عنصري وطائفي وصهيوني أكثر من الصهاينة ومزبلة التاريخ تليق به بالفعل.
وكانت دولة الأمن القومي الأمريكي تحتاجه في السنوات الأربع الماضية لفعل ما لا يقدر أي عاقل على فعله وتبريره مثل الانسحاب من اتفاقية تحرير التجارة لدول أمريكا الشمالية (نافتا) وإجراء تعديلات جوهرية عليها لصالح الولايات المتحدة بالبلطجة والتهديد بهدم المعبد قبل إعادة التوقيع على النصوص الجديدة للاتفاقية. واحتاجته أيضا لشن حرب تجارية ضد الصين بعدوان سافر على مبدأ حرية التجارة الذي ترفع الولايات المتحدة لوائه وتصدع العالم به وكانت تحتاج لمن يسحقه في التجارة مع الصين لأنه أصبح يتعارض مع مصالحها مع الصين المتفوقة تجاريا واقتصاديا. واحتاجت خبله لنقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، وسحق الشعب الفلسطيني بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية وعن الأونروا، وفرض تخلي أتباعها من أثرياء العرب عن الشعب الفلسطيني، والاعتراف بالاغتصاب الصهيوني اللصوصي لهضبة الجولان السورية، وممارسة أسوا أشكال الابتزاز الوضيع كي تقوم بعض الدول العربية بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. واحتاجته أيضا لابتزاز إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وتكثيف الضغوط عليها، وزاد هو على ذلك بالانسحاب من اتفاق المناخ. وبعد أن قام ترامب بكل ذلك أصبح عبئا على الدولة الأمريكية بغبائه وخبله. لكن ذلك لا يعني أن الدولة الأمريكية في عهد بايدن سوف تتراجع عن المكاسب التي حصدتها بفعل بلطجة ترامب وجنونه، بل ستبني عليها وبخاصة إزاء الصين والمنطقة العربية، ويمكن فقط أن تعود لاتفاقية المناخ بشروطها الحالية أو بشروط جديدة، وربما تحاول العودة للاتفاق النووي مع إيران مع تعديل بعض الشروط.
ولم ينفع ترامب التحسن في بعض المؤشرات الاقتصادية لأن فيروس كوفيد 19 الذي استهزأ به ولم يُعِد بلاده لمواجهته، قضى على التحسن الذي حدث في الاقتصاد الأمريكي نتيجة السياسات الحمائية لترامب، فالبطالة التي انخفضت إلى 3,7% من قوة العمل عام 2019 وهو أدنى مستوى لها في نصف قرن، ارتفعت إلى 8,9% عام 2020، والنمو الذي بلغ 2,2% عام 2019 أصبح ركودا بنسبة -4,3% عام 2020 في أفضل التقديرات، وتمويل مواجهة كوفيد 19 أدى لرفع إجمالي الدين العام من نحو 108,7% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي عام 2019 إلى مستوى قياسي غير مسبوق بلغ 131,2% من ذلك الناتج عام 2020 (IMF, World Economic Outlook, October 2020)، أي أن قيمة ذلك الدين تجاوزت 28 تريليون دولار أي ما يزيد على ثلاثة أمثال الديون الخارجية لكل الدول النامية والناهضة مجتمعة. وحتى تخفيض الضرائب الذي كان ترامب يتغنى به بصورة ديماجوجية فإنه كان لصالح الطبقة العليا بالأساس التي خفض الضرائب الفيدرالية عليها من 35% إلى 21%، وهو تخفيض سوف تتراجع عنه إدارة بايدن على الأرجح لأغراض تتعلق بالتوزن المالي وبتحسين توزيع الدخل المختل بصورة مروعة والذي يفاقم الاحتقانات الاجتماعية والعرقية بصورة تهدد استقرار الدولة الأمريكية.
وبعيدا عن الشأن الاقتصادي فإن كل ما فعله ترامب على مدار سنوات حكمه وبخاصة خلال الانتخابات الأخيرة قد عمق الانقسامات السياسية والاجتماعية داخل الولايات المتحدة وحطم هيبة نظامها السياسي وجعل إمكانية اندلاع صرعات أهلية أو حتى تفككها تبدو واردة لو أتي مخبول آخر ليكمل مسيرته في أي وقت، وهو أمر شديد الخطورة لمن يحب ولمن يكره الولايات المتحدة على حد سواء فنحن نتحدث عن أكبر قوة نووية على وجه الأرض، وأي اضطراب من هذا النوع الذي زرع بذوره ترامب يمكن أن يفضي لكوارث مروعة. وربما يتم جر ترامب للمحاكمة في العديد من القضايا في الفترة القادمة بناء على المخالفات التي ارتكبها.
أما الدول العربية فقد شهدت حالة من الاهتمام الجماهيري بالانتخابات بحكم تبعية غالبية النظم السياسية العربية للإمبراطورية الأمريكية وبالتالي تأثرها بأي تغيير في قيادتها. أما النظم نفسها فغالبيتها كان حصيفا وأخفى ما يضمره من انحياز لهذا المرشح أو ذاك، بينما تخلى البعض عن تلك الحصافة واندفع في تقديم الدعم الصريح لترامب بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بشكل قوي أثناء حملة الانتخابات الأمريكية حتى ولو على حساب العلاقات مع دول عربية، فضلا عن أنه طعنة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، بل قام هذا البعض (الإمارات) برعاية تطبيع دول عربية أخرى لعلاقتها مع ذلك الكيان الذي تأسس بالاغتصاب ويستمر بالعدوان. ورغم أن ذلك التطبيع قد شكل هدفا للجمهوريين والديموقراطيين على حد سواء، غلا ان توقيته كان محاولة صريحة لدعم ترامب. وربما يكلف ذلك دولة الإمارات الكثير في علاقتها بإدارة بايدن. وما لم يدركه هؤلاء العرب أن دعم ترامب بالتطبيع لا قيمة له في الانتخابات الأمريكية لأن الناخب الأمريكي يعنيه الشأن الداخلي والاقتصادي والمعيشي بالأساس. ولعل هزيمة كارتر رغم عقده لأول اتفاق تسوية بين نظام السادات في مصر والكيان الصهيوني بما فكك الجبهة العربية في مواجهة ذلك الكيان، وهزيمة بوش الأب رغم تدميره للقوة العراقية لصالح الكيان الصهيوني خير دليل على ذلك.
أما الدول العربية المتخوفة من حدوث ضغوط أمريكية بشأن الحريات وحقوق الإنسان في عهد بايدن ونائبته الأكثر تشددا في هذا الشأن، فإن تخوفها له ما يبرره رغم أن الولايات المتحدة تستخدم هذه القضية بصورة ابتزازية في الكثير من الأحيان لتحقيق أهداف أخرى في علاقتها مع الدول العربية. ولعل احتفاظ الولايات المتحدة في كل العهود الجمهورية والديموقراطية بعلاقات قوية مع نظم استبدادية وحتى فاشية في المنطقة والعالم طالما أنها تابعة للإمبراطورية الأمريكية خير دليل عملي على ذلك. لكن في كل الأحوال سوف تكون هناك مطالب أمريكية في هذا المجال وسوف يكون المسئولين المرتبطين بقضايا القتل خارج القانون مثل قضية خاشقجي غير مقبولين على الأرجح من الإدارة الأمريكية الجديدة، أو سيكون عليهم تقديم الكثير للإمبراطورية الأمريكية على حساب بلدانهم وشعوبهم كي يكون من الممكن قبولهم. والأفضل أن تقوم الدول العربية بإصلاحات ذاتية في مجال الحريات وحقوق الإنسان لمصلحة صورتها الاستقلالية ولمصلحة نفسها وشعوبها قبل أي شئ آخر.