أتراك وأجانب في قائمة الاستهداف.. عندما تكون السخرية من الرئيس أردوغان سببا للاعتقال
دويتشه فيله
“إنه مصاب بكورونا ويطلب منا الدعاء، نعم، سندعو، لا قلق، لقد بدأت بالفعل في إعداد 20 حَلّة من الحلاوة (الطحينية) وعندما ينتهي الأمر، سأوزعها في جميع أنحاء الحي”.
الجملة السابقة، نشرها السباح التركي السابق ديريا بويوكونسو على موقع تويتر، وهو الآن قيد التحقيق، وصدرت بالفعل مذكرة اعتقال له بتهمة إهانة الرئيس رجب طيب أردوغان. وقال المدعي العام المختص يوم الاثنين إن تغريدة السباح الأولمبي السابق بويوكونسو حول الحالة الصحية لأردوغان كانت إجرامية، فقد تمنى بشكل غير مباشر وفاة أردوغان.
لكن ما علاقة الحلاوة (الطحينية) الأناضولية بالموت؟ تُعد الحلاوة اللذيذة، التي تُصنع عادةً من الدقيق أو السميد، وتخلط بالزبد وتحلى بالعسل وتقدم مع الجوز بالكراميل أو بذور الصنوبر، جزءًا من كل احتفال في الأناضول تقريبا، بما في ذلك الجنازات.
هل الإشارة إلى صحة أردوغان إهانة للرئيس أم أنها تندرج في إطار حرية التعبير؟ الآن يتعين على محاكم أخرى التعامل مع هذا السؤال. لأنه منذ يوم السبت (الخامس من فبراير 2022)، منذ إعلان الرئيس التركي إصابته بكورونا، تلقى المدعون العامون المختصون بلاغات عديدة تتضمن تهما جنائية. فلم يكن الجميع يريدون الدعاء من أجل شفاء أردوغان، وقد أبدى بعض منتقديه بشكل علني شماتة بشأن إصابته بكورونا. والآن يجب أن يعاقبوا.
وبدأ التحقيق بشأن 36 حالة على الأقل، وفقًا للمدعين العامين المختصين في أنقرة وإسطنبول. وقد تم اعتقال أربعة أشخاص بالفعل، وتجري ملاحقة أربعة آخرين، من بينهم أيضا السباح الدولي السابق بويوكونسو.
ولا يتعين على السباح الأولمبي التركي السابق أن يعد نفسه للمحاكمة فقط، فمباشرة بعد تدوينته على تويتر، تم أيضًا إيقافه إلى الأبد من قبل جمعية السباحين الأتراك.
إهانة الرئيس: المادة رقم 299 الشهيرة
بحسب أرقام وزارة العدل التركية، فقد فتح في عام 2020 وحده 31297 تحقيقًا بخصوص إهانة الرئيس. وبذلك، بلغ عدد الدعاوى القضائية من هذا النوع 160169 دعوى منذ انتخاب أردوغان رئيساً عام 2014 وحتى نهاية عام 2020. وانتهى المطاف بــ 35507 منها في ساحات المحاكم. واضطر 38608 شخصًا للمثول للمحاكمة.
وبحسب يمان أكدنيز، أستاذ القانون في جامعة بيلغي، كان هناك إدانة وأحكام في 12881 قضية، وفي 11913 قضية، رأى القضاة أن المتهمين لن يرتكبوا جرائم في المستقبل، فقرروا أن تكون الأحكام مع وقف التنفيذ. وحُكم بالسجن على 3625 من المشتبه بهم المزعومين، وتمت تبرئة 5550 آخرين.
وفي مقابلة مع DW، أكد أكدنيز أن 106 من المتهمين كانوا تحت سن 18 عندما أدينوا، وقال أكدنيز حتى إن عشرة منهم حُكم عليهم بالسجن. ومن بين 106 مدانين ، قيل إن 24 منهم تتراوح أعمارهم بين 12 و 14 عامًا في الوقت المفترض للجريمة.
إهانة الرئيس هي جريمة جنائية في قانون العقوبات التركي قبل فترة طويلة من وجود أردوغان على رأس السلطة. لكن النائب غوليزار بايسر كاراكا من حزب الشعب الجمهوري المعارض، قال في تقرير له إن أيا من رؤساء الدولة السابقين لم يستخدمها كثيرا كما فعل أردوغان. ووفقًا لتحقيقات الحزب، كان هناك 38608 دعوى اتهام تحت قيادة أردوغان بحلول نهاية عام 2020. وخلال 21 عامًا كاملة في منصب أسلافه الثلاثة غول وسيزر وديميريل ، كان ذلك مجرد 1169 فقط.
السياسيون والفنانون والعلماء والطلاب وربات البيوت والباعة الجائلون والصحفيون – لا أحد بمنأى عن اتهامات إهانة الرئيس. المشكلة هي أنه هناك الكثير من الأشياء مكن تصنيفها على أنها إهانة.
قبل أسبوعين فقط، كان على الصحفية التلفزيونية المشهورة سيديف كاباش أن تمر بهذه التجربة. فبعد تصريحات انتقدت فيها الحكومة في برنامج تلفزيوني، تم القبض على المرأة البالغة من العمر 52 عامًا في عملية تمت في جنح الظلام. كاباش انتقدت في المقابلة حكومة حزب العدالة والتنمية لقمعها القاسي لأعضاء المعارضة وألقت باللوم عليها في الاستقطاب داخل المجتمع. واستشهدت بمثل شركسي، من دون تسمية شخص أو اسم، قائلة “عندما يدخل ثور أحد القصور، فإنه لا يصبح ملكا، لكن القصر يصبح حظيرة”. ومنذ ذلك الحين، تم احتجازها بتهمة إهانة الرئيس التركي. وبالنسبة لنشطاء حقوق الإنسان مثل يمان أكدنيز، فإن ما تُتهم به كاباش هو أمر عبثي وتم قطعه من خارج سياقه تمامًا ومنذ مدة طويلة لم يعد هناك فارق بين إذا ما كان النقد موضوعيا أم لا.
في مثال آخر حديث العهد، يشرح كيف يعمل “نظام التخويف” هذا، كما يسميه. في عام 2015، نشرت البوابة الإخبارية “Diken” مقالًا عن رسوم أردوغان الكاريكاتورية لفنانين ألمان. وكان رئيس التحرير في ذلك الوقت قد اتُهم بالفعل بإهانة الرئيس وتمت تبرئته. ومع ذلك، علم يوم الاثنين أن القضية ستفتح من جديد. ولا يرى قضاة الاستئناف فنًا في هذا. ففي الرسوم الكاريكاتورية، لم يظهر أردوغان وكأنه يحارب الإرهابيين، بل على العكس ، يظهر وكأنه يعمل معهم.
ومن وجهة نظر يمان أكدنيز، فإن هذا النهج هو مجرد نكاية لتخويف الناس وإسكات النقد السياسي الذكي. وفي رأيه، يجب على أي شخص يمارس السياسة أن يكون قادرًا على قبول النقد القاسي. وتابع أكدنيز أن أي شخص لا يتسامح مع هذا لا مكان له في السياسة. وهو يرى حرية التعبير في بلاده في خطر شديد؛ نتيجة تزايد مثل محاولات الترهيب تلك، واستنتاجه البحت هو “إما أن تظل صامتًا أو سيتم تقديمك إلى المحكمة”.
ألمان أيضا يواجهون اتهامات
لا يقتصر تركيز القضاء التركي على المواطنين الأتراك في تركيا، بل يتم استهداف الأتراك الألمان بشكل متزايد من السلطات الأمنية التركية بزعم إهانة الرئيس. وإما أن يتم منعهم بالفعل من دخول تركيا وإعادتهم مع حظر دخولهم، أو يتم القبض عليهم في تركيا بتهمة إهانة الرئيس، ومنعهم من مغادرة البلاد وعدم السماح لهم بالعودة إلى ألمانيا.
الذراع الطويلة للقضاء التركي امتدت أيضا إلى داخل ألمانيا. وكانت أكثر القضايا شهرة هي قضية المذيع الألماني الساخر يان بومرمان في عام 2016، حيث قدم محامو أردوغان شكوى ضده بتهمة إهانة الرئيس.
لكن حالات أخرى كثيرة دفعت وزارة الخارجية الألمانية إلى إصدار تحذير مفتوح للمسافرين إلى تركيا وقد جاء في تعليمات السفر الصادرة من الخارجية الألمانية: “هنا (إهانة الرئيس)، عوقب عليها عدة أشخاص فعلا بالسجن لعدة سنوات، جزء منهم كانت عقوبته السجن المؤبد المشدد. وحتى المنع من السفر يمكن أن يكون له عواقب مهددة لحياة الأشخاص الذين بؤرة حياتهم هي ألمانيا”.
الوضع حاليا أكثر تهديدا بالنسبة للسباح الأولمبي التركي السابق ديريا بويوكونسو. إذ يواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى أربع سنوات. وإذا ما وقعت الإهانة في أماكن عامة تزداد العقوبة. بعد الانتقادات الشديدة التي وجهها وزير الرياضة التركي إلى بويوكونسو، من المرجح أن يكون هذا هو الحال بالنسبة للسباح التركي السابق.