لدي حلم| احتجاجات أمريكا: صرخة أبناء “لوثر كينج” في مواجهة البطالة والعنصرية واستفزازات ترامب (لا نستطيع التنفس)

أكثر من ألف عملية قتل طوال العام الماضي.. 24% منها كان من نصيب الأمريكيين السود.. ومنذ 2013 لم يُحاكم ضابط شرطة

ليست أزمة 20 دولار .. الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها: 20 مليون طلب بطالة منذ بدء تفشي فيروس كورونا

العنصرية واستفزازات ترامب والأزمة الاقتصادية بسبب “كورونا” تزيد احتقان الاحتجاجات

كتب – أحمد سلامة

“أنا لدي حُلم بأنه في يوم ما سيعيش أطفالي الأربعة بين أمة لا يُحكم فيها على الفرد من لون بشرته، إنما مما تحويه شخصيته”.

في الثامن والعشرين من أغسطس عام 1963، وأمام نصب لينكولن التذكاري، وقف الناشط الحقوقي والسياسي الأمريكي مارتن لوثر كينج ليعبر عن أحلام أمة حُرمت المساواة وعانت العنصرية.

تاريخ من الصراع

لم يولد نضال لوثر كينج من العدم، كان نتاج ممارسات استعلائية رأت في سود البشرة طبقة أقل شأنًا من أن تقف على قدم المساواة مع “الرجل الأبيض”.

طوال قرنين، عانى “الأفارقة” من الرق بعد أن اختطفوا من بلادهم في إفريقيا، تاريخ طويل من الإهانة والتعذيب والعمل خدمًا في الحقول والمنازل حتى سقطت العبودية رسميا في عام 1865، لكن المعاناة استمرت.

في 2020، أثار مقتل مواطن أمريكي من أصول إفريقية على يد ضابط شرطة موجة من الاحتجاجات العارمة في الولايات المتحدة بل وامتدت لتشمل أجزاء أخرى من العالم، لكن جورج فلويد ليس أول أمريكي “أسود” يقتل أثناء توقيفه من قبل الشرطة، فسجل القتل على يد قوات الشرطة الأمريكية يزداد ثقلا مع سقوط ضحايا جدد في كل مناسبة، دون أن يطال العقاب الشرطيين المتورطين.

حالات مشابهة لواقعة “فلويد” هزت الولايات المتحدة خلال الأعوام الماضية، فما بين إطلاق رصاص وخنق سقط “الأفارقة” قتلى أمام زوجاتهم وأبنائهم، لكن الجميع ابتلع غضبه مضطرًا مرات ومرات، حتى وقع الانفجار.

“فلويد” لم يكن أكثر من القشة التي قصمت ظهر البعير، الأمر الذي دفع الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية إلى إطلاق حركة “توقفوا عن قتلنا” بعد أن أكدت إحصائيات أن أكثر من 1000 أمريكي لقوا مصرعهم على يد رجال الشرطة طوال العام الماضي 24% منهم من أصحاب البشرة السوداء.

“إنه جرح قديم لا يندمل”، هكذا قالت غوين كار والدة إيريك غارنر أحد الضحايا، مضيفة “إنهم يرعبوننا ويقتلون أطفالنا، نحن لم نفعل شيئا”.

تشير الإحصائيات كذلك، حسبما أكدت قناة “فرانس 24″، أنه طوال السنوات منذ عام 2013 وحتى 2019 لم تتم إدانة أي من رجال الشرطة من مرتكبي وقائع القتل، وهو ما ضاعف الغضب في الصدور.

ليست أزمة 20 دولار.. الاقتصاد متردي

محمود أبو ميالة، صاحب متجر للمواد الغذائية في مدينة مينابوليس، قال إن أحد موظفي المتجر اتصل بالشرطة بعد أن اكتشف أن فلويد يحاول تمرير ورقة 20 دولار أمريكي شك الموظف أنها مزورة، بحسب موقع «سكاي نيوز».

وإذا كانت الأزمة قد بدأت بـ 20 دولار، فإن تناميها وتفاقمها قد يكون له أسباب اقتصادية أخرى دفعت الآلاف إلى الخروج في الاحتجاجات ما حول بعضها إلى فوضى شهدت وقوع عمليات سرقات.

أثناء الحملة الإنتخابية للرئيس الحالي، قدم دونالد ترامب وعوده للناخب الأمريكي، مؤكدًا أنه سيشهد طفرة اقتصادية غير مسبوقة، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن.

خلال السنوات الأخيرة، عانت الولايات المتحدة من ارتفاع معدلات البطالة والتكاليف المعيشية، لكن ما زاد الأمور سوءًا خلال الآونة الأخيرة هو تفشي فيروس كورونا الذي حصد كثيرا من الأرواح وأسقط الكثيرين من الضحايا.

شبكة تلفزيون “بي بي سي” البريطانية قالت إن  5.2 مليون أمريكي جُدد سجلوا أنفسهم للحصول على إعانات البطالة في الأسبوع الماضي، في وقت ما زالت الأعمال والمصالح التجارية مغلقة، في ظل الإغلاق الناجم عن تفشي فيروس كورونا.

وأضافت أنه بذلك يرتفع عدد الطلبات على إعانات البطالة التي قدمت إلى وزارة العمل الأمريكية خلال الأسابيع الأربعة الماضية إلى أكثر من 20 مليون طلب.

ويعادل هذا الرقم تقريبا عدد الوظائف التي أضافها أرباب العمل على مدى العقد الماضي، بما فيها ما تمكن ترامب من توفيره عبر إجراء تعاقدات لصفقات سلاح مع دول أخرى.

الأزمة الاقتصادية جاءت في الوقت الذي يتجاوز فيه عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا 629 ألف إصابة.

ارتفاع معدلات البطالة شكل انتكاسة كبيرة لأكبر اقتصاد في العالم، حيث كان معدل البطالة يقارب نحو 3.5 %. ويتوقع خبراء الاقتصاد الآن أن يكون هذا المعدل قد بلغ 20 %.

العديد من خبراء الاقتصاد حذروا من أن هذه الأرقام المرتفعة سوف تستمر، حيث يتوقع باحثو مصرف غولدمان ساكس تقديم نحو 37 مليون طلب بحلول نهاية مايو المقبل.

مارك هامريك، كبير المحللين الاقتصاديين في”Bankrate.com” قال إنه “يتم تحطيم الأرقام القياسية ذات اليمين وذات اليسار فيما يتعلق بعمق واتساع الانكماش الحالي”.

ويضيف “مع عدم وجود نهاية فورية في الأفق للجهود الرامية لاحتواء انتشار الفيروس وتأثيره، فإنه من المستحيل أن نرى صعودًا على المدى القريب في آفاق التوظيف”.

وقالت سلسلة متاجر الإلكترونيات “بيست باي” هذا الأسبوع إنها سوف تعطي إجازة لأكثر من 50 ألف موظف، في حين أعلنت شركة العبارات “رويال كاريبيان كروزس” أنها ستقلص أو تُعلق حوالي ربع قوتها العاملة في الولايات المتحدة.

ويتزامن ذلك مع انخفاض مبيعات التجزئة بنسبة قياسية بلغت 8.7 %، في حين انخفض الإنتاج الصناعي لأقصى درجة منذ 74 عاما.

استفزازات ترامب تشحن الجماهير

لم يتمكن وصول باراك حسين أوباما إلى البيت الأبيض من تحقيق “طفرة مستقرة” في أوضاع الأمريكين من ذوي الأصول الإفريقية، كانت النجاحات نسبية سرعان ما تراجعت مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة.

تعالي ترامب، تصريحاته وتدويناته التي وصفها البعض بـ”المستفزة”، كانت سببًا في تنامي الأزمة وتصاعد الاحتجاجات، وعمّقت مشاعر العدائية.

فيلونيس فلويد، شقيق جورج فلويد، كشف عن محادثة أجراها معه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووصفها بأنها كانت “سريعة للغاية”.

وفي حديثه إلى قناة “ام اس ان بي سي” قال فيلونيس فلويد: “لم يمنحني ترامب فرصة حتى للتحدث.. كان الأمر صعبًا. كنت أحاول التحدث إليه، لكنه استمر في دفعي بعبارات مثل “لا أريد سماع ما تتحدث عنه”

وتابع: “لقد أخبرته.. أريد العدالة.. قلت إنني لا أستطيع أن أصدق أنهم  نفذوا إعدامًا في وضح النهار” في إشارة إلى رجال الشرطة.

مع اتساع دائرة التظاهرات، خرج ترامب ليصف ما يحدث بأنه مؤامرة خارجية، تارة يلقي باللائمة على الصين وتارة يوسع دائرة الاتهامات لتشمل “اليسار” كله، وتارة أخرى يؤكد أنه في حرب ضد الإرهاب.. لكن الأكثر استفزازا هو “الشكر” الذي وجهه ترامب لـ”نفسه” وتباهيه بتنفيذ حملات اعتقالات واسعة.

الرئيس الأمريكي، أشاد في سلسلة تدوينات بالإجراءات التي تم اتخاذها من قِبله وإدارته للتعامل مع احتجاجات في العاصمة واشنطن، معتبرًا أن قوات الأمن أثبتت “هيمنتها”.

وقال ترامب، في تغريدة “دائرة كولومبيا لم تواجه أي مشاكل الليلة الماضية. تم تنفيذ عدد كبير من الاعتقالات. وجرى إنجاز عمل عظيم من قبل الجميع”.

ترامب، أضاف: “القوة الساحقة. الهيمنة. مينيابوليس كذلك تصرفت بطريقة ممتازة (شكرا لك الرئيس ترامب!)”.

النرجسية المفرطة، والتظاهر الدائم بالشجاعة، لم يمنع تداول الأخبار التي أكدت أن ترامب نُقل إلى قبو البيت الأبيض المُحصن (مركز عمليات الطوارئ)، وذلك مع تجمع المتظاهرين خارج البيت الأبيض.

وحسب “سي إن إن” كشف مسؤول بالبيت الأبيض ومصدر أمني أنه تم “نقل الرئيس ترامب لفترة وجيزة إلى مخبأ تحت الأرض بالبيت الأبيض لفترة من الوقت، الجمعة الماضية”، وأضافا أنه “مكث في المخبأ لمدة أقل من ساعة قبل أن يصعد للأعلى مجددا”.

وقال المصدر الأمني ومصدر آخر مُطلع على الحدث إن زوج الرئيس ميلانيا ترامب وابنهما بارون تم نقلهما إلى المخبأ أيضا، وأوضح المصدر الأمني أنه إذا قامت السلطات بنقل ترامب، فسوف تنقل جميع الأشخاص المحميين، بحسب البروتوكول، وهذا يعني ميلانيا وبارون.

وقال مصدر آخر إنه “إذا تم رفع الحالة في البيت الأبيض إلى الدرجة الحمراء، وتم نقل الرئيس إلى مركز عمليات الطوارئ أسفل الجناح الشرقي بالبيت الأبيض، فإن ميلانيا ترامب وبارون، وأي أقارب غيرهم من الدرجة الأولى سوف يتم نقلهم أيضا”.

ترامب حاول تدارك ما تم نقله من معلومات، فقام بزيارة إلى إيبارشية واشنطن الأسقفية التي احترقت أجزاء منها خلال التظاهرات، وشوهد الرئيس وهو يرفع الإنجيل استعدادا لإلقاء خطاب.

إلا أن الأسقفة ماريان إدجار بودي –أييارشية واشنطن الأسقفية- صرحت بأنها غاضبة بعد أن زار ترامب كنيستها دون إشعار مسبق لتبادل رسالة معادية لتعاليم يسوع، وأضافت لقد أخذ رموزاً مقدسة –الكتاب المقدس- لتقليدنا ووقف أمام منزل الصلاة متوقعاً تماماً أنها ستكون لحظة احتفالية، لم يكن هناك شيء أفعله سوى التنديد بذلك.

واكدت ماريان أن ترامب حضر للكنسية بعدما هدد باستخدام القوة العسكرية. مشيرة إلى إن الرئيس استخدم الإنجيل، وهو النص الأكثر قدسية في المسيحية، واستخدم إحدى كنائس إيبارشياتنا دون حتى أن يطلب منا ذلك، كخلفية لرسالة معادية لتعاليم يسوع وكل شىء تقف كنيستنا للدفاع عنه.

رسائل ضد العنصرية.. ورغبة في التغيير

“لا أستطيع التنفس”.. الكلمة الأخيرة لـ “فلويد”، لم تعد كلمات شخصية قالها رجل قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، بل أوشكت أن تتحول إلى أيقونة، وصارت شعارا للتظاهرة التي خرجت رافعة لافتات دونت عليها الكلمة الأشهر في العالم حاليا.

عدد من المنظمات بينها حملة توقيعات دولية على موقع “آفاز” وقع عليها ما يقرب من مليون شخص حول العالم دعت لتخليد هذه الكلمات وتحويلها لرسالة عالمية ضد العنصرية نشيد إنهاء القتل وتكريم الضحايا الذين فقدناهم سابقاً.

كما أطلق ناشطون حملة توقيعات على رسالة مفتوحة للمطالبة بوقف الجرائم العنصرية، وقع عليها ما يزيد عن مليون شخص من مختلف أنحاء العالم، طالبت الرسالة بالتحرك فورًا، ومساءلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحكومات الولايات والحكومات المحلية الأمريكية عن ضمان مواجهة جميع الضباط المتورطين في مقتل جورج فلويد للإجراءات القانونية اللازمة.

كما دعت الرسالة لطرد ومحاكمة عناصر الشرطة عند استخدامهم القوة المفرطة ولو لمرة واحدة، أو لعدم تدخلهم إن كانوا شاهدين على استخدام للقوة المفرطة، وضمان إجراء تحقيق مستقل وشفاف عند كل عملية قتل بيد عناصر الشرطة.

وأوضحت الرسالة أن هذه الحادثة قد تمر مثل سابقاتها من حوادث الموت التراجيدي على أيدي عناصر شرطة الولايات المتحدة، لكن هناك قدرة على تحويلها إلى شرارة تعلن بدء المسير نحو التغيير، مضيفا: “نحن حراك مؤلف من ٦٠ مليون شخص، حينما نصرخ بصوت واحد، سيمسع صوتنا من به صمم من المسؤولين، لذا، دعونا نرفع الصوت عالياً مع جميع من يطالب بإنهاء جرائم القتل العنصرية ودفع المسؤولين نحو التحرك”.

كما تعهدت بنشر الرسالة في كبريات الصحف والمواقع الإخبارية في الولايات المتحدة والعالم. فلنجعل منها نشيد إنهاء القتل وتكريم الضحايا الذين فقدناهم سابقاً، مع “مواجهة الخوف والغضب والجهل والعنصرية بالأمل والحب والقوة والإيمان بالإنسانية”.

وجاء في الرسالة المفتوحة: “نحن مفجعون جراء مقتل شخص جديد على أيدي أفراد شرطة الولايات المتحدة. ونعلن تضامننا مع جميع المتألمين، يجب أن تتوقف عمليات القتل الوحشية، فكل جريمة هي جرح جديد في قلب الإنسانية ووصمة عار لن تمحى عن علم الولايات المتحدة”.

ولفتت إلى أن “الصمت يساهم في تفشي العنصرية، لكننا لن نصمت بعد الآن، فمواجهة العنصرية مسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً، ولن نتخلى عن هذه المسؤولية، كما لن نسمح للكراهية بتوجيه معركتنا ضد العنصرية، وإلا لن نكون أكثر حكمة من أولئك الذين نسعى لتغيير قلوبهم. بكلمات الدكتور مارتن لوثر كينج: “لا يمكن طرد الظلام بالظلام، وحده الضوء يمكنه فعل ذلك ولا يمكن للكراهية أن تطرد الكراهية، وحده الحب يمكنه فعل أن ذلك”.

“لديّ حلمٌ اليوم. لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام سوف يُرفع كلُّ وادٍ، وتُخفضُ كلُّ الجبال والتلال، وتُسوّى الأراضي غير المستوية، وتُقوّمُ الطرق المعوجّة، ويظهر مجد الرب حيث يراه كل البشر معًا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *