عن الراحل الكبير هاني شكر الله.. مناضل “بالأحمر” قاوم التلسط والاستبداد ونصح أبناء يناير بالتنظيم: سننتصر

كتب – أحمد سلامة

“الثورة الفرنسية فشلت بدلاً من المرة ثلاث مرات، الثورة البلشفية فشلت في نهاية المطاف بسبب أخطائها هي نفسها، انتهاء بالثورة المضادة على أيدي ستالين، الثورة الألمانية فشلت وقتلت قيادتها وصولا بالثورة المضادة للنازية (ولعل التشابه لا يفوتنا).


الثورات الشعبية تفشل أكثر كثيرا مما تنتصر، ولكنها تبقى المحرك الأساسي للتاريخ البشري، والمهم هو التعلم.
على مشارف السبعين من عمري، أعرف أنه لن يكتب لي عيش ثورة ناجحة، ولكني واثق تمام الثقة أنها آتية، لا في مصر وحدها ولكن في العالم كله، وليس عن إيمان بحتمية تاريخية ما، ولكن عن قناعة عميقة بأن الرغبة المتأصلة في النفس البشرية
في الحرية والعدالة يستحيل محوها. سننتصر!”

هذا كان رأي الصحفي والمفكر السياسي هاني شكر الله، الذي تحل اليوم الذكرى السنوية الأولى لرحيله، بعد أن غيبه الموت في 5 مايو 2019 عن عمر ناهز 69 عاما، وبعد رحلة عطاء طويلة تخرج فيها من تحت يده العديد من التلاميذ الذين تأثروا بفكره ومنهجه وفلسفته التحليلية.

في 13 يونيو عام 1950، بمحافظة القاهرة، ولد هاني شكر الله، وتخرج من جامعة القاهرة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الذي كان أحد رموز الحركة الطلابية إبان فترة حكم الرئيس الراحل، محمد أنور السادات، فشارك في مظاهرات خلال عامي 1972 و 1973، للمُطالبة بتحرير سيناء وكافة الأراضي العربية من الاحتلال الإسرائيلي، لذلك فقد تعقبته السلطات آنذاك، فطاردته كما طاردت أحمد فؤاد نجم، وسهام نصر، وكمال خليل، وأحمد عبد الله رزة، وغيرهم من رموز الحركة الطلابية المصرية في هذا الوقت.

شكلت فترة السبعينات من القرن الماضي، بما شهدته من زخم، التكوين الفكري لهاني شكر الله، فانضم إلى الحركة الطلابية الشيوعية المصرية، عاصر تجاربها وأصبح أحد رموزها ثم تحول إلى قيادة يقتدي بها الصحفيين والنشطاء من الأجيال التي تلته.

“أول مظاهرة طلعتها في حياتي كانت سنة 64، كنت لسه ماتمتش 14 سنة، كنت في أولى ثانوي في مدرسة النقراشي النموذجية اللي هي كانت جنب مبنى المخابرات.. وقتها عبدالناصر عمل خطاب قال فيه إنه مش هيعيد ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، فخرجنا في مظاهرات عارمة”.

هكذا قال هاني شكر الله عن أول مظاهرة شارك فيها في حياته، نشأته في بيت يُحب عبدالناصر كان لها تأثير كبير، وفق ما أكد، لكن على قدر الحُب كان الانكسار عقب النكسة “كنا في أوتاوا في كندا، أبويا كان ماسك مكتب الجامعة العربية هناك، اتجمعنا في بيت السفير المصري نسمع خطبة استقالة عبدالناصر، أنا فاكر اليوم دا كويس جدًا، لغاية ساعتها كنا مش مصدقين إن إحنا اتهزمنا، مش مصدقين”.

ورغم الهزيمة ورغم مرارتها، إلا أن تواجد شكر الله وسط مجتمع يُعادي العرب -وبصفة خاصة عبدالناصر- وأجواء يسيطر على قسط كبير منها تنظيمات الصهاينة، دفعته إلى إعلان التمسك -مع الجالية العربية- بجمال عبدالناصر رغم النكسة باعتباره أحد رموز القومية العربية والمقاوم الأبرز للصهيونية العالمية، ويصب انتقاداته الجمّة على الإمبريالية.. لكن هذا هو ما دفعه للتحول إلى الماركسية.

“كان عندي أستاذ تاريخ اسمه تِد بوزيلوف، بلغاري، شافني قاعد اتكلم على الإمبريالية، ففي درس من الدروس قالي (أنا عندي كتاب لك)، وأعطاني كتاب (الإمبرالية أعلى مراحل الرأسمالية) لـ لينين، ثم اتضح أنه كان ماركسي بس هرب من الستالينية واتعذب على بال ما قدر يوصل لكندا، فأنا قرأت الكتاب -وطبعا مفهمتش تلات تربعه- بس خلصت الكتاب واعتبرت نفسي ماركسي، أعلنت كده نفسي ماركسي”.

النكسة كانت اللحظة الفاصلة في حياته، تمرد على جمال عبدالناصر، حسبما قال في أحد حواراته قبيل وفاته، وبدأ القراءة بشكل مكثف وبدأ ينشط في حركات.. ثم ينشط في حركة التضامن مع الثورة الفلسطينية عام 1968، فقام بتنظيم مؤتمر كبير للتضامن مع الثورة الفلسطينية ودعا له كل المنتمين لليسار بأمريكا الشمالية بالإضافة إلى “الفهود السود” الذين كان من بينهم مالكوم إكس.

بعد عودته إلى مصر عمل مراسلا في “ميدل إيست ماجازين”، ثم “ميدل إيست ميرور”، وبدأ من حينها التدرج في العمل الصحفي، تدرج في مناصب صحفية عديدة، ففي 1991، عُين رئيس تحرير لجريدة “الأهرام ويكلي”، الصادرة باللغة الإنجليزية، كما بدأ في 1995، في كتابة عمود بها تحت عنوان “تأملات”، وكذلك عمل ككاتب مُشارك في مجلة “الكتب وجهات نظر” الصادرة عن دار الشروق.

وكان أحد رواد تجربة صحيفة “الشروق” اليومية، حيث ساهم في تأسيس أقسامها، ورسم الملامح الأساسية لسياستها التحريرية، إلى أن كُشف عنها الستار، في فبراير 2009، وأصبح عضوًا بمجلس تحريرها إلى جانب كُتَّاب لهم ثقلهم على الساحة الإعلامية حينها، مثل: سلامة أحمد سلامة، وجميل مطر، وحسن المستكاوي، بالإضافة إلى عبد العظيم حماد، وعمرو خفاجي، الذي تولى رئاسة التحرير فيما بعد.

ومن العلامات الفارقة في التاريخ الصحفي لهاني شُكر الله، تأسيسه لموقع “الأهرام أون لاين”، التابع لمؤسسة “الأهرام”، والصادر باللغة الإنجليزية، عام 2010، والذي استمر في رئاسة تحريره حتى عام 2013، وفي هذا الموقع، التف حوله مجموعة من التلاميذ والأصدقاء٬ منهم فؤاد منصور وأميرة هويدي وسلمى حسين ودينا سمك، إذ رأى هؤلاء في “شُكر الله” إلهامًا، بينما رأى هو فيهم أملًا وطاقة.

“بالأحمر”، كانت آخر مشاريع “شُكر الله” الصحفية، وهو الموقع ذو التوجه اليساري الصريح، الذي كان يعنى بطرح خطاب يساري حول المسائل السياسية والاجتماعية في مصر، دون أن يتحول إلى نموذج للصحافة العقائدية الرثة، بل كان يسعى إلى تقديم مادة صحفية رصينة تنتمي إلى مظلة فكرية عنوانها واضح، وهدفها ليس التبشير وإنما التنوير، لكن تم حجب هذا الموقع، في يوليو 2017.

كان “شُكر الله” مدافعًا دائمًا عن الحرية، وكثيرًا ما دفع ثمن المواقف التي اتخذها في سبيل الدفاع عنها، ففي عام 2005، أثناء الانتخابات البرلمانية المُثيرة للجدل في عهد الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، كان حينها يشغل رئاسة تحرير “الأهرام ويكلي”، ونشر “ويكيلي” آنذاك مقالًا بعنوان “المعركة لحظة بلحظة”، ليتلقى “هاني” بعد نشر هذا المقال، على الفور، مكالمة هاتفية من رئيس “الأهرام”، تُفيد بفصله من منصبه.

عن تلك الواقعة يقول شُكر الله: “تم فصلي مرتين من عملي هناك، أول مرة كانت في عام 2005 على يد مخابرات مبارك، وكنت أصر دائمًا على أن ننشر مقالات حول موضوعات مثل حقوق الإنسان والقمع، حتى إن لم تجد مثل هذه المقالات لها مكانًا على صفحات الجريدة الأم، والمرة الثانيةجاءت عام 2013، خلال فترة حكم الرئيس السابق، محمد مرسي، حينما أُجبِر على الاستقالة من موقع (الأهرام أون لاين)، في شهر فبراير 2013، وقام النظام الحاكم حينها، بتغيير هيئة تحرير الموقع تغييرًا جذريًا”.

كانت لـ”شكر الله” مواقف ثابتة مُعارضة للسُلطوية، ومُناضلة من أجل الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة وحرية الإعلام والتنظيم والعمل السياسي، إذ اتخذ من كلماته منفذًا يعبر من خلاله عن هذه الأفكار بانتظام في مقالات وتحليلات نُشرت في أهم الصحف المصرية والعربية والأجنبية.

في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، انضم هاني شُكر الله إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لكنه ترك الحزب في وقت لاحق، وعندما تنحى الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، وكُلِف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحكم البلاد، انتقد “شُكر الله” هذه القيادة العسكرية، كما انتقد جماعة الإخوان المسلمين.

ترك هاني شكر الله، العديد من المتأثرين ببمنهجه، ما حول صفحته على موقع التواصل الاجتماعي إلى دفتر عزاء وذكريات في حب هذا الرجل، ربما كانت أفكاره هي السبب وربما كان التحامه بهم هو السبب، لكن الذي لا شك فيه أن كثير من “أبناء يناير” على وجه التحديد تأثروا به، وقد يكون هو أيضا تأثر بهم فقد لفت انتباههم في آخر حوار أجراه إلى الفارق الجوهري الوحيد بين حركة السبعينات وثورة يناير حين قال “الفرق بين جيلنا وجيل ثورة يناير إن إحنا كان موضوع التنظيم في مقدمة اهتماماتنا، التنظيم الجماهيري، خلق بدائل شعبية للهيمنة.. كانت تلك نصيحته الأخيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *