ضحايا لم يصبهم الفيروس.. مصطفى “شيف السائحين” الذي أكل كورونا زبائنه ففقد باب رزقه

لست وحدي من يمر بهذه المعاناة الآن بل جميع العاملين في السياحة الفيروس “قطع أرزاق الجميع”

رجعت بلدي والفلوس اللي معايا قربت تخلص ومفيش حاجة أصرف بيها على أولادي وأسرتي مفيش تأمين ولا معاش

محمود هاشم

لم يكن مصطفى إبراهيم “الشيف” في أحد المنتجعات بالجونة، الذي اعتاد إعداد أشهى الأطعمة لزبائنه السائحين من جميع بلدان العالم، يعلم أنه سيأتي عليه اليوم الذي لن يجد فيه حتى ما يطعم به نفسه، بعدما أخذ فيروس كورونا زبائنه الذين عادوا إلى بلادهم بعد إجراءات دولهم لمنع السفر، وانتهى به المطاف للعودة لبلده بعد أن قرر صاحب العمل تسريحهم هو وجميع الطاقم الذي يعمل معه حت نهاية الأزمة.

مصطفى، الذي يعيش في إحدى قرى محافظة قنا، مثال على الكثير من الحكايات التي تستحق أن تروى عن الضحايا الذين أصابهم الفيروس في أرزاقهم دون أن يدخل أجسادهم، خاصة مع عمله في المجال الأكثر تضررا بتداعيات الفيروس حتى الآن.

فور حصوله على الدبلوم التجاري، قرر العمل لمساعدة والده في تكاليف أسرته التي يزيد عددها عن 8 أفراد: “الواحد مش بينسى أن أهله تعبوا عليه لحد ما بقى راجل يعتمد على نفسه، علشان كده قررت أريحهم وأشتغل أي حاجة تيجي في طريقي، بدأت مع العمالة في قرية سياحية في الغردقة، أي حاجة شغلانة شريفة تجيب فلوس”.

ويحكي لـ”درب”: “المعاملة كانت مش زي الناس، في الشغل كنت باكل على غطا علبه دهان، كل يوم أغسله وأشيله لليوم التاني، لغاية ما لفيت شيف هو المسوؤل عن التعيين بتاع العمال (الطعام) لقيت اللي بيديه للعامل ميشبعش طفل صغير، ومن يومها قررت أشتغل شيف وأشق طريقي في المجال”.

وتابع: “أشتغلت بالفعل في الجونة في محافظة البحر الأحمر، بدأت ستيوار (عامل غسل أطباق) كوسيلة تدخلني المطبخ، كنت أغسل الأطباق وأنضف الأرضية وعيني على إيد الشيف أتعلم أي حاجة بيعملها، اللي يسمع عن شغلانتنا يعرف أن أننا بنقضي نص اليوم في الشغل والنص التاني نايمين من التعب”.

واصل مصطفى العمل إلى أن أصبح مساعد شيف، بعد 6 أشهر من وجوده داخل المطبخ، بعدها بقليل ترقى ليصبح شيف، حينها أحس أن جميع أحلامه تحققت بارتدائه الجاكت الأبيض، لم يكتمل حلمه إلى نهايته، بعد طلبه للتجنيد، لقضي سنتين في الخدمة داخل الجيش، ويخرج لتكون وقعت ثورة 25 يناير.

لم يجد الشاب الصعيدي فرصته السابقة في انتظاره، فعاد للانضمام للعمالة غير المنتظمة، إلى أن وجده فرصته في أحد المنتجعات بالجونة ومججدا، وهو المكان الذي يعمل به حتى الآن، لكن دون أي تأمين وظيفي: “قلت أصبر وأشتغل، وبعدين أتكلم عن أي ضمان وظيفي، وكملت لحد ما وصلت كورونا مصر ووقفت البلد، ومشونا من شغل السياحة”.

مع بداية الأزمة في مطلع شهر مارس، طلب المالك من جميع الطاقم العمل مقابل نصف مرتب، بعدها قرر تقليص المرتبات مجددا، بحيث يحصل الشيف على 100 جنيه يوميا، على أن يتكفل بمصاريفه اليومية وإيجار سكنه، فيما يحصل أي عامل آخر على 50 جنيها يوميا طوال الشهر، بعدها قرر أن تكون المستحقات مقابل العمل باليومية.

“كان السائحون حينها، ومعظمهم من ألمانيا وفرنسا وبولندا، يتعاملون معنا ومع أنفسهم بحذر شديد، كانوا يحيون بعضهم بالسلام بالكوع، بعدها أوقفوا التحية نهائيا، كثير منهم كانوا يريدون الاستمرار في مصر لمدة أطول، لكنهم قطعوا مواعيد سفرهم للعودة في أقرب وقت تخوفا من عدم استطاعتهم الرجع لبلادهم في الفترة القريبة، مع إعلان إغلاق الطيران المصري.

وفور ورود أنباء عن وجود مصابين بالفيروس داخل باخرة في الأقصر وأسوان، طلب صاحب المكان من العاملين لديه من أبناء المحافظتين عدم الحضور مجددا، وطلب من الآخرين الموجودين لديه عدم العودة إلى أسرهم حال رغبتهم في الاستمرار بالعمل لديه، حتى لم يتبق سواه وزوجته، وثلاثة آخرون هم مصطفى، وعامل على البار، وآخر في خدمات الشاطيء، وهو مضطر لذلك فليس هناك زبائن يغطون حتى المصاريف اليومية للمكان، التي من شأنها الحفاظ عليه إلى حين عدوة السياحة وتحسن الأوضاع، الفيروس عصف بأرزاق الجميع.

“الجونة كلها مقفولة، محدش بيدخلها ومحدش بيطلع منها، مفيش غير الأجانب اللي مقيمين هناك، وعربيات الأكل والخضروات اللي بتبيع حمولتها للمكان من برة البوابات”.

لست وحدي من يمر بهذه المعاناة الآن، بل جميع العاملين في مجال السياحة، الفيروس “قطع أرزاق الجميع”، وأصحاب المنتجعات والشاليهات وجدوها فرصة للتخلص من العمالة الزائدة لديهم، أو على أقل تقدير تقليص المرتبات دون أي اعتراضات من العاملين.

عاد مصطفى إلى قريته بعد تدهور الأوضاع في البحر الأحمر، إلا أنه كان خالي الوفاض على غير العادة، لا يعلم متى ينتهي هذا الوضع المأساوي أو حتى كيف يستطيع التعامل معه: “الفلوس اللي معايا قربت تخلص، ومفيش حاجة أصرف بيها على أولادي وأسرتي، مفيش تأمين ولا معاش، والحاجات بعد موضوع الفيروس غليت بزيادة”.

وينتظر الشاب الثلاثيني أي انفراجة في قطاع السياحة حال تحسن الأوضاع في المستقبل القريب، للعودة إلى عمله الذي تركه للمرة الثالثة لظروف خارجة عن إرادته، أو حتى وسيلة أخرى يتكسب منها رزقا ولو بسيطا يعينه على تكاليف معيشته وأسرته: “الناس اللي زينا عايشين طول حياتهم على باب الله، مفيش كتالوج للزرق، لكن بنقول دايما ربنا يفرجها عليها ويحسن الأحوال علشان خاطر عيالنا من علشان خاطرنا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *