شيماء حمدي تكتب: من أجل بيئة عمل آمنة وعادلة للصحفيات
خلال السنوات القليلة الماضية تعالت أصوات الصحفيات مطالبات ببيئة عمل آمنة لهن بعدما تزايدت وقائع واتهامات التحرش الجنسي، التي أجبرت بعضهن على ترك العمل. تلك الوقائع التي ظهرت على فترات متباعدة بشهادات متنوعة من داخل مؤسسات صحفية الخاص منها والحكومي.
لكن مع الأسف ورغم تواتر الوقائع إلا أن الصحفيات وحدهن من دفع الثمن، حيث وصل الأمر إلى الفصل التعسفي كعقاب لاستخدام الناجية حق الرفض والشكوى، وخوفا من تكرار الأمر، وخصوصا أن المتحرش لازال يتمتع بحقه في الحياة والعمل، وأن الناجية وحدها من دفعت الثمن، فضل أخريات الكتمان، حتى لا يفقدن أماكنهن الوظيفية، رغم ظروف العمل غير الآمنة ولا العادلة.
لكن الصمت كان لا يمكن أن يستمر كثيرا، وكان لابد من يوم تزول فيه الستائر عن تلك الانتهاكات التي تحدث في حق النساء داخل مؤسسات العمل الصحفي. أقصد بالانتهاكات هنا كل ما تتعرض له النساء من تحرش جنسي، اغتصاب، والعروض الجنسية التي يقابلها المساومة والابتزاز والتهديد من قبل الرؤساء، أو التعنيف والتمييز في المناصب وغيرها من الانتهاكات.
عادت الموجة الغاضبة ترتفع مرة أخرى، لكن هذه المرة لم تكن كما سبق، فقد خرجت للنور شهادات تصف ببساطة ما آلت إليه المؤسسات الصحفية، وصحفيين ذوي شهرة ونفوذ داخل تلك المؤسسات. شهادات تؤكد أن سنوات الكتمان كان ثمنها غالي جدا، وأن المؤسسات الصحفية أصبحت مكان خطر على النساء.
” بيئة عمل آمنة للصحفيات”، هو الشعار الذي رفعته مجموعة من الصحفيات اللاتي قررن أن يكون هناك حد لتلك الانتهاكات والوقائع، فحملتهن تستهدف خلق بيئة عمل تحترم النساء وأجسادهن، تحترم القوانين والمواثيق الدولية، تحترم شرف المهنة وقدسيتها، التي من المفترض أن تكون قبلة الموجوعين والمتضررين، لا أن تكون هي ساحة لدهس النساء واستباحة أجسادهن.
وفي حقيقة الأمر لا يمكن إلقاء اللوم على المؤسسات الصحفية التي أصبحت مرتع لتلك الانتهاكات، دون لوم نقابة الصحفيين التي وقفت في موقع المتفرج دون اتخاذ خطوات جادة وفعالة لحماية نساء المهنة والحد من تلك الانتهاكات.
ولن أكون مجحفة حينما أقول أن نقابة الصحفيين ساهمت بطريقة غير مباشرة في استمرار بعض الانتهاكات التي تتعرض لها النساء داخل المؤسسات الصحفية، وذلك من خلال الشروط التعسفية التي لازالت تطبقها لحصول الصحفيات على القيد داخل النقابة. وما كان له من أثر في خوفهن من ترك أماكنهم في العمل إذا باحت إحداهن بما تتعرض له.
ناهيك عن ترك المؤسسات الصحفية دون إجبارهم على تحرير عقود للمتدربات بعد 6 أشهر من التدريب وفقا لقرارات الجمعية العمومية، ما يجعل المتدربات يقعن تحت طائلة الاستغلال والمساومة.
ونحن نتحدث عن نقابة الصحفيين لا يمكن الإغفال بما نص عليه ميثاق المهنة، حيث نصت المادة 6 من الميثاق على “أن شرف المهنة وآدابها أمانة في عنق الصحفيين”. كما نصت المادة ال7 من الميثاق:” أن تضع النقابة ضمن أولوياتها العمل على مراعاة الالتزام بتقاليد المهنة وآدابها ومبادئها وإعمال ميثاق الشرف الصحفي ومحاسبة الخارجين عليه طبقا للإجراءات المحددة المنصوص عليها في قانون النقابة”.
واليوم قبل غدا أصبحنا في حاجة ملحة لتصحيح مسار المؤسسات الصحفية، وإنقاذ المهنة من هؤلاء الذين ضربوا بكل مبادئها عرض الحائط، فقد أصبح شعار الحملة المذكورة هدفا ينبغي على الجميع تحقيقه، وهذا لم ولن يحدث إلا بعد مجموعة من آليات لابد أن يأخذ بها في الحسبان، وعلى النقابة أن تبدأ بنفسها فأصبح انشاء لجنة للمرآه يخول لها استقبال الشكاوى الواردة من الصحفيات والتحقق منها، أمر لايمكن التغاضي عنه ولا تأخيره أكثر من ذلك.
بالإضافة إلى ضرورة إقرار كوتة للصحفيات، تساهم في تمكين عددا من منهن للصعود لمجلس النقابة، حيث أصبحت السلطة الذكورية هي المهيمنة فلا يغفل على أحد أن مجلس نقابة الصحفيين جميعهم ذكور ولا وجود لمرآة واحدة ، كما لا يغفل على أحد أنه خلال السنوات الطويلة الماضية لم تستطع الصحفيات الحصول سوى على مقعد أو أثنين على أكثر تقدير.
وعلى مستوى المؤسسات الصحفية، اليوم قبل الغد ايضاً أصبح هناك ضرورة ملحة في إقرار ورقة سياسات لمناهضة العنف ضد النساء داخل جميع المؤسسات الصحفية تتضمن تلك الورقة العقوبات المتبعة في حال إثبات ارتكاب أي من العاملين داخل المؤسسة واقعة تحرش أو انتهاك.
إلى جانب تدريب جميع العاملين والعاملات داخل المؤسسات الصحفية على كل ما يخص التحرش الجنسي وآليات مواجهته. كما يقع على المؤسسات الصحفية إقرار لائحة داخلية لضبط أداء العمل بين العاملين داخل المؤسسات الصحفية.
كما يجب على المؤسسات الصحفية أن تراعي في توزيع المناصب القيادية أن يكون النساء لها نصيب من تلك المناصب، ولا تهيمن عليها الذكور ، كما هو الحال الآن في المؤسسات الصحفية، فكم من مديرة أو رئيسة تحرير، وكم من رئيسة قسم!
ولا يفوتنا أن النقابة ايضا عليها مسؤولية كبيرة في اعادة النظر فيما يخص شروط القيد، ومتابعة المؤسسات الصحفية أول بأول واجبارهم على تحرير عقود للمتدربين والمتدربات بعد 6 شهور فقط من التحاقهم بالمؤسسة.
وأخيرا أن المهنة أصبحت تحتضر، فكفى ما يحدث بها من تضيق وتعسف وملاحقات أمنية، فإذا كان هناك رغبة لانقاذ ما تبقى من المهنة، فعلينا أن نتكاتف جميعا لخلق بيئة تحترم المهنة ومبادئها، بيئة عمل آمنة ليس للنساء فقط وإنما للجميع.