تصفية وأزمات تشريعية ومحاسبية| صناديق التأمين الخاصة.. جدار الحماية الاجتماعية الأخير للعمال مهدد بالانهيار 

الرقابة الإدارية: 753 صندوق تأمين خاص حتى 2021 يعمل منها 694 صندوقا باستثمارات 103 مليارات جنيه 

مليون و200 عامل عدد المستفيدين من الصناديق.. والمزايا معاشات تكميلية وحالات زواج وتعويضات إصابة عمل. 

 تعديل اللائحة قانون 54 لسنة 75 منح للهيئة الحق في إصدار قرار التصفية إجباريا ودون إبداء أسباب متخطيا شروط القانون للتصفية 

مسودة مشروع القانون ساوت بين صناديق التأمين والشركات الهادفة للربح وانتزعت الإعفاءات الممنوحة لها للحماية الاجتماعية 

توصيات بعدم التوسع في التصفية وإعادة النظر في مشروع قانون التأمين الموحد وصرف المستحقات للصناديق الصادرة قرارات بتصفيتها.. ومبادرة لتصحيح الأوضاع  

حسن بربري  

ما تزال صناديق التأمين الخاصة تواجه الكثير من الإشكاليات، بين عمليات توسع في التصفية، فضلا عن الأوضاع الإدارية والتنظيمية والمحاسبية، وأزمات تأخر صرف مستحقات العاملين من الصناديق التي تمت تصفيتها بالفعل، ما يهدد بانهيار الجدار الأخير للحماية الاجتماعية، الذي يؤثر بدوره على الاقتصاد الوطني بوجه عام. 

ويقصد بصندوق التأمين الخاص – وفقا للمادة الأولى من القانون رقم 54 لسنة 1975 – كل نظام في أي جمعية أو نقابة أو هيئة أو من أفراد تربطهم مهنة أو عمل واحد أو أية صلة اجتماعية أخرى تتألف بغير رأس المال ويكون الغرض منه وفقا لنظامه الأساسي أن تؤدي إلى أعضائه والمستفيدين منه تعويضات او مزايا مالية او مرتبات دورية أو معاشات محددة. 

تنتشر صناديق التأمين الخاصة في مصر وعادة ما ينظر إليها كصناديق تأمين تكميلية أو إضافية لنظم التأمينات الاجتماعية للعاملين التي تهتم بتوفير الحماية التأمينية والتي تتفق والمستويات العامة للأجور والدخول وبالتالي أصبحت الحماية التكميلية أحد المطالب العمالية الأساسية، وتكون عادة محلا لترحيب أصحاب الأعمال والدول، فضلا عن ذلك فإن الصناديق دورها الاقتصادي مرغوب فيه على المستوى القومي كأداة تجميع للمدخرات وتنظيم للاستهلاك. 

بدأ تنظيم تلك الصناديق بإصدار القانون 54 لسنة 1975، حيث بلغ عدد صناديق التأمين الخاصة في العام المنتهي 2021 753 صندوقا، يعمل منها 693 صندوقا بحجم استثمارات بلغ 103 مليارات جنيه، حسب آخر تصريح لرئيس الهيئة للرقابة الإدارية محمد عمران، وبلغ إجمالي المشتركين حتى نهاية 2021 وفقا للتقرير السنوي لهيئة الرقابة المالية 4,909,209مشتركا. 

وترتبط صناديق التأمين الخاصة بقطاع التأمين، كأحد أشكال أدوات الادخار، وهي عبارة عن أنظمة تأمينية خاصة، يتم تكوينها لأغراض منح مزايا لمجموعة من العاملين بالجهة المنشئة للصندوق، وتكون في شكل مزايا تأمينية أو معاشات إضافية أو مزايا اجتماعية أو رعاية صحية. 

أهمية تلك الصناديق وأنواعها  

تشمل صناديق التأمين الخاصة من حيث المزايا التأمينية والخدمات التي تؤديها لأعضائها المشتركين؛ صناديق الزمالة، وصناديق الادخار والاستثمار، وكذلك صناديق مكافآت عقد العمل الفردي، فضلا عن الصناديق العلاجية والمعاشات التكميلية، وصناديق ذات طبيعة خاصة، ويكون الغرض الرئيس منها أن تؤدي إلى الأعضاء المشتركين والمستفيدين تعويضات أو مزايا مالية أو معاشات محددة، في حالات الوفاة، أو التقاعد عن العمل، أو إصابات العمل، وترجع أهمية الصناديق للعمال وفقا للأغراض السابق ذكرها أنها تعينهم على التغلب على الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة وللاقتصاد القومي تعد من أهم أدوات التمويل للدولة وللبنوك.  

مزايا للعمال ودعم للاقتصاد القومي 

بلغ عدد المستفيدين من تلك الصناديق من واقع التقرير السنوي لهيئة الرقابة الإدارية لعام 2021 ما يقرب من مليون و200 عامل حصلوا على مزايا من التأمين بتكلفة 15 مليون جنيه توزعت ما بين معاشات تكميلة وحالات زواج وتعويضات إصابة عمل. 

ويقول أحد العاملين بشركة المقاولون العرب – رفض ذكر اسمه – يبلغ من العمر 42 عاما، إنه استفاد من صندوق التأمين في إجراء عمليات لعينه اليسري، وكذلك إجراء عملية المرارة، وتوفير الأدوية، بالإضافة إلى حصوله على إعانة مالية للإنفاق على أسرته. 

ويؤكد عامل متقاعد في شركة مصر لتصدير الأقطان: “على الرغم من ضعف المعاش الذي أحصل عليه من الصندوق، إلا أنه على الأقل يسترني، خاصة في ظل هذه الأيام الصعبة، ولولاه، كنت سأواجه مشكلة كبيرة، في ظل تزايد الأعباء المالية للإنفاق على أسرتي”. 

كما تعد صناديق التأمين الخاصة من أكثر الصناديق استثمارا في أذون الخزانة والسندات الحكومية حيث وفقا لنفس التقرير السابق ذكره استثمرت الصناديق في عام 2012 ما يقرب من 14 مليون جنيه في أذون الخزانة و13 مليونا في السندات الحكومية، و63 مليون جنيه شهادات استثمار بالبنك الأهلي، كما استثمرت في شراء أسهم وأوراق مالية بحوالي 3.5 ملايين جنيه وحسب تصريح رئيس هيئة الرقابة الإدارية تجري دراسة زيادة الحد الأدني لاستثمارات الصناديق بالبورصة ما بين 5% و 10% بدلا من 2% حاليا، نظرا للدور الاقتصادي الهام لهذه الصناديق ومساهمتها في الاقتصاد المصري. 

عقبات على الطريق 

وعلى الرغم من أهمية صناديق التأمين الخاصة سواء للعمال والاقتصاد بشكل عام، إلا أنها تواجه الكثير من العقبات لأسباب هيكلية وتنظيمية وإدارية ومالية، طفت على السطح منذ عام 2005 عندما تقدم وزير الاستثمار الأسبق محمود محي الدين آنذاك بمشروع تعديلات على قانون 54 لسنة 1975، نتيجة المشكلات التي واجهت الصناديق، وخاصة الصناديق غير المسجلة بهيئة الرقابة المالية، والعكوف على إعداد مشروع قانون معدل للقانون المعمول به. 

لكن ظل الحال كما هو حتى عام 2015، عندما أصدر رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية الأسبق محمد معيط تعديلا للائحة التنفيذية لصناديق التأمين الخاصة لتلافي مشكلات الرقابة على الصناديق غير المسجلة، وتطوير النظم الإدارية عن طريق تعيين خبراء مسجلين لدى الهيئة ومراقبي حسابات. 

ليس هذا فقط ما تواجهه الصناديق من مشكلات، حيث تعد العقبات المالية والمحاسبية من أبرز الصعوبات، بحسب الاتحاد المصري للتأمين، الذي أوضح أن العمليات المالية والمحاسبية التي تتبعها الصناديق غير متفقة مع المعايير المطلوبة، ووفقا لتقرير من هيئة الرقابة المالية يتجاوز حجم المصروفات الإدارية، الذي بلغ 205 ملايين جنيه، حجم المصروفات للتعويضات والمزايا التأمينية الممنوحة للعمال، التي بلغت 15 مليون جنيه. 

لماذا التصفية الإجبارية؟ 

منذ تعديل اللائحة التنفيذية لقانون المنظم لصناديق التأمين الخاصة، التي على ضوئها منحت الهيئة نفسها حق تصفية الصناديق إجباريا بعد أن كان حل أو تصفية الصندوق من حق الجمعية العمومية للصندوق، كما أقر القانون ولائحته قبل التعديل لتتسارع وتيرة تصفية الصناديق ليبلغ عدد الصناديق المقرر تصفيتها أو تحت التصفية 59 صندوقا في عام 2021 بعد أن كانت 70 صندوقا عام 2020، وبلغ عدد الصناديق التي تم شطبها 11 صندوقا. 

وتعد عملية تصفية شركات القطاع العام والأعمال من أهم أسباب تصفية صناديق التأمين الخاصة، وعلى الرغم من وجود شركات ما تزال قائمة، تمت تصفية صناديق عمالها، بدعوى عدم كفاءة إدارة أموال الصناديق وزيادة مخاطرها، كما ذكر مصطفي أبو العزم رئيس لجنة التصفية لصندوق العاملين بالجمعية المصرية للتأمين التعاوني، أن قرار التصفية جاء بعد توقف الجمعية عن دفع النسبة الخاصة بها، بعد الأزمة الأخيرة التي تعرضت لها. 

وعدَّد قانون 54 لسنة 75 شروط التصفية في حالات عدم كفاية أموال الصندوق للوفاء بالتزاماته وفقا لنتيجة الفحص، وثبوت عدم سير الصندوق وفقا لأحكام القانون أو لائحته التنفيذية أو لائحة النظام الأساسي. 

كما شملت الشروط وجود غش أو تدليس في إدارة الصندوق، وتوقفه عن مباشرة أعماله أو كان من مصلحة أعضائه تصفيته، فضلا عن دمجه في صندوق آخر. 

وبين القانون أنه في الحالات الثلاث الأولى، يتم انذار مجلس إدارة الصندوق وإعطائه مهلة شهر لإبداء دفاعه، وإلا يتم شطبه وتصفيته، لكن تعديل اللائحة منح للهيئة الحق في إصدار قرار التصفية إجباريا، متخطيا شروط القانون للتصفية، حيث يتم إصدار قرار التصفية دون إبداء أسباب، كما هو واضح في القرارات التي صدرت في هذا الشأن  

آثار التصفية.. الحديد والصلب والكوك والملاحة أبرز المتضررين 

تعد صناديق التأمين الخاصة بالشركات التي تمت تصفيتها من أهم مظاهر تأثر معيشة العمال بهذه التصفية، وهو ما حدث في شركات الحديد والصلب، والكوك، والملاحة المصرية، الأمر الذي يقود بدوره إلى زوال الحماية الاجتماعية التي كانت تعينهم على المعيشة، المتمثلة في تأخر صرف مستحقاتهم حتى الآن لدى الصناديق، بسبب قرارات مد مهلة التصفية التي أقرتها هيئة الرقابة المالية لشركة الكوك لمدة عام، وكذلك شركة الحديد والصلب التي بدأت في 1 ديسمبر العام الماضي، ومن المقرر انتهاء أعمال لجنة التصفية في 1 ديسمبر الحالي. 

لكن في واقع الأمر، لم تنته اللجنة من أداء مستحقات العاملين، حيث يطالب سيد محمد العامل بشركة الحديد والصلب بمستحقاته مستغيثا: “أين أعضاء اللجنة النقابية ورئيسها الذين وقعوا على اتفاقية الصندوق؟ وأين النقابة العامة الضامنة لحقوق العاملين بعد التصفية؟ وأين اللائحة التنفيذية للصندوق. وأين الشركة القابضة وقطاع الأعمال، حرام العمال لم تصرف مستحقاتها من الصندوق حتى الآن”. 

يوجه العامل في الشركة نفسها صابر السعودي استغاثة إلى خالد الفقي رئيس النقابة العامة للعاملين بالصناعات الهندسية والمعدنية والكهربائية، للمطالبة بصرف المستحقات، قائلا: “لا نريد مستحقاتنا من صندوق الزمالة، لا أحد يقف بجوارنا إلى الآن، العمال تفشي فيهم المرض”. 

لم يختلف الأمر مع شركة الكوك الذين استقبلوا قرار مد مهلة لجنة التصفية عاما آخر، باستياء شديد، حيث ذكر أحد العاملين رفض ذكر اسمه: “كان المبلغ المفترض الحصول عليه من الصندوق هيسد معانا لفترة في الأزمة اللي إحنا عايشين فيها”. 

قانون جديد لصناديق التأمين الخاصة.. لماذا؟ 

نتيجة للمشكلات التي تواجهها صناديق التأمين الخاصة كما ذكر سابقا، شرعت هيئة الرقابة المالية في 2018 في إعداد مشروع جديد منظم لتلك الصناديق وانتهت من إعداد مسودته الأولى هذا العام، وهو مشروع قانون التأمين الموحد

يقول رئيس الهيئة للرقابة الإدارية محمد عمران إنه روعي في إعداد المشروع معالجة ما أسفر عنه التطبيق العملي للنصوص القائمة من مشاكل وصعوبات وما طرأ على السوق من متغيرات، تمس 4 تشريعات تحكم نشاط التأمين داخل الدولة المصرية، بداية من النصوص المنظمة لوثيقة التأمين المعمول بها منذ عام 1948، ومروراً بنشاط صناديق التأمين الخاصة السارية منذ عام 1975، وما يتعلق بنصوص قانون الإشراف والرقابة على التأمين القائمة منذ عام 1981 على هذا النشاط، وأخيراً ما يتعلق بالتأمين الإجباري عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع والذى تتصل أحكامه بشريحة كبيرة من الموطنين. 

وعلى الرغم من الغرض من المشروع – كما أوضح رئيس الهيئة آنفا – إلا أن ما جاء بشأن الصناديق عبارة عن فقرة في المسودة تشير إلى أنه يسري عليها ما يسري على شركات التأمين وإعادة التأمين، أي أنه ساوى بين شركات هادفة للربح وصناديق هدفها وغرضها الأساسي اجتماعي

وانتزعت مشروع القانون الجديد خصائص كانت تتمتع بها صناديق التأمين الخاصة في القانون الحالي، كما ذكرفي المادة 10 بإعفاء الصناديق من رسوم الشهر والتوثيق وتمتعها بالإعفاءات من جميع رسوم الدمغة، فضلا عن إعفاء إيرادات الأوراق المالية والودائع بجميع أنواعها، والعقارات المملوكة للصناديق من الضرائب العقارية. 

لكن جميع هذه الإشكاليات كان من الممكن مواجهتها بالتطوير لحل الأزمات الإدارية والتنظيمية، وليس بالانتقاص من المزايا التي تتمتع بها الصناديق، فلا يمكن أن تكون ضريبة إصلاحها هي نزع مميزاتها، خاصة أن هذا الأمر سينعكس على العمال المشتركين فيها والذين يتمتعون بمزاياها التأمينية.  

“روشتة إنقاذ” 

يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالخالق فاروق، أن صناديق التأمين الخاصة وصناديق المعاشات الاختيارية في حاجة ماسة إلى التطوير والتحديث، وأن انخفاض أو انقطاع مساهمة جهة العمل سواء بتصفية الشركات أو الإحالة للمعاش المبكر بقطاع الأعمال العام سيؤثر سلبا على مزايا العمال من جهة، وعلى الاستثمار المباشر الموجه إلى سندات وأذون خزانة الحكومة من جهة أخرى، وسط أزمة اقتصادية ومعدل تضخم غير مسبوقين، مؤكدا أن أموال تلك الصناديق يتم استثمارها في أدوات الدين الحكومي بالأمر المباشر.   

وفي هذا الإطار، يؤكد خبراء ضرورة مواجهة هذه الإشكاليات عن طريق “روشتة إنقاذ” تشمل عدم التوسع في علمية تصفية الصناديق التأمين الخاصة؛ لما لها فائدة تعود على العمال وعلى الاقتصاد المصري ككل، وإعادة النظر في مشروع قانون التأمين الموحد بالنسبة للصناديق، والبقاء على القانون الحالي مع إجراء التعديلات التي تضمن تطويرها وليس الانتقاص من مزاياها. 

كما يشدد الخبراء على سرعة صرف التعويضات والمستحقات للصناديق التي تمت تصفيتها، مع اعتبار فروق قيمة العائد على الاستثمارات، مع إطلاق مبادرة لتصحيح أوضاع الصناديق الإدارية والتنظيمية والمحاسبية لتراعي مبادئ الشفافية والحوكمة والمعايير المعمول بها. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *