أعمار تُهدر خلف القضبان.. أول لقاء بين المصور الصحفي حمدي الزعيم وأبنائه فارس ومالك بعد أكثر من أربع سنوات من الغياب
قالت ميرنا الزعيم، ابنة المصور الصحفي المحبوس احتياطيا حمدي مختار الشهير بـ”حمدي الزعيم”، إنها زارت والدها في سجن أبو زعبل 2، رفقة شقيقيها فارس ومالك، في زيارة هي الأولى للأخيرَين منذ القبض على والدهم قبل خمس سنوات.
وقالت ميرنا، في منشور لها عبر “فيسبوك”، الجمعة، إن الزيارة بدأت بانتظار شاق تحت الشمس الحارقة لعدة ساعات، وانتهت بلقاء قصير مؤلم، كشف مدى التغير الجسدي الذي طرأ على والدها، والذي بدا عليه الإعياء والتقدم في العمر بشكل لافت.
وأشارت إلى أن والدها ما زال يعاني من ظروف صحية صعبة، في ظل استمرار حبسه الاحتياطي الذي تجاوز مدته القانونية.
وتطرقت ميرنا إلى الأثر النفسي الذي تركته الزيارة على شقيقيها، حيث بدا على فارس التماسك رغم القلق، فيما عبّر مالك، الطفل الذي وُلد ووالده محبوس، عن ضيقه وحزنه بكلمات مؤلمة، مؤكدًا أنه لا يريد تكرار هذه الزيارة مرة أخرى.
وفيما يلي نص المنشور:
الزيارة الأولى لفارس ومالك بعد مرور خمس سنوات
في يوم السبت الماضي، قمنا بزيارة والدي في مقر احتجازه بسجن “أبو زعبل 2”.
كان يومًا مرهقًا على المستويين الجسدي والنفسي، ولم تكن لديّ القدرة على الكتابة عنه في حينه، إذ لم يحمل ذلك اليوم شيئًا جميلاً سوى اللحظات القليلة التي رأيناه فيها.
فاجأناه أنا وأخواي فارس ومالك، وكانت تلك الزيارة الأولى لهما منذ خمس سنوات.
كان والدي قد اتفق معنا في وقتٍ سابق على ألّا يأتي أيٌّ من الأطفال لزيارته، حرصًا على سلامتهم النفسية.
لكن خمس سنوات قد مضت… كبرنا خلالها جميعًا.
فارس أصبح يبلغ من العمر 13 عامًا، ومالك، الذي وُلد ووالدي قيد الحبس في قضيته السابقة، أصبح اليوم في الثامنة من عمره.
تفاصيل الزيارة:
كالعادة، بدأ الاستعداد للزيارة قبلها بيومين؛ توتر، قلق، تحضيرات وسهر.
وصلنا إلى بوابة السجن في الساعة السابعة صباحًا، وكان الدخول مقررًا في الثامنة والنصف.
لكننا لم نرَ والدي إلا في الساعة الرابعة والنصف عصرًا، بعد ساعات طويلة من الانتظار تحت أشعة الشمس الحارقة، ودرجة حرارة تجاوزت الأربعين.
حين رآهما… فوجئ.
ظل يعانقهما ويقبّلهما طويلًا، ولم يكن يرغب في تركهما حتى اللحظة الأخيرة.
في كل زيارة، كان والدي يبدو مختلفًا…
كل مرة نراه فيها، نلمح آثار الزمن وقد أثقلت ملامحه أكثر من المرة التي سبقتها.
يغزوه الشيب يومًا بعد يوم، وتبدو ملامحه وكأنها شاخت سريعًا،
كأن العمر يمرّ عليه بوتيرة لا نملك إيقافها.
فارس ومالك أصلاً لا يتذكران والدهما إلا من خلال الصور التي كانوا يرونها على فيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي…
وتلك كانت المرة الأولى التي يرونه فيها أمامهم، وأول مرة يرونه يرتدي نظارة.
صحته تتدهور تدريجيًا، ونحن عاجزون.
نراه يتغيّر أمام أعيننا، ولا نملك سوى أن نشهد مرور السنوات وهي تسلبه القليل من قوته في كل مرة.
وما يؤلم حقًا… أن لا شيء يمكنه إيقاف الزمن،
ولا نحن قادرون على استعادته،
ولا على حمايته من قسوته.
إنها ليست فقط سنوات من عمره تمضي خلف القضبان،
بل من أعمارنا نحن أيضًا.
انتهت الزيارة وخرجنا من بوابة السجن في الساعة السادسة والنصف مساءً.
لكن تلك الدقائق القليلة التي جمعتنا به، رغم قِصَرها، كانت كفيلة بأن تظل عالقة في القلب والذاكرة.
في أثر الزيارة:
في تلك الزيارة، لم أكن قادرة على الفرح، ولا على الاطمئنان، ولا حتى على تصديق أننا بخير.
كنت غاضبة، محبطة، ومفعمة بإحساس قاسٍ بالعجز.
وخرجت من الزيارة أكثر حزنًا مما كنت عليه وأنا داخلة.
أما فارس ومالك، فكان كلٌّ منهما داخل المشهد بطريقته الخاصة.
فارس كان متوترًا، قلقًا، لكنه متماسك.
تعامل معي كأنه رجل كبير، لا يريد أن يثقل عليّ أو يضيف إلى ما أحمله.
رغم أن حقائب الزيارة كانت ثقيلة حتى بالنسبة لي، أصرّ على مساعدتي في حملها،
ولم يشتكِ، ولم يعبّر عن حزنه،
كأنه اتخذ قرارًا داخليًّا بأن يظل قويًّا لأن “الوضع أصلًا لا يحتمل”.
مالك كان يعيش مشاعر متداخلة ومضطربة…
كان متأففًا طوال اليوم، متوتر المزاج،
وتصرفاته مليئة بالضيق والقلق، كأنه غير قادر على التعبير عمّا في داخله، لكنه لا يعرف كيف يهدأ.
تصرفاته كانت تعكس ما هو أعمق من مجرد التعب…
وفي لحظة، نظر إليّ وقال:
“حاسس إني مخنوق يا ميرنا… مش عايز أكون هنا.”
وأثناء ما أُعلِن عن انتهاء وقت الزيارة… سكت.
انقلب وجهه، واختفت الضحكة، واختفى التفاعل الذي كان بينه وبين والدي.
كأن الحزن باغته دفعة واحدة.
حاولت أن أفتح معه حديثًا، أساعده على التعبير عمّا يشعر به،
لكنني شعرت بأنه لا يريد لوالدي أن يعرف.
كأنّه كان يحاول أن يُخفي حزنه عنه، حتى لا يشغل باله أو يضيف إلى ألمه.
وما إن خرجنا من بوابة السجن،
وقف للحظة، نظر إلى البوابة، ثم قال لي:
“عايز بابا يخرج… ومش عايز نيجي المكان ده تاني.”
الأطفال كبروا، ووجعهم كبر معهم.
والزيارة التي انتظرناها طويلًا، تركت فينا أثرًا لا يُنسى.
في النهاية،
ليست هناك زيارة قادرة على تعويض غياب خمس سنوات،
ولا توجد كلمات تفي بوصف مشاعرنا ومشاعره.
لكننا على يقين تام،
أن هذه الصورة لا ينبغي أن تكون النهاية…
وأن لكل حبس نهاية، ولكل وجعٍ بابٌ مفتوح.
خمس سنوات من الحبس الاحتياطي ….
يذكر أنه ي 26 سبتمبر من العام 2016 تم القبض على الزعيم من أمام نقابة الصحفيين وحبسه حبسه احتياطيا على ذمة القضية رقم 15060 لسنة 2016 جنح قصر النيل، حيث ظل قيد الحبس الاحتياطي حتى إخلاء سبيله في 13 يونيو 2018 بتدابير احترازية التي ظل يؤديها حتى ألقي القبض عليه مجددا في يوم 5 يناير 2021 عقب عودته من أداء التدابير الخاضع لها، حيث تم اقتياده لجهة غير معلومة لمدة 12 يوما قبل الظهور في نيابة أمن الدولة العليا.
واجه الزعيم في نيابة أمن الدولة العليا اتهامات ببث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها. وقررت النيابة حبسه على ذمة القضية رقم 955 لسنة 2020 حصر أمن دولة.
ويشار إلى هذه الاتهامات هي نفسها التي واجهها الزعيم سابقا في القضية رقم 15060 لسنة 2016 جنح قصر النيل.
ومع إكماله 4 سنوات في السجن رهن الحبس الاحتياطي – في يناير الماضي – وقع المصور الصحفي حمدي الزعيم على أمر الإحالة في القضية رقم 955 لسنة 2020 حصر أمن دولة، بحسب ما كشفت ابنته ميرنا.
ويقبع 22 صحفيا – على الأقل – خلف القضبان على ذمة قضايا سياسية، بين حبس احتياطي دون إحالة إلى المحاكمة أو حبس بقرارات من محاكم جنح وجنايات أمن الدولة الاستثنائية. وتباينت فترات حبس الصحفيين المحبوسين بين أشهر وسنوات.
وتحتل مصر المركز 170 في تصنيف مؤشر حرية الصحافة لعام 2025، الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود” ويقيم حالة حرية الصحافة في 180 دولة ومنطقة سنوياً، وهو نفس ترتيب العام الماضي، لتستمر مصر بذلك في موقعها بين الدول العشر “الأسوأ عالمياً” بسبب القمع والتضييق الحكومي على تغطية الأحداث والأزمات.
وفي عام 2024، كان لدى مصر سادس أكبر عدد من الصحفيين السجناء على مستوى العالم، بحسب لجنة حماية الصحفيين.