العدالة الضريبية هي الحل| قانون “المحال التجارية” يثير الانتقادات: الحكومة تعفي المستثمرين من المليارات وتحاول تعويضها بملاليم الغلابة
د. زهدي الشامي: الحكومة تُعفي أنشطة تتعامل بمليارات الجنيهات من الضرائب وتحاول تعويض ذلك بالجباية من صغار المهنيين
هيثم الحريري: من المهم توسيع القاعدة الضريبية (بشكل عادل) بعكس ما تقوم به الحكومة بزيادة الأعباء الضريبية على فقراء الوطن
الميرغني: فرض الضرائب على الفقراء لن يحل مشاكل النظام بل ربما يعجل بحشد المعارضين له.. وقوانين الجباية ستحوّل المصريين إلى لصوص
كتب – أحمد سلامة
مازال قانون “المحال التجارية” الصادر مؤخرًا، يلقي بظلال من التخوفات من الآثار التي سيلقيها ليس على كاهل المواطن فحسب ولكن على كاهل الاقتصاد المتعثر بالفعل، إذ قررت الحكومة إلزام 84 نشاطًا تجاريًا باستخراج تراخيص أمنية بما يعني رسوم جديدة وأعباء ضريبية مُرهقة، وهو ما دفع العديد من الخبراء والمهتمين بالشأن العام إلى توجيه الانتقاد لبعض “السياسات الضريبية” مطالبين بسياسات أكثر عدالة في ظل أوضاع مأزومة.
الحكومة.. تُهدر المليارات وتطلب الملاليم
“ذكرتني الخطوات المتتابعة الراهنة لزيادة الجباية من مختلف الفئات من صغار المشتغلين في الاقتصاد المصري بمنطق طلب تسليم الفكة للحكومة لتعويض العجز المالي الناتج عن سياساتها التي تتسم بالبذخ والتبذير والهدر”، هكذا قال الخبير الاقتصادي الدكتور زهدي الشامي لـ”درب”، مضيفًا “تهدر الحكومة المليارات وتطلب الملاليم غير القادرة على تعويض هذا النزيف”.
وتابع الشامي “وبالمثل تعفي الحكومة أنشطة تتعامل بمليارات الجنيهات من الضرائب، وتحاول تعويض ذلك بالجباية من صغار المهنيين وأصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وملايين العاملين على باب الله في الاقتصاد غير الرسمي في الشوارع والحارات”.
ويستكمل “كانت أبرز الخطوات الحكومية الأخيرة هو قرار تطبيق الفاتورة الألكترونية في شهر ديسمبر الحالي، وهو قرار تسبب في ثورة في قطاعات عديدة أبرزها المحامين وبعدها الأطباء والمهندسين وغيرهم”.
لذلك يرى الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني أن “الصحوة الضريبية للحكومة هي صحوة في غير موضعها. لأن لينا سنين بنطالب بتحقيق العدالة الضريبية وقانون ضرائب الدخل أصبح ثوب مهلهل بعد أن خضع لأكثر من ثلاثين تغيير. والضرائب هي المفروض تكون المصدر الرئيسي لتمويل الموازنة بمصروفاتها المختلفة وتمويل التنمية لكن للأسف الضرائب لا تمثل إلا 12% فقط من الناتج المحلي بينما تمثل القروض المصدر الأساسي للتمويل وهي تمثل 54% من مصروفات الموازنة العامة 2022/ 2023 كأقساط وفوائد”.
ويضيف الميرغني “الضرائب تمثل 34% من الناتج المحلي في الدانمارك و25% في ايطاليا وانجلترا وفرنسا و 22.2% في إسرائيل و 21.2% في المغرب و 20.1% في تونس فلا يصح اننا نتكلم عن التمويل بالضرايب. لكن الصحيح هو الحديث عن خلل النظام الضريبي المصري الذي يعتمد علي الضرائب غير المباشرة والتي تمثل 47% من الايرادات الضريبية تأخذ نسبة موحدة من الاغنياء والفقراء ولذلك تعتبر ضرائب عمياء لأن الأفضل هو ضرائب الدخل الأكثر عدالة خاصة لو كانت تصاعدية على عكس الوضع في مصر الذي يضع حدًا أعلى متواضعًا يبلغ 22.5% للشركات و 25% للأفراد”.
ويستدرك “لكن الأخطر هو الرسوم والاتاوات التي يتحملها المواطن عند الحصول علي الخدمات مثل رخص السيارات ورخص القيادة والمحررات الرسمية والشهادات وبما يزيد الفقراء فقرًا”.
الشيطان يكمن في التفاصيل
يتفق مع ما ذهب إليه إلهامي الميرغني، النائب السابق المهندس هيثم الحريري الذي قال لـ”درب” إن “إيرادات الدولة معروفة ومحددة المصادر و أحد أهم هذه الإيرادات هو تحصيل الضرائب من المواطنين، وفي حقيقة الأمر فإن ما يتم تحصيله قليل في ظل تهرب مواطنين واستثناء مؤسسات وفي ظل اقتصاد غير رسمي، لذا فإن المهم هو توسيع القاعدة الضريبية (بشكل عادل) بعكس ما تقوم به الحكومة بزيادة الأعباء الضريبية على فقراء الوطن سواء بشكل مباشر أو غير مباشر”.
“لم يعترض أحد على المبدأ، ولكن الجميع رأوا أن الشيطان يكمن في التفاصيل”، يضرب زهدي الشامي، مثلا بـ”الفاتورة الألكترونية” قائلا “المحامون ليسوا تجار سلع حتى تعاملهم الحكومة بهذه الطريقة. وهم يدفعون فعلا ضريبة القيمة المضافة لخزينة المحكمة، والرسوم المفروضة للتحول للفاتورة الإلكترونية مبالغ فيها وتصل لآلاف الجنيهات، وتحصلها شركة أنشأتها الحكومة مع شركات خاصة ستكون المستفيد الأول مما تحصله من رسوم، ولا تميز الفاتورة والنظام بين كبار الممولين وصغار المحامين المبتدئين وهم القاعدة العريضة، ولا تأخذ في الاعتبار كافة المصروفات التي يتكبدونها يوميا. ويرون ونرى معهم أن المواطن سيتحمل في النهاية تلك الزيادات الكبيرة، وأن التفنن في رفع رسوم التقاضي أضعافا مضاعفة أصبح يهدد بالفعل حق المواطن في ممارسة حق التقاضي وهو حق كفله له الدستور”.
وينتقل الشامي إلى الحديث عن قانون المحال التجارية: المثير أنه وتزامنا مع أزمة الفاتورة الألكترونية، اختلقت الحكومة أزمة جديدة هي أزمة ما يسمى قانون المحال العامة.
ويردف “والغريب أننا نشهد تفعيل قانون قديم صدر قبل ثلاثة سنوات وتم تجميده طوال تلك الفترة للصعوبات التي لا حصر لها في تنفيذه على أرض الواقع، شأنه شأن قانون الشهر العقاري الشهير الذي أحدث ثورة عارمة في المجتمع أدت لتجميده وقتها. فما الذي استجد حتى تُفعّله الحكومة اليوم بالتزامن مع الفاتورة الإلكترونية، وفي وقت تعاني فيه مصر أسوأ أزمة اقتصادية وتتزايد الأسعار يوميا ويتراجع الجنيه المصري بدرجة خطيرة مما يؤثر على الجميع وخاصة صغار المشتغلين”.
يرى هيثم الحريري أن “الضرائب امر دستوري وموجود في كل دول العالم والتهرب من الضرائب جريمة مخلة بالشرف في الدول المتقدمة”، لكنه يرى أيضًا أن “المشكلة الحقيقية ليست في مبدأ تحصيل الضرائب لأنه مصدر إيراد الدولة يسمح لها بتقديم خدمات للمواطنين التعليم والصحة والأمن والصرف والصرف الصحي والسكن وغيرها من الخدمات الأساسية”.
ويوضح “المشكلة الأولى هي ضرورة التوسع في تحصيل الضرائب فلا يمكن لأي مواطن مصري أن يكون متهربًا من دفع الضرائب طبقا للدخل الذي يستوجب عليه دفع الضريبة، أما الأمر الثاني فهو ضرورة زيادة عدد شرائح الضرائب وكذلك زيادة قيمة الضريبة المستحقة على الدخل
فهل من المعقول أن يكون الحد الأقصى لضرائب الدخل ٢٢.٥٪ ، نفس الأمر بالنسبة للشركات وليس فقط الأفراد وكذلك أرباح البورصة.. نحن نحتاج إلى إرادة سياسية لتحقيق العدالة الضريبية”.
يشرح إلهامي الميرغني قائلا “الضرائب أداة هامة لإعادة توزيع الثروة لو طبقت بشكل عادل مثل ضرائب علي الثروة وضرائب علي المضاربات في البورصة وتصاعدية الشرائح الضريبية ورفع حد الإعفاء الضريبي الي 60 ألف جنيه في السنة ومواجهة التهرب الضريبي وتشديد العقوبة عليه لنصل لتحقيق نظام ضريبي أكثر عدالة”.
بالأرقام.. كل المشروعات الصغيرة تعاني
يشدد الميرغني على أن “الحكومة تتغنى صباحا مساءً بدعم المشروعات الصغيرة لكن قانون المحال العامة وما يحمله من رسوم معاينة ورسوم تسجيل تصل لأكثر من 10 آلاف جنيه وتجديد سنوي للتراخيص. هذه قوانين جباية مملوكية تريد فقدان 46% من المصريين في القطاع غير المنظم من السوق ليتحولوا إلى لصوص وارهابيين نتيجة هذه السياسة المختلة”.
عن تعقيدات قانون المحال التجارية يقول زهدي الشامي “الحكومة تريد فرض أعباء جديدة على القطاعات الاقتصادية برسوم معاينة وترخيص بمبالغ كبيرة تصل إلى ١٠٠ ألف جنيه، وبمتطلبات إضافية متعددة كأوراق تصل إلى ١٣ مستندًا، واشتراطات مكلفة أخرى كتركيب كاميرات وخلافه”.
ويضيف “الأمر الذي يثير القلق مرة أخرى أن المشروعات الصغيرة المتناهية الصغر والقطاع غير الرسمي التي يعمل فيها الملايين والنسبة الأكبر من المشتغلين لا يملك الموارد الكافية لتلبية تلك الشروط”.
ويتناول الخبير الاقتصادي تفاصيل الأرقام إذ يقول “يبلغ عدد المنشآت في القطاع غير الرسمي ٢ مليون منشأة بنسبة ٥٣ % من إجمالي المنشآت العاملة في مصر، وبعدد مشتغلين يصل إلى أربعة ملايين مشتغل، والمبالغ المستثمرة فيه وفقا للبيانات الرسمية هزيلة تبلغ حوالي ٦٩ مليار جنيه، بما نسبته ٥.١ % فقط من رأس المال المدفوع لقطاعات النشاط الاقتصادى الإجمالية”.
ويسترسل “ولذلك فإن هذا القطاع غير الرسمي ومعه كل المشروعات الصغيرة، وهي كلها تعاني من مؤشرات تدهور كبير وخطير، كات بحاجة لخطة دعم وتطوير حكومية لدعمه وتطويره وربطه وبالقطاعات الاقتصادية المنتجة الكبرى صناعية الزراعية على نهج الدول الناجحة، وليس النظر له كوعاء تبتغي منه الحكومة زيادة الضرائب والرسوم”.
ويتابع “من نافلة القول إن كل القرارات الحكومية تتحول إلى متاهة من الإجراءات العقيمة والتقييدية التعسفية، وهذا ما ظهر مبكرا من القائمة التي أعلنت عنها الأجهزة الحكومية للأنشطة التي تتطلب ترخيصها أمنيا وتضم ٨٣ نشاطًا.. وإن كان اشتراط هذا الترخيص الأمني لأصحاب تلك الأنشطة ينتهك في حد ذاته حقهم الدستوري في العمل، فإنه فوق ذلك يبدو مثيرًا لأشد الاستغراب إذ يتضمن أنشطة لايتخيل عاقل أنها يجوز أن تتطلب تصريحا أمنيا خاصا كمحلات بيع المياه الغازية، ومحلات البقالة، وتصليح الأحذية، والخردوات”.
لذلك يرى الباحث إلهامي الميرغني أنه “في مختلف عصور التخلف والتحلل منذ أيام المماليك وما تلاهم تُفرض الضرائب على الفقراء ولكن ذلك لا يحل مشاكل الدولة بل ربما يعجل بحشد المعارضين له”.