إفريقيا الأكثر تحملا لوطأة تغير المناخ.. هل تفي الدول الثرية بتعهداتها في إزالة الكربون وتعويض البلدان الأكثر تضررا؟
دويتشه فيله
قال الرئيس الكيني وليام روتو خلال مؤتمر المناخ المعروف اختصار بـ “كوب 27” والمنعقد حاليا في مدينة شرم الشيخ، إن الدول الثرية هي المسؤولة بشكل كبير عن انبعاثات الوقود الأحفوري التي تسببت في ظاهرة تغير المناخ.
ولذيك يرى الرئيس روتو أنه يتعين عليها الوفاء بتعهداتها في إزالة الكربون وتقديم يد العون للبلدان النامية الأكثر تضررا من الاحتباس الحراري.
ومتحدثا نيابة عن المجموعة الأفريقية للمفاوضين بشأن تغير المناخ، قال روتو إن القارة السمراء ساهمت بشكل ضئيل في انبعاثات ظاهرة الاحتباس الحراري، “لكنها رغم ذلك، الأكثر تضررا من تداعيات الأزمة المترتبة”. واعتبر روتو “تكتيكات المماطلة والتسويف” في إطار العمل المناخي بأنها “قاسية ومجحفة”.
ورغم نبرة الرئيس الكيني الصادمة، إلا أنه أبلغ قادة العالم بأن أفريقيا يمكن أن تلعب “دورا إيجابيا لا غنى عنه في مواجهة تداعيات ظاهرة تغير المناخ على كوكب الأرض” بسبب ما تزخر به من موارد غير مستغلة في مجال الطاقة المتجددة ومساحات شاسعة وأيضا قوة بشرية شابة.
وكشف روتو النقاب عن خطة لعقد قمة أفريقية العام المقبل تركز على العمل المناخي والنمو الأخضر ومجال التحول المستدام فيما أعلن عن خطة لزيادة الغطاء النباتي في بلاده من نسبة حالية تبلغ 12 بالمائة إلى نسبة 30٪ خلال السنوات العشر القادمة.
أفريقيا.. الأكثر تحملا لوطأة تغير المناخ
يشار إلى أن نسبة مساهمة البلدان الأفريقية مجتمعة في الانبعاثات التراكمية لثاني أكسيد الكربون لا تتجاوز 3 بالمائة في حين أن نسبة الولايات والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة تقترب من 50 بالمائة.
ورغم ذلك، فإن بلدان القارة السمراء تعد الأكثر عرضة لتداعيات ظاهرة تغير المناخ بما يشمل ظواهر الطقس المتطرفة من فيضانات وجفاف.
وفي تعليقها، قالت الفتاة الأوغندية ليا ناموجيروا التي لم تتجاوز عامها الرابعة عشر، إنها عاصرت “انهيارات أرضية قتلت الكثير من الناس بسبب ظواهر الطقس القاسية”.
وخلال المحادثات الافتتاحية في قمة المناخ، طرحت ناموجيروا، وهي ناشطة بيئة، تساؤلا مفاده: “هل من العدل أن يختار زعماء العالم جني الأرباح على حساب الأرواح؟”.
من جانبه، شدد الرئيس الكيني على أن موجة الجفاف غير المسبوقة التي عصفت ببلاد أدت إلى جفاف 90 بالمائة من مصادر المياه ما تسبب في خسارة محاصيل زراعية ونفوق الكثير من الحيوانات. وأضاف “في نهاية المطاف أصبح الكثير من الناس بلا طعام كاف فيما ساد الملايين من الناس شعور بالبؤس وتسبب الجفاف في خسائر اقتصادية تجاوزت المليار دولار.”
الدول الغنية والتعويضات المناخية
وقال روتو إن حكومته على وقع هذه الخسائر الكبيرة اضطرت إلى تحويل مبالغ مالية كبيرة كانت مخصصة لقطاع الصحة والتعليم إلى مجال تقديم المساعدات الغذائية لملايين من سكان البلاد الذين تضرروا من موجة الجفاف.
وشدد على أن هذا الأمر يعد المثال الأوقع الذي يبين أن مواجهة ظاهرة تغير المناخ تعوق التنمية في كينيا.
وتطالب الدول الأفريقية خاصة الأكثر تضررا بظاهرة تغير المناخ، بتدشين آلية تقوم الدول الصناعية والثرية من خلالها بدفع تعويضات في صورة صندوق مخصص لتغطية تكاليف الأضرار والخسائر الجسيمة الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي. وتعد قضية “الأضرار والخسائر” نقطة خلافية رئيسة خلال المفاوضات المناخية.
يعود مصطلح “الأضرار والخسائر” إلى عام 1991 حيث صاغه تحالف الدول الجزرية الصغيرة خلال مفاوضات المناخ في جنيف، مع اقتراح خطة تأمين ضد ارتفاع منسوب مياه البحر بما يشمل تحمل الدول الصناعية التكاليف.
بيد أنه لم يتم بحث هذا الأمر بجدية إلا في عام 2013 خلال قمة المناخ التاسعة عشرة في بولندا حيث جرى إنشاء الآلية الدولية للخسائر والأضرار المرتبطة بآثار تغير المناخ بهدف مواجهة ومعالجة هذه القضية.
ورغم مرور أعوام على ذلك، إلا أنه لم يتم إحراز سوى القليل في هذا الصدد. وخلال مؤتمر المناخ “كوب 26” العام الماضي في مدينة غلاسكو باسكتلندا، رفض المفاوضون اقتراحا قدمه أعضاء مجموعة الـ77 +الصين، التي تعد كتلة تفاوضية نافذة تضم أكثر من 100 دولة نامية، بشأن إنشاء مرفق مالي رسمي يتعلق بالخسائر والأضرار المناخية.
وبدلا من ذلك، جرى إنشاء “حوار غلاسكو ” من أجل تمهيد الطريق أمام مزيد من المناقشات حول التمويل على نحو “شامل ومنفتح، لكنه غير إلزامي”.
ورغم ذلك، فقد قررت بعض الدول الغنية أخذ زمام المبادرة إذ تعهدت بلجيكا أمس الاثنين بتقديم 2.5 مليون يورو لمساعدة موزمبيق لتنضم بذلك إلى اسكتلندا والدنمارك إذ تعهدت كوبنهاجن في وقت سابق من العام الجاري بدفع أكثر من 13 مليون دولار للبلدان النامية بما في ذلك منطقة الساحل الأفريقي فيما تعهدت اسكتلندا بدفع مليون دولار خلال قمة المناخ العام الماضي.
الخسائر والاضرار؟
يشار إلى قضية “الخسائر والأضرار” هي جزء من خطة عمل اقترحتها المجموعة الأفريقية للمفاوضين بشأن تغير المناخ مؤلفة من ست نقاط لدفع الدول الثرية والصناعية إلى الوفاء بالتعهدات التي قطعتها على نفسها خلال مؤتمر باريس للمناخ في عام 2015.
وتنص الخطة على أن ظاهرة تغير المناخ تعد “مشكلة كونية تتطلب حلولا عالمية فيما يتعين أن تنعكس الأسباب والآثار غير متكافئة وغير عادلة على الحلول”.
وذكرت وزيرة الدولة الأثيوبية للتخطيط والتنمية، نيميرا جيبييهو مامو، في الخطة أنه من الضروري أن تفي “البلدان المتقدمة بوعدها الخاص بتقديم التمويل المتفق عليه للمساعدة في التكيف مع تداعيات ظاهرة تغير المناخ وإنشاء صندوق خاص بالخسائر والأضرار فضلا عن تسريع إزالة الكربون”.
الجدير بالذكر أن الدول المتقدمة مازالت بطيئة في تقديم مساهمات مالية لتخفيف التأثير على البلدان الأكثر تضررا في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
ويشار إلى أنه في عام 2010، تعهدت دول الشمال بتقديم مئة مليار دولار سنويا لمدة عشر سنوات لمساعدة البلدان النامية على التكيف مع آثار ظاهرة تغير المناخ، بما يشمل تزويد المزارعين في البلدان النامية بمحاصيل مقاومة للجفاف أو دفع تكاليف إقامة منشآت لصد الفيضانات.
وقد أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي ترصد عملية التمويل، إلى أن الدول الغنية دفعت عام 2020 قرابة 83 مليار دولار في معدل أعلى من عام 2019 بنسبة 4 بالمائة، لكن المساهمة المالية كانت أقل من التعهد المتفق عليه.
وفي رده، قال الرئيس الكيني إن عدم وفاء الدول المتقدمة بالتعويضات المناخية خلق “حالة من عدم الثقة”.
وخلال لقاء جمع قادة كينيا وبريطانيا، وافقت الأخيرة على تسريع وتيرة التمويل المناخي إلى كينيا من أجل التعجيل بتنفيذ ستة مشاريع استثمارية خضراء.
وخلال المباحثات، دعت المجموعة الأفريقية للمفاوضين بشأن تغير المناخ إلى ضرورة زيادة دعم التدابير التي تساعد على التكيف مع ظاهرة التغير المناخي ومساعدة بلدان القارة على شق طريقها صوب مصادر الطاقة الخضراء بما يضمن تقديم الخبرات والتكنولوجيا.
وخلال مؤتمر المناخ في شرم الشيخ، أعلنت بلدان أوروبية وأفريقية كانت قد تعرضت لموجات جفاف مثل إسبانيا والسنغال، عن تدشين تحالف لتبادل المعرفة والتكنولوجيا للمساعدة في إدارة الموارد المائية.
أفريقيا.. بارقة أمل
من جانبه، قال آل غور، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق والذي يعد أبرز نشطاء البيئة، إنه يتعين على الدول المتقدمة “تجاوز عصر استعمار الوقود الأحفوري”.
ويشير حديث آل غور إلى مساعي الدول الأوروبية لإيجاد بدائل لمصادر الطاقة الروسية من غاز ونفط عن طريق استغلال موارد الغاز والنفط في أفريقيا، بدلا من دعم التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
يشار إلى أن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة ذكرت أن نسبة القارة الأفريقية من الاستثمارات العالمية في مجال الطاقة المتجددة على مدى العشرين عاما الماضية لم تتجاوز 2 بالمائة.
ورغم ذلك، قالت نعمت شفيق، الاقتصادية البارزة ومديرة كلية لندن للاقتصاد، إن القارة الأفريقية تزخر بإمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة.
وفي كلمتها أمام مؤتمر المناخ، أضافت أن العديد من الدول الأفريقية “غنية بالشمس الساطعة وطاقة الرياح والأنهار والغابات. وفي حالة تقديم دعم، يمكن للبلدان الأفريقية أن تتجاوز حقبة مصادر الطاقة القذرة. يمكن أن تكون الثورة الصناعية الخضراء قصة جديدة للتنمية في أفريقيا”.