المركز المصري يطالب بآلية إلزامية للدول الكبرى لتحمل مسؤوليتها عن تلويث الكوكب وتعويض البلدان الأكثر تضررا: تعويضات لا مساعدات
المركز: المجتمعات الفقيرة تتحمل مسؤولية الكارثة في ظل تجاهل “كبار الملوثين” مسؤولياتهم.. مصر مهددة بغرق الدلتا وسيناء وتحتاج إلى 246 مليار دولار لمواجهة الأضرار
طالب المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بضرورة توافر آلية دولية ملزمة لمساءلة الدول الكبرى والأكثر تلويثا للبيئة، بشأن تنفيذ تعهداتها من أجل حماية الكوكب، مع إقرار عقوبات عليها حال عدم الالتزام بهذه التعهدات على وجه السرعة.
وشدد المركز، في بيان اليوم الثلاثاء 8 نوفمبر 2022، على أن الآلية المالية المقترحة يجب تصنيفها كتعويضات للدول الأكثر تأثرا بتداعيات تغير المناخ، وليس “مساعدات”، منعا لأي تلاعب أو تحايل على تنفيذ هذه التعهدات، مع اقتراح إنشاء وزارات للتغير المناخي، تضطلع بمسؤولية الرقابة على الأنشطة الملوثة للبيئة، ومحاسبة المتسببين فيها، سواء كيانات أو أشخاص.
وأوضح أن مسؤولية حماية الكوكب تقع على عاتق الجميع، ولا تنحصر آثارها على محيط تلويثها فقط، فالسياسات التي تتخذها الدول الأكثر ثراء في تلويث البيئة، تؤثر بدورها على حياة المواطنين في أبعد منطقة بالعالم بالحجم ذاته، وربما بشكل أكثر خطورة.
كما أكد أنه مع ارتفاع مخاطر التغير المناخي وتجاهل الدول الأكثر ثراء الاضطلاع بمسؤولياتها نحو تعويض المتضررين من ممارساتها والحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ستستمر المجتمعات الفقيرة في تحمل تبعات هذه الكارثة، بينما تتفاقم التأثيرات المميتة الناجمة عنها، حال غياب أي تحرك جاد وملزم في هذا الشأن.
ووفقا للمركز، يُعقد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ هذا العام “COP 27″، في مدينة شرم الشيخ، خلال الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر 2022، على خلفية التهديدات المستمرة على البيئة وحياة جميع سكان الأرض، نتيجة الآثار العالمية لتغير المناخ، التي بات من المستحيل تقليلها أو التكيف معها ومحاولة دون اتخاذ إجراءات جذرية عاجلة.
وبينما تتناول المحادثات خطط التخفيف من آثار تغير المناخ بتقليل أو منع انبعاث غازات الدفيئة، وآليات التكيف مع تغير المناخ، تطفو قضية أكثر أهمية على السطح، وهي الوعد السنوي من الذي تعهدت الدول المتقدمة – ولاسيما الدول الأكثر تلويثا للبيئة – بتقديم مبلغ 100 مليار دولار سنويا للدول الأكثر تضررا من هذه الممارسات، وهو ما لم يتم الوفاء به حتى الآن، وهي القضية التي من المتوقع أن تكون محور نقاشات موسعة في COP 27.
وفي الوقت الذي تنمو الاقتصادات ومستويات المعيشة للسكان، فإن مستوى تراكم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري (غازات الدفيئة) آخذة في الارتفاع أيضا، كذلك الحال بالنسبة للمستوى التراكمي من الغازات المسببة للاحتباس الحراري (انبعاثات غازات الدفيئة.)
ووفقا للأمم المتحدة، يتسبب تغير المناخ، من خلال الظواهر المناخية المتطرفة مثل الأعاصير المدارية والتصحر وارتفاع مستوى سطح البحر، في أضرار مكلفة للبلدان، ولأن اشتداد هذه “الكوارث الطبيعية” ناتج عن زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومعظمها من البلدان الصناعية الغنية، فإن البلدان النامية – الأكثر تضررا في كثير من الأحيان – تجزم بضرورة حصولها على تعويضات.
في كلمته، الاثنين 7 نوفمبر 2022، خلال الجلسة الافتتاحية للشق الرئاسي لمؤتمر المناخ، شدد رئيس دولة السنغال والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي ماكي سال، على ضرورة تعزيز جميع الالتزامات الخاصة بمواجهة تداعيات تغير المناخ، وأكد أن المبلغ المخصص سابقا وهو 100 مليار دولار لم يعد كافيا، وأنه لابد من زيادته إلى 200 مليار دولار، بما يمكنا من تحقيق الأهداف المرجوة، داعيا المتسببين في التلوث إلى تكلفة مواجهة كوكب الأرض للأخطار الطارئة الناجمة عن ذلك.
مصر.. مخاطر مهددة للحياة و246 مليار دولار مطلوبة لمواجهة الأضرار
وتعد مصر واحدة من أكثر الدول عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ على العديد من القطاعات منها السواحل والزراعة والموارد المائية وقطاعات الصحة والسكان والبنية الأساسية على الرغم من أنها من أقل دول العالم مسؤولية عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميا، بنسبة 0.6% من إجمالي انبعاثات العالم.
ووفقا للتقرير الوطني المحدث الذي سلمته الحكومة المصرية لسكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغيرات المناخية، تواجه البلاد مخاطر شديدة تأثرا بتغير المناخ، حيث من المتوقع أن تتسبب في انخفاض تدفق النيل إلى أسوان نتيجة التأثير في جميع أنحاء حوض النيل.
كما تعد دلتا النيل واحدة من 3 بؤر ساخنة شديدة التأثر بمناطق الدلتا الضخمة بحلول عام 2050، وتشير التقديرات إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر قد يصل حوالي 1.0 متر بحلول عام 2100، ما يهدد بغرق العديد من المناطق الساحلية في دلتا النيل والساحل الشمالي وسيناء، وسوف يؤدي ذلك إلى غرق ما لا يقل عن 1٪ من مساحة مصر، حيث يعيش معظم سكانها في 5.5٪ فقط من مساحتها الإجمالية.
أكثر من 30٪ من دلتا النيل عبارة عن أرض منخفضة، وتواجه العديد من المخاطر مثل التعرية والفيضانات، بينما توفر ثلاثة أخماس إنتاج مصر من الغذاء، وتشير التوقعات إلى انخفاض المساحة المزروعة إلى حوالي 0.95 مليون فدان (8.2٪ من المساحة المزروعة في مصر) بحلول عام 2030 بسبب تأثيرات تغير المناخ، ومن المتوقع أن تخسر الدلتا ما يصل إلى 30٪ كحد أدنى من إنتاجها الغذائي بحلول عام 2030.
كما أن تسرب المياه المالحة نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر وانخفاض معدلات إعادة الشحن ومعدلات تبخر أعلى مع ارتفاع درجات الحرارة، سيوسع مناطق تملح المياه الجوفية ومصبات الأنهار، ما يتسبب في تضاؤل حجم توافر المياه العذبة المناسبة للشرب والري.
وبناء على ذلك، أكدت الحكومة في تقريرها الوطني المحدث حاجتها إلى مبلغ 246 مليار دولار حتى عام 2030، لتنفيذ خطتها الموزعة على قطاعات مثل الصناعة، الطاقة، الإسكان، المواد البترولية، النفايات، النقل، الموارد البيئية، والسياحة.
تعهدات مالية واقتراح بصندوق للخسائر والأضرار.. والتنفيذ “محلك سر”
ويعود مصطلح “الأضرار والخسائر” إلى عام 1991، حيث صاغه تحالف الدول الجزرية الصغيرة خلال مفاوضات المناخ في جنيف، مع اقتراح خطة تأمين ضد ارتفاع منسوب مياه البحر بما يشمل تحمل الدول الصناعية التكاليف.
وفي عام 2010، تعهدت الدول الأكثر ثراء بتقديم 100 مليار دولار سنويا لمدة 10 سنوات لمساعدة البلدان النامية على التكيف مع آثار ظاهرة تغير المناخ، بما يشمل تزويد المزارعين في البلدان النامية بمحاصيل مقاومة للجفاف أو دفع تكاليف إقامة منشآت لصد الفيضانات، أما في عام 2013 خلال قمة المناخ التاسعة عشرة في بولندا، جرى إنشاء الآلية الدولية للخسائر والأضرار المرتبطة بآثار تغير المناخ بهدف مواجهة ومعالجة هذه القضية، وعلى الرغم من مرور أعوام على ذلك، لم يتم إحراز سوى القليل في هذا الصدد.
وخلال مؤتمر المناخ “كوب 26” العام الماضي في مدينة جلاسكو باسكتلندا، رفض المفاوضون اقتراحا قدمه أعضاء مجموعة الـ77 والصين، التي تعد كتلة تفاوضية نافذة تضم أكثر من 100 دولة نامية، بشأن إنشاء مرفق مالي رسمي يتعلق بالخسائر والأضرار المناخية، وبدلا من ذلك، جرى إنشاء “حوار جلاسكو ” من أجل تمهيد الطريق أمام مزيد من المناقشات حول التمويل على نحو “شامل ومنفتح، لكنه غير إلزامي”.
وخلال القمة ذاتها، جددت الدول الكبرى تعهداتها بتنفيذ “خطة تنفيذ تمويل المناخ” على وجه السرعة، بتأمين مبلغ 100 مليار دولار كـ”مساعدات” للدول الأكثر تضررا من تأثيرات تغير المناخ، بحلول عام 2023 ، إلا أنها لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن.
نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد، أشارت إلى أن الدول الغنية تعهدت – خلال مؤتمر جلاسكو – بمضاعفة مساعدات التكيف مع تغيرات المناخ للدول النامية لتصل إلى 40 مليار دولار بحلول عام 2025، داعية الدول الغنية إلى إعداد خريطة طريق لإيصال المساعدات المالية للدول النامية المتضررة من تداعيات التغيرات المناخية.
وأكدت حاجة الدول النامية إلى حوالي 300 مليار دولار سنويا لمواجهة التغيرات المناخية بحلول عام 2030، مشددة على ضرورة تحقيق تقدم في القضايا المتعلقة بالتكيف مع تغيرات المناخ.
ولم تترجم المناقشات بشأن إنشاء صندوق للخسائر والأضرار إلى واقع ملموس حتى الآن، بينما يرى المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، إيان فراي، أن هناك دول متقدمة كبرى تشعر بالقلق الشديد حيال ذلك، وتنظر إلى هذه القضية من منظور ما سيدفعه الملوث.
ويؤكد أن على البلدان الأكثر تضرراً من تغير المناخ والتي تعاني من التكاليف أن تتعامل مع هذه التكاليف بنفسها، وأنه حان الوقت لأن تقف الدول الكبيرة – البلدان الرئيسية المسببة للانبعاثات – وتقول: “علينا أن نفعل شيئاً، علينا أن نقدم مساهمة لهذه البلدان الضعيفة.”
مؤشر الخطر في ارتفاع.. والمساهمات أقل من التوقع
وتاريخيا، تتحمل البلدان المتقدمة المسؤولية الأكبر عن الانبعاثات المسببة لما يُعرف بالاحترار العالمي، إذ أنه بين عامي 1751 و2017، كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة مسؤولة عن 47% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التراكمية، مقارنة بنسبة لم تتجاوز 6% من الانبعاثات تسببت فيها دول القارة الإفريقية وأمريكا الجنوبية كاملة.
ورغم ذلك، ما تزال الدول المتقدمة بطيئة في تقديم مساهمات مالية لتخفيف التأثير على البلدان الأكثر تضررا في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي ترصد عملية التمويل، أشارت إلى أن الدول الغنية دفعت عام 2020 قرابة 83 مليار دولار في معدل أعلى من عام 2019 بنسبة 4%%، لكن المساهمة المالية كانت أقل من التعهد المتفق عليه.
وذكرت “جمعية الخسائر والأضرار” التي تضم باحثين ونشطاء وصانعي قرار من جميع أنحاء العالم، أن 55 دولة من بلدان “مجموعة العشرين الأكثر هشاشة” والبالغ عددها 8 دول نامية بينها كينيا والفلبين وكولومبيا، عانت من خسائر اقتصادية مرتبطة بالمناخ تجاوزت نصف تريليون دولار في أول عقدين من هذا القرن.
لم تكن الخسائر اقتصادية فقط، إذ تعرضت مناطق ثقافية وأثرية لخطر الزوال، بينها مجتمعات خاصة بالسكان الأصليين وقبلية وفئات محلية ضعيفة.
الاتحاد الأوروبي في بيان إنه “منفتح على مناقشة موضوع الخسائر والأضرار، لكنه متردد حيال إنشاء صندوق خاص لمعالجة الخسائر والأضرار، وتتخوف الدول الكبرى من أن هذا الأمر قد يمهد الطريق أمام الاعتراف بالحاجة إلى تمويل إضافي لمعاجلة قضية الخسائر والأضرار، وهو ما سيعرضها لدعوات خاصة بتحمل المسؤولية ودفع تعويضات، وهو ما يحمل في طياته تكاليف باهظة.
الإلزام والتعاون أو الهلاك.. التحرك العاجل ضرورة
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، دعا في كلمته خلال محادثات قمة المناخ في شرم الشيخ، الاثنين 7 نوفمبر 2022، إلى التوصل إلى اتفاق بين أغنى دول العالم وأفقرها لتسريع الانتقال من الوقود الأحفوري وتسريع عملية تقديم التمويل اللازم لضمان مساعدة البلدان الفقيرة على تقليل الانبعاثات والتعامل مع الآثار الحتمية للاحتباس الحراري.
جوتيريش شدد على أن الدول المجتمعة في شرم الشيخ لحضور قمة المناخ أمام لحظة فارقة إذ عليها الاختيار بين العمل سويا الآن لخفض الانبعاثات أو الحكم على الأجيال القادمة بمواجهة كارثة مناخية، موضحا أن البشرية أمامها خياران: التعاون أو الهلاك”، مطالبا أكبر اقتصادين في العالم – الولايات المتحدة والصين – بتحمل مسؤولياتهما تجاه هذه القضية الملحة.