رائد سلامة يكتب: غُرفةٌ مُحتَرِقَة (إبداعات)
فَتح شُبَاكَهُ، لم يكن بالسماء قمرٌ و لا نجوم، لم يكن هناك سوى العَتمة، لا شيئ يُرَى لكن جرذانًا سُودًا كانت تخرج من الأرض كأن فَرْجًا هائلًا قد إنفتح كفوهة الجحيم وصار يلفظ ما حَوَاهُ بطنها بلا توقف، تتصايح الحجافل السُود فيتصاعد صريرها صوب العبائة السوداء التي تنفرد بالكَونِ كغطاء عملاق.
تَعَطَلت الحواسَ في تلك الليلة إلا السَمعُ بالآذان التي كان صرير الجرذان يصمها. شيئًا فشيئًا إعتادت عيناه علي الظلام لتعمل حاسةُ بَصَرِهِ علي إستحياء لكن السَمع كان هو صاحب الكلمة الفصل، بَدَت الجحافل السود أمامه ككتلة واحدة تتحرك فتكبُر بإضطراد، تتسلق جدران البنايات المهجورة، أغلق شُبَاكَهُ و إعتصَم بغرفته المُعتِمة.
جلس علي الأرض واضعًا رأسه بين رُكبتيه وقد أطبق براحتيه علي الأُذُنين، دبيب الجرذان الرتيب علي سقف غرفته إمتزَجَ بِصَريرِها الذي كان يتصاعد مُقتربًا، إنتفض واقفَا وسط صخب الجحافل السُود التي تدق سقف الغرفة فوق رأسه بتصميمٍ مُلتاع، لم يصمد السقف طويلًا، تَضعَضَع فإنفتَحَ ثقب تساقطت منه بعض الجرذان، يزداد عددها، تدنو فيعلو صَريرها، يقترب، يحيطه، شَعَرَ بها تَقرُض قدميه، ساقه، بطنه، صدره، رقبته، دماغه……في الصباح كانت غرفته مُحتَرِقة.