انتصار لقدسية الحياة أم انتكاسة حقوقية؟ احتجاجات مؤيدة وأخرى معارضة لحظر الإجهاض بالولايات المتحدة (اليمين ينتصر ضد الحريات)
أ ف ب/ فرانس 24
غداة إلغاء المحكمة العليا الأمريكية الحق الدستوري في الإجهاض ومنحها سلطات الولايات صلاحية تقنينه أو تجريمه، تجمع آلاف الأشخاص، السبت، أمام مبنى المحكمة العليا في واشنطن لليوم الثاني تواليا، احتجاجا على قرار أعلى هيئة قضائية في البلاد.
ورفع المحتجون شعارات تنادي بـ “فصل الدين عن الدولة”، كما دعت النساء إلى تمكينهن من حرية التصرف في أجسادهن، في مقابل إثارة القرار غضب التقدميين، رحب به خصوصا اليمين المتدين، إذ تجمع السبت عشرات من معارضي الإجهاض الاختياري أمام مقر المحكمة، من بينهم سافانا كريفن، الناشطة في جمعية “لايف أكشن غروب” المناهضة للإجهاض الاختياري، إذ قالت مرحبة بالخطوة: “أؤمن بقدسية الحياة البشرية وكرامتها”، مضيفة “الحياة تبدأ في الرحم، الحياة تبدأ مع الحمل”.
وامتزجت دموع الفرح بنظرات الوجوم وهتافات الرفض وصرخات التحدي، في مشهد جمع الفرقاء خارج المحكمة العليا الأمريكية بعد جلسة النطق بالحكم بإلغاء الحق في الإجهاض، وفي حين ندد البعض بالقرار وأكدوا أنهم لم يخسروا معركتهم بعد، احتفى مئات آخرون به ووصفوه بـ”النصر التاريخي”.
في لوس أنجلس تظاهر مئات المدافعين عن الإجهاض الاختياري، ويُتوقّع أن تشهد مدن أخرى تحرّكات احتجاجية، وبينما أغلقت عيادات الإجهاض في ميسوري وساوث داكوتا وجورجيا أبوابها واحدة تلو الأخرى، تعهدت الولايات التي يحكمها الديموقراطيون مثل كاليفورنيا ونيويورك مواصلة إجراء العمليات على أراضيها.
وانطلقت الاحتجاجات مع إلغاء المحكمة العليا حكمها الصادر عام 1973 في القضية المعروفة باسم “رو ضد واد” وذلك بعدما اعتبر غالبية قضاتها المحافظين أن “لا أساس له على الإطلاق”.
أما الرئيس جو بايدن الذي ندد فورا بالقرار معتبرا أنه “خطأ مأساوي”، فقال السبت قبل أن يتوجه إلى أوروبا إنه يعلم “كم هو مؤلم ومدمر هذا القرار لكثير من الأمريكيين”.
كان بايدن دعا الجمعة الأمريكيين إلى الدفاع عن الحق في الإجهاض، خلال انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر، وفي ولاية ميسوري التي حظرت الإجهاض فور صدور القرار بدون استثناء حالات الحمل الناتجة من الاغتصاب أو سفاح القربى، تجمع متظاهرون في سانت لويس خارج آخر عيادة للإجهاض في الولاية، تنديدا بالأمر.
ويخشى المدافعون عن الإجهاض أن تلغي المحكمة العليا حقوقا أخرى مثل زواج المثليين أو وسائل منع الحمل بعد أن صار غالبية أعضائها محافظين.
من جهتها، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير في تصريح لها على متن الطائرة الرئاسية السبت، إن هذا الاحتمال ”يقلقنا” و”سيكون وضعا مروعا”، معتبرة أن البلاد تشهد “لحظة مخيفة”.
ومن بين تظاهرات الجمعة، شهدت اثنتان أعمال عنف، ففي سيدار رابيدز بولاية أيوا صدمت شاحنة صغيرة مجموعة من المتظاهرين ما أدى إلى إصابة امرأة وفق وسائل إعلام محلية.
وفي ولاية أريزونا، أقرت الشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذين “ضربوا مرارا نوافذ مجلس الشيوخ المحلي”، وفي لوس أنجلس، فرق عناصر الشرطة تظاهرة بالقوة مستعملين الهراوات.
وفق “معهد غوتماشر” الذي يقوم بحملات دولية من أجل توفير وسائل منع الحمل والإجهاض، من المتوقع أن تحظر نصف الولايات الأمريكية عمليات الإجهاض في المستقبل القريب.
وبعد صدور القرار بساعات الجمعة، حظرت ثماني ولايات على الأقل كل عمليات الإجهاض، وتعتزم 7 ولايات أخرى حظرها في الأسابيع المقبلة، وفي غضون ذلك توقفت العيادات فيها عن إجراء عمليات الإجهاض، كما هو الحال في تكساس أكبر الولايات الأمريكية، حيث بات يتعين على النساء الراغبات في الإجهاض قطع مئات الأميال للوصول إلى أقرب عيادة في ولاية نيو مكسيكو.
جينيفر لوكوود شبات، امرأة تبلغ من العمر 49 عاما، وأم لبنتين، عبرت عن حزنها جراء القرار بالقول باكية: “من الصعب أن نتخيل العيش في بلد لا يحترم المرأة كبشر وحقها في السيطرة على جسدها”.
في المقابل، لم تخف غوين تشارلز البالغة من العمر 21 عاما، ابتهاجها، فقالت إن “هذا هو اليوم الذي كنا ننتظره… ندخل في ثقافة جديدة للحياة في الولايات المتحدة”.
من المرجح أن يؤدي قرار المحكمة العليا إلى سنّ مجموعة قوانين جديدة في نحو نصف الولايات الأمريكية الخمسين، ستقيد بشدة عمليات الإجهاض أو تحظرها تماما وتجرمها، ما سيجبر النساء على السفر لمسافات طويلة إلى الولايات التي لا تزال تسمح بهذا الإجراء.
ورفضت المحكمة الحجة التي استندت إليها قضية “رو ضد واد” ومفادها أن للنساء الحق في الإجهاض على أساس الحق الدستوري في الخصوصية على أجسادهن.
وبعد ساعات فقط، حظرت ولاية ميسوري الإجهاض بدون استثناء الحمل الناتج عن الاغتصاب أو سفاح القربى، وكذلك فعلت ولاية ساوث داكوتا باستثناء الوضعيات التي تكون فيها حياة الأم في خطر، وتعبيرا منه عن تأييده للقرار، قال المدعي العام في ولاية ميسوري إريك شميت “هذا يوم تاريخي لقدسية الحياة”.
في قسم من البلاد، ستُجبر النساء الراغبات في الإجهاض على مواصلة حملهن أو الإقدام على الإجهاض سرا، لا سيما عن طريق الحصول على حبوب الإجهاض عبر الإنترنت، أو السفر إلى ولايات أخرى تسمح به.
وتوقعا لتدفق عدد كبير من الراغبات في الإجهاض، اتخذت تلك الولايات وغالبيتها ديموقراطية، تدابير لتسهيل الإجهاض على أراضيها وبدأت العيادات في تعزيز مواردها من الموظفين والمعدات.
لكن المدافعين عن حق الإجهاض يقولون إن السفر مكلف وسيؤثر قرار المحكمة العليا خصوصا على النساء الفقيرات والعازبات وأعدادهن كبيرة في صفوف الأقليات السوداء وذات الأصول اللاتينية.
ويتوج قرار المحكمة العليا 50 عاما من الجهود التي قادها اليمين الديني الذي اعتبره نصرا كبيرا، لكنه لن يتوقف عند هذا الحد، إذ سيواصل التعبئة لحظر الإجهاض في أكبر عدد ممكن من الولايات ولإصدار قرار يحظره في كامل البلاد.
ولم يتأخر الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب في الإشادة بالحكم، فقال معلقا عليه: “الله اتخذ القرار”، حيث كان له دور كبير في القرار، فقد عين خلال ولايته 3 قضاة محافظين في المحكمة العليا ما جعل نظراءهم الليبراليين أقلية داخلها.
من جهتها، وصفت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي الحكم بأنه “شائن ويدمي القلب”، بينما تعهدت منظمة “الأبوة المخططة” الرائدة في مجال دعم حقّ الإجهاض بـ”عدم الكف أبدا عن النضال”، واعتبر الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما أن الحكم “هجوم على الحريات الأساسية لملايين الأمريكيين”.
اعترض القضاة الثلاثة الليبراليون في المحكمة العليا على الحكم الذي جاء غداة إصدارها قرارا بتكريس حق المواطنين في حمل مسدس في الأماكن العامة.
وقالوا منتقدين: “أيا كان النطاق الدقيق للقوانين المقبلة، فإن نتيجة قرار اليوم المؤكدة هي تقييد حقوق المرأة”، وحذروا من أن مقدمي خدمات الإجهاض قد يواجهون الآن عقوبات قانونية وأن “بعض الولايات لن تقف عند هذا الحد”.
وأضافوا “ربما في أعقاب قرار اليوم، قد يجرم قانون ولاية سلوك المرأة أيضا، وسجنها أو تغريمها لجرأتها على السعي للإجهاض أو إجرائه”.
ويتعارض قرار المحكمة مع التوجه الدولي لتخفيف قوانين الإجهاض، بما في ذلك في دول مثل إيرلندا والأرجنتين والمكسيك وكولومبيا حيث لا يزال للكنيسة الكاثوليكية نفوذ واسع.