كارم يحيى يكتب: عن الزميل “عماد الفقي” وتاريخ القسوة في “الأهرام” .. 8- العلاقة المريضة مع السلطة والاغتراب مع الواقع؟
الصحيفة تتجاهل الأحداث الهامة محليا وعالميا.. بداية من مانشيتات أعداد ثورة يناير وحتى حرب أوكرانيا
الزميلة شيرين المنيري.. شكت اغتراب “الأهرام” عن الحياة حولها وانحازت للثورة.. فتم التشهير بها
شهداء “الأهرام” في الثورة وما تلاها طالهم الاغتراب.. غابت الصفحات عن نشر التحقيقات والمتابعة
إدارة المؤسسة تتم في غياب الديموقراطية والشفافية وشاع الخلط بين الإعلان والتحرير على صفحاته
رحم الله
الأستاذ عماد الفقي
زميلي في “الأهرام”
وغفر له ..
موجع رحيله على هذا النحو المؤلم الصادم.
الانتحار في حد ذاته موجع .
فما بالنا بالانتحار من مبنى الأهرام فجرا وعلى هذا النحو بالغ البشاعة .. والقسوة أيضا .
*
حمل مانشيت عدد “الأهرام” 24 فبراير 2022 عبارة من كلمتين اثنتين :”مصر بخير”. وأسفله فوق متن الموضوع الإخباري ثلاثة عناوين بطول الثمانية أعمدة :” الرئيس خلال جولته بالكلية الحربية:”، ثم ” لست بعيدا عن أحوال الناس و أعلم حجم المعاناة والظروف الصعبة”، ثم أخيرا : “زراعة مليوني فدان جديدة بالقمح خلال عامين .. والدولة تتدخل بقوة لتوفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة”. وفي الصفحة نفسها وفي القاع تماما خبر على عامودين اثنين لا غير بعنوان :” أوكرانيا تعلن الطوارئ وتستدعي الإحتياط”.
سألت نفسي عندما طالعت عناوين الجريدة في صباح هذا اليوم و على هذا النحو عند أحد باعة الصحف بالقاهرة عن رد فعل القراء فيما الأخبار في العالم كله قبل ساعات تتصدرها تطورات الأزمة في أوروبا وتحرك القوات الروسية لغزو أوكرانيا؟.. وبالأصل فيما يمكنه أن يقول بينما يكتوى بنار الغلاء وارتفاع الأسعار إثر التخفيض السابق في سعر الجنيه المصري قبل نحو شهر واحد؟. ناهيك عن توالي الوعود على مدى عقود وسنوات عن استصلاح ملايين الأفدنة بدون متابعة صحفية تدقق وتمحص في الوفاء بهكذا وعود أصبحت مستهلكة عند المصريين.
*
وهكذا يستمر “الأهرام” في اغتراب عن الواقع والقارئ والمهنة. اغتراب عن الواقع المحلي والإقليمي والعالمي .اغتراب جراء علاقة مريضة مختلة مع السلطة السياسية .. فمتى يشفى ؟. وكأنه لا يكفي اغتراب العمل والاغتراب مع المنتج الصحفي الذي يعانيه صحفيوه، وبخاصة ممن بقيت عندهم جذورة من ضمير. وهنا لابد للعودة بالذاكرة إلى صباح يوم 26 يناير 2011 حين كان مانشيت الصفحة الأولى:”احتجاجات واضطرابات واسعة في لبنان”. وقد جرى الدفع بخبر إنطلاق أحداث الثورة إلى الأسفل بعنوان مبهم مضلل، هو: “مظاهرات حاشدة بالقاهرة والإسكندرية .. استشهاد مجند أمن مركزي بالقاهرة وشابين بالسويس والداخلية تدعو لإنهاء التجمعات”، وحتى إلى أسفل خبرين اثنين. أولهما بعنوان “رشيد: لانرغب في إتفاق تجارة حرة مع أمريكا”. و الثاني متابعة لحوار نشره “الأهرام” في العدد السابق مع وزير داخلية مبارك اللواء “حبيب العدلي “. ويحمل الخبر عنوان :” اهتمام إعلامي كبير بحوار الأهرام مع العادلي “.
ولم يكتف المسئولون عن ” أهرام ” الأربعاء 26 يناير 2011 بإخفاء حقائق عاشها وعاينها عدد من صحفيه في ميدان التحرير، وإلى حين جرى تفريق الآلاف من الميدان بالقوة المفرطة بعد منتصف الليل أو الشعارات المرفوعة طلبا لرحيل ” مبارك ” ونظامه. بل بالغ ” الأهرام” في التزييف حد نشر خبر إلى جوار هكذا تغطية عن المظاهرات، فجاء عنوانه و باللون الأحمر:” شيكولاته وورود في عيد الشرطة”. ويتحدث عن تبادل المواطنين مع رجال الشرطة وقياداتها مشاعر الحب.( مرفق مع هذا المقال صورة ضوئية من الصفحة الأولى لعدد 26 يناير 2022).
ومن يتابع صفحات “الأهرام” خلال أيام الثورة حتى تنحى مبارك في 11 فبراير 2011 يدرك مدى معاناة جريدة “الأهرام” وصحفييها الاغتراب تجاه ما يجرى في الحياة المصرية خارجها ،وعلى مقربة في ميدان التحرير. وهو اغتراب تتفاوت ردود فعل صحفييه إزاءه حسب مواقعهم من السلطة داخل المؤسسة وخارجها بين ممعن في التزييف والتزوير و غير المكترث، ناهيك عن المتألم والمندهش في صمت مع همهمات خفيضة آسفة ساخرة.
*
رحم الله الزميلة الأستاذة “شيرين المنيري”، فقد كانت بدورها تشكو اغتراب “الأهرام” عن الحياة حولها، كما عاصرتها وعاشتها هي. ولقد تعرضت جراء إنحيازها لثورة الشعب المصري يناير/ فبراير 2011 إلى حملة تشهير قاسية من زملاء لها من المتورطين في صناعة الزيف داخل الصحيفة والمؤسسة. ورحلت عنا في أبريل 2017 عن عمر يناهز خمسين عاما، وبعدما عانت سنوات من مرض دمر جهازها العصبي. وقد ذكرتها وذكرتني بمزيد من وقائع اغتراب ما يجرى نشره في “الأهرام” عن الحياة المصرية وعن صحفييه أنفسهم عندما كتبت ونشرت في موقع “البديل” الإلكتروني يوم 27 يناير 2011 مقال ” سلطة أمن الدولة على صحافتنا المصرية”، وقد جاءت به الفقرة التالية :
ـ ” في سبتمبر الماضي فقط ( عام 2010) ، تعرضت زميلتي بجريدة (الأهرام)الأستاذة “شيرين المنيري ” و أخريات وآخرين إلى الضرب والسحل في الشارع على أيدي الشرطة لمجرد المشاركة في وقفة إحتجاجية سلمية محدودة في ميدان عابدين بقلب القاهرة . وقدمت الزميلة على إثرها بلاغا للنائب العام.فماذا كانت تغطية “الأهرام” التي تعمل بها ، و معها أكبر جريدة خاصة في البلد” المصري اليوم ” ؟ .لا شئ .. وراجعوا لتعلموا كيف تصرف زملاء المهنة الذين يعلمون و يمتلكون سلطة النشر؟. وراجعوا لتعلموا كيف صمت مجلس نقابة الصحفيين والنقيب؟. وبالطبع لم تكن هذه هي الواقعة الوحيدة . فهناك تراث طويل من تشويه المعلومات وحجبها فيما يتعلق بالتعامل الشرس وغير القانوني للشرطة مع الصحفيين، ناهيك بالمواطنين البسطاء أصلا . و يحضرني هنا أن عددا من الصحفيين ـ كنت من بينهم ـ تقدموا في مارس 2003 ببلاغ إلى النائب العام يطلبون التحقيق في اعتداء الشرطة على الصحفيين أثناء قيامهم بواجبهم المهنى في تغطية تفاعل المصريين مع الغزو الأمريكي للعراق. كما عرض الصحفيون على النائب العام ـ المعين بقرار من رئيس الجمهورية ـ التقدم بشهادات وصور تكشف تورط عملاء الأمن في حرق سيارة مطافئ بالقرب من المقر الرئيسي للحزب الحاكم على كورنيش النيل بالقاهرة . وهي الواقعة التي جرى استغلالها دعائيا على نطاق واسع لمحاولة إلصاق تهمة التخريب زورا بالمتظاهرين. فماذا كان مصير البلاغ ؟.. وكيف كانت تغطية صحفنا ومتابعتها له ؟. مرة أخرى لاشئ.. لا شئ مطلقا”.
ويمتد الاغتراب المجسد والمحفوظ بصفحات ” الأهرام ” ليضرب حتى صحفييه الشهداء. و”للأهرام” نصيب لافت من الشهداء منذ إندلاع ثورة يناير 2011. وتحديدا لديه اثنان من 12 صحفيا شهيدا (*) ، وهما الزميلان الأستاذان : أحمد محمود بخيت في 4 فبراير 2011 بوسط القاهرة، و تامر عبد الرؤوف بمدينة دمنهور في 19 أغسطس 2013. وإذا كانت صفحات ” الأهرام ” تخلو من متابعة للتحقيقات في مقتلهما و الالحاح على ضمان عدم الإفلات من العقاب في قتل الصحفيين، فإن العودة إلى أرشيفات الصحيفة تفيد هامشية الاهتمام بالحدثين بالأصل. واعتقد أن حدث استشهاد صحفي ينتسب لجريدة يتطلب في المعتاد وبالضرورة تخصيص الافتتاحية أو واحدة من افتتاحياتها للحدث ولتأبين الزميل الشهيد والحديث عن مخاطر المهنة. ولن نتحدث عن استهداف الصحفي كناقل للحقيقة بحكم أن المتهم في قتل زميلنا الشهيد الأول هو الشرطة، فيما اعترف المتحدث باسم القوات المسلحة بإطلاق كمين بعد دخول حظر التجول النار على زميلنا الشهيد الثاني، مع الوعد بجراء تحقيق لم نشهد متابعة له على صفحات “الأهرام” لاحقا.
في حالة الزميل الشهيد الأول، ينشر “الأهرام ” متأخرا وبعد سبعة أعداد عن اصابته برصاص نقيب شرطة صورته كاميرا هاتفه المحمول خبر وفاته على عمودين أسفل الصفحة الأولى في عدد السبت 5 فبراير 2011 تحت عنوان :” وفاة الزميل أحمد محمود متأثرا بإصابته في المظاهرات”. في الأعداد السابقة منذ إصابته يوم 29 يناير لا كلمة واحدة عنه أو متابعة لحالته الصحية. أما خبر الوفاة الذي لم يستغرق سوى ستة أسطر فلم يستخدم مصطلح ” الشهيد”، ولم يشر إلى مسئولية قوات الأمن عن استهدافه أو إصابته أو أي تحقيقات في ملابسات القتل. ولاشئ لاحقا عن استشهاد الزميل أحمد محمود، ولا تغطية ولو بكلمة لجنازة الغائب التي نظمها زملاؤه الصحفيون من مقر نقابتهم إلى ميدان التحرير يوم 7 فبراير 2011. فقط في اليوم التالي 8 فبراير 2011 تحضر ضمن عامود رأي الزميل الأستاذ “فتحى محمود” بالصفحة السابعة وبدون عنوان يلفت الانتباه للأمر هذه الكلمات :
“* القناص الذي أطلق الرصاص على زميلنا الراحل أحمد محمد محمود وهو يحاول تصوير الاعتداء على المتظاهرين لن يستطيع قتل الحقيقة”.
أما في حالة شهيد “الأهرام” الثاني الزميل الأستاذ “تامر عبد الرؤوف” مدير مكتب الجريدة في محافظة البحيرة فلا إشارة مطلقا في الصفحة الأولى. ولقد انتظرخبر استشهاد الزميل لينشر في الصفحة الرابعة ومع النصف الأسفل منها. ويحمل عنوان :” الأهرام ينعي الزميل تامر عبد الرؤوف”. وثمة هنا تقدم ما باستخدام فعل ” استشهد “. لكن تستبقه والتحقيقات عبارة تبريرية هي ” في ظل الظروف المضطربة التي تعيشها البلاد”. كما يلجأ الخبر إلى فعل المبني للمجهول للتغطية على إطلاق النار من جانب كمين للقوات المسلحة على الزميل تامر حين يقول :” أثناء مروره ( بالسيارة ) من كمين بالمدخل الجنوبي لمدينة دمنهور أطلقت عليه النيران بطريق الخطأ فاستشهد على الفور”. وهذا مع أن الجريدة تنشر إلى الأسفل مباشرة وتحت عنوان ” القوات المسلحة تقدم التعازي للجماعة الصحفية” وعن صفحة المتحدث باسم القوات المسلحة اعترافا بالمسئولية عن الوفاة ” لخرق حظر التجول وعدم الامتثال المتكرر لنداءات القوات المسلحة المتكررة”، مع قول المتحدث بأن هناك تحقيقا يجرى حول ملابسات وظروف الحادث بواسطة الجهات المختصة.
وفي عدد 25 أغسطس 2013 خبر بمنتصف الصفحة التاسعة ( المحافظات ) بعنوان :” إطلاق اسم الشهيد تامر عبد الرؤوف على أكبر ميادين دمنهور”.وعلما بأن الزميل استشهد بعدما كان مضطرا وفاء بواجبات العمل الانتهاء من تغطية نشاط لمحافظ البحيرة ، والذي كرمه باطلاق اسمه على هذا الميدان.
.. ثم سرعان ما ابتلع النسيان شهيدي “الأهرام”، فلا متابعة لنتائج التحقيقات ولا لبيانات أو تغطية لأنشطة شهدتها نقابة الصحفيين بشأنهما. كما لاتحتفظ أي من جدران مبانى مؤسسة “الأهرام” الداخلية بأي صور للشهيدين، أو لشهداء آخرين من العاملين قضوا خلال أحداث الثورة.
*
وواقع الحال، يمكن رصد تاريخ طويل حافل من التنكر للحقائق وتزييفها والتجنى على العديد من فئات المجتمع على صفحات ” الأهرام ” المختطف لحساب المصالح الشخصية لقياداته المتشابكة مع السلطة السياسية ورجالها، و في سياق مجتمع متخلف و سلطات حاكمة مستبدة توالت على مصر. وأكتفى هنا بنشر مخاطبة من رئيس نادي القضاة الأسبق المستشار الجليل زكريا عبد العزيز معززة بالوثائق إلى رئيس تحرير “الأهرام” بتاريخ 12 ديسمبر 2006 تطلب تصحيح خبر منشور في اليوم ذاته يستهدف تشويه النادي وتحركه من أجل استقلال القضاء والقضاة، وذلك بإدعاء رفضه رقابة الجهاز المركزي على ميزانيته. لكن وللأسف لم يحترم “الأهرام ” إعمال الحق القانوني في التصحيح، وذلك إتساقا مع حملته ضد حركة استقلال القضاء لصالح تغول السلطة السياسية / الأمنية.
*
ولعل اغتراب “الأهرام” ـ كما تعكسه صفحاته ومطبوعاته ـوفق أوضحناه في بعض الأمثلة هنا ـ يغلق ويحكم دائرة اغتراب العمل واغتراب الصحفي عن منتجه. وبعيد الإطاحة بالطاغية “حسني مبارك” كان أمام أحد أجيال الجريدة والمؤسسة فرصة لمواجهة هذا الاغتراب ومحاولة معالجته. لكن سرعان ما اتضح ضعف قوى التصحيح والتغيير داخله وتخليها عن مواصلة الضغط والمثابرة. فبعد محاولات استمرت أسابيع عدة ومع تولى قيادة جديدة للمؤسسة ( المرحوم الأستاذ لبيب السباعي) ورئاسة تحرير الجريدة اليومية ( الأستاذ عبد العظيم حماد) تم رفض نشر بيان ” اعتذار وتوضيح من صحفيي الأهرام ” كان قد وقع عليه نحو ثلثمائة صحفي. وسرعان ما عاد الاغتراب عن الحياة خارج جدران وأوراق “الأهرام” مع ممارسات انتهاك حقوق القراء و الزملاء، مع العدوان على اخلاقيات المهنة.
وفيما يلي نص بيان الاعتذار والتوضيح والذي تحفظه صفحات كتابي ” تمرد في الثكنة : عن الصحافة المصرية وثورة 25 يناير ” المنشور في القاهرة عام 2012 ، ص 84 و85:
اعتذار وتوضيح
من صحفيي “الأهرام”
يعتذر صحفيو ” الأهرام ” الموقعون على هذا البيان للقارئ والشعب المصري العظيم على السياسة التحريرية غير المهنية وغير الأخلاقية التي اعتمدتها قيادة المؤسسة والصحيفة في تغطية ثورة 25 يناير 2011 . وهي السياسة التي أساءت الى سمعة “الاهرام”ومكانته في الداخل والخارج .
ويوضح الصحفيون أن ” الأهرام ” عاش على مدى عشرات السنين من حكم الاستبداد والفساد رهينة قيادات اختيرت على اسس غير مهنية ، وحيث كان المعيار هو الولاء للحاكم الفرد و اسرته و للحزب الحاكم و لأجهزة الأمن . وفي ظل هذه الظروف الخانقة جرى تغييب الحقائق وتزييف المعلومات و أصبح الرأي مقيدا على صفحاته ، واخففت الجريدة في ان تعكس تنوع وحيوية الآراء والاتجاهات في المجتمع . بل و تدهور الأداء المهني الى حد ارتكاب اخطاء إملائية ومطبعية في صفحاته الأولى ،ودون ان تعرف قيادة المؤسسة والجريدة فضيلة الإعتذار للقارئ.
و يوضح الصحفيون ان أبناء المؤسسة انفسهم دفعوا ثمن هذه السياسات المشينه من تفاوت رهيب في الأجور والدخول .كما ان العديد من الكتاب والصحفيين عانوا من ” حرمان مهنى ” ، حيث احتكر نفر من المقربين للنظام الدكتاتوري بحاكمه الفرد واسرته و حزبه الحاكم واجهزة امنه مساحات النشر و حجبوا فرصه عنهم ، ومارسوا رقابة كريهة على المعلومات والآراء وقمعوا حرية زملائهم في التعبير.
وكغيرها من مؤسسات الدولة فقد أدير “الأهرام ” في غياب الديموقراطية والشفافية والرقابة الماليه الفعالة ، في ظل حديث عن فساد ونهب وامتيازات بالمخالفة للقانون وبغير وجه حق . بل شاع الخلط بين الإعلان والتحرير على صفحات ” الأهرام ” ومطبوعاته الأخرى وعمل محررون كمستشارين لوزراء و رجال اعمال وشركات و مصالح محلية واجنبيه في انتهاك سافر للقانون وميثاق الشرف الصحفي .
ولقد نهض عشرات من صحفيي “الأهرام” كصوت ضمير فاصدروا بيانا للرأي العام في 30 يناير الماضي يتبرأون فيه من سياسة التحرير و يتبنون مطالب الثورة كاملة . لكن قيادة ” الأهرام ” امعنت في غيها و اصدرت تكذيبا لم يكن هو إلا الكذب بعينه. كما شارك العديد من صحفيي “الأهرام ” زملاءهم في المؤسسات الصحفية القومية الأخرى في التقدم ببلاغ الى النائب العام في 9 فبراير الماضي يطالبه بمنع رؤساء الادارة والتحرير الحاليين والسابقين في عهد مبارك من السفر احترازيا و التحقيق في مشروعية ثرواتهم .
و يتعهد الصحفيون بالعمل على اصلاح شأن مؤسستهم و اعادة المصداقية الى ” الأهرام ” في ظل هذه الثورة العظيمه،وأن تنحاز المؤسسة واصداراتها الى الشعب ، تعكس حضارته وتنوع اتجاهاته ،لا أن تكون بوقا لأي حكومة أو حاكم . وهم على وعي بأن ” الأهرام ” يحتاج الى تغيير في السياسات و المنهج لا الوجوه فقط من أجل مشاركة المصريين في بناء دولة مدنيه ديموقراطية ومجتمع الحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الانسانية والوطنية .
*
أخشى أن يتلاشى الاهتمام بحدث انتحار زميلنا الأستاذ ” عماد الفقي”، وينتهى بعد أيام أو أسابيع إلى لا شئ .. إلى النسيان. حقا.. جرأ الحدث العديد من الزميلات والزملاء على البوح عن بؤس أحوالهم الاقتصادية وعلاقات العمل وبيئتة غير الصحية غير السوية، وكذا البوح بشأن بؤس النشر ، بل وانعدامه مع تغييب المهنية ليس في الأهرام وحدها . بل في عموم الصحافة المصرية التي يبدو أنها تعيش السنوات الأسوأ بعد انكسار ثورة يناير بحلول صيف 2013 وماتلاه. لكني أخشى من عودة ” للاشئ” وللنسيان، حتى نفاجأ مستقبلا وقريبا أننا أمام مأساة أكثر من “عماد” هنا وهناك .
(*) اسماء بقية الشهداء هي: وائل ميخائيل ( الطريق / مذبحة ماسبيرو 9 أكتوبر 2011 )، و الحسيني أبو ضيف ( الفجر / قرب قصر الاتحادية بضاحية مصر الجديدة بالقاهرة 12 ديسمبر 2012 ) ، و صلاح الدين حسن ( شعب مصر/ مدينة بورسعيد 29 يونيو 201 )، و أحمد عاصم السنوسي ( الحرية والعدالة/ قرب نادي الحرس الجمهوري شرقي القاهرة 8 يوليو 2013)، و نيك ديني ( سكاي نيوز/ رابعة العدوية شرقي القاهرة 14 أغسطس 2013)، وأحمد عبد الجواد ( الأخبار/ رابعة العدوية 14 أغسطس 2013)، و مصعب الشامي ( شبكة رصد / رابعة العدوية 14 أغسطس 2013)، ومحمد حلمي ( مصور صحفي متعاون مع قناة الجزيرة / حي عين شمس شرقي القاهرة 25 يناير 2014 )، ومحمد الدوح ( شبكة نبض الإخبارية / حي الدقي بالجيزرة 28 مارس 2014) ، وميادة الشرقاوي ( الدستور/ حي عين شمس ، 28 مارس 2014 ). وهذا وفق ما أحصاه الكاتب في ورقة بحثية بعنوان ” حرية التعبير في الصحافة المصرية بعد ثورة 25 يناير : ظواهر وأفكار وتجارب للنقاش مع تمرين على النقد الذاتي ” المقدمة إلى مؤتمر الإعلام والحريات في المنطقة المغاربية المنعقد في الرباط ( المغرب) يوم 24 يناير 2015 .