مقعد شاغر على مائدة رمضان| أكثر من 24 ألف ساعة غياب لهشام فؤاد.. وزوجته: مجبرون على تمرير الأيام
مديحة: ثالث رمضان يمر علينا دون هشام.. معاناتنا في ازدياد والمناسبات لم يعد لها طعم في غيابه
أدعو الله أن يعيد هشام وزملائه إلى أحضان أسرهم وأحبابهم في أقرب وقت.. ويلهمهم السلام النفسي لمواجهة حالة الجنون التي نعيشها
كتب- محمود هاشم
ما أصعب الانتظار على السجناء والمحبوسين، وما أقساه على ذويهم الذين يعيشون على أمل خروج ذويهم بعد أشهر وسنوات من المعاناة في غيابهم، بينما يأتي شهر رمضان وتتوق إليهم مقاعدهم الفارغة على موائد أسرهم، لتعود معها البهجة الغائبة، في الوقت الذي تنشغل الأيدي بالابتهال لعودتهم، وإعداد وجبات الإفطار لتسليمها لهم بوجوه تكسوها الحسرة، في أقرب زيارة لها خلف القضبان.
1016 يوما مروا على الصحفي والمناضل الاشتراكي هشام فؤاد وهو قابع خلف القضبان في محبسه، بينما يزداد نزيف الروح وتتدهور الصحة وتزداد الأوضاع صعوبة. 1016 يوما تمثل 24384 ساعة غياب منها نحو 1500 ساعة في رمضان خلال السنتين الماضيتين، وها هو رمضان الجاري يحل وما يزال مقعده شاغرا.
“هذه هو ثالث رمضان يمر وعلينا ونحن في المأساة نفسها، بل يزداد الوضع سوءا مرة تلو الأخرى، وما يزيد معاناتنا هو صدور حكم بحبس هشام لمدة 4 سنوات على ذمة القضية 957 لسنة 2021 المعروفة باسم “قضية الإيحاء”، وهي القضية المنسوخة من “قضية الأمل” التي حملت رقم 930 لسنة 2019، التي ما تزال مستمرة هي الأخرى”، تروي الزميلة مديحة حسين لـ”درب” معانتها وأسرتها في ظل مرور ما يقارب 3 سنوات على حبسه.
تشعر مديحة بقسوة الوضع الحالي – خاصة في شهر رمضان – للمحبوسين وذويهم، مؤكدة أنه كلما ازدادت مدة الغياب كانت أكثر إيلاما، خاصة مع الصادرة ضدهم أحكام قاسية تزيد من نزيف أعمارهم داخل السجون، فبينما كانوا يمنون أنفسهم بخروج مرتقب، باتوا أمام حقيقة صادمة تفرض عليه التكيف الإجباري مع أوضاعهم وتمرير الأيام على أمل حدوث أي انفراجة.
وتوضح: “عندما يكون يسافر شخص عزيز لديك تشعر بافتقاده، لكنك تمتلك القدرة على الاتصال به والاطمئنان عليه، فما بالك بالسجين المحروم أحبابه ومن حريته، ويفتقد أدنى طرق التواصل مع ذويه، إلا على مدار فترات طويلة متفاوتة، لم يعد هناك شيء مثل السابق، حتى رمضان وجميع المناسبات لم نعد نشعر بطعمها في غياب هشام طوال هذه المدة”.
آخر مرة رأت فيها مديحة زوجها الصحفي المحبوس كانت الأحد قبل الماضي – مع بداية إضراب أحمد دومة وزياد العليمي وأحمد سمير سنطاوي عن الطعام قبل أن يقرروا إنهاء إضرابهم بعد وعود بالاستجابة لمطالبهم المشروعة بتحسين أوضاعهم، وهي الحقوق المنصوص عليها في لائحة السجون – حينها حكى لها عن استنكاره وزملائه المحبوسين للأوضاع التي يعانون منها داخل محبسهم، بينما من المقرر أن تزوره الأحد المقبل، ضمن الزيارات الاستثنائية للمحبوسين، بينما تشعر بثقل الزيارة هذه المرة، حيث تترقب مقابلته من وراء الأسلاك، بينما تشرد عيناها نحو مقعده الشاغر على مائدة الإفطار، التي طالما كان عامرا بوجوده.
وجهت مديحة رسالة إلى هشام وزملائه المحبوسين، قائلة: “أدعو الله أن يعيدهم إلينا وإلى أحضان أسرهم وأحبابهم في أقرب وقت، وأن يعينهم على تحمل الأوضاع التي يعانوها، ويلهمهم السلام النفسي في ظل حالة الجنون التي نعيشها حاليا، وينجيهم وينجينا نحن أيضا”.
يذكر أن الزميل هشام فؤاد من عائلة لها تاريخ وطني وسياسي مشرف وتمتلك سجلي نضالي عظيم، فوالده هو المناضل الكبير فؤاد عبد الحليم الذي سجن لمدة 10 سنوات كاملة لكفاحه ضد الاستبداد والظلم ومطالبته بحقوق الفقراء والعمال والفلاحين، وعمه الشاعر والأديب والروائي والمحامي الكبير كمال عبد الحليم، من أبرز القادة التاريخيين لمنظمة “حدتو” في مصر التي شاركت في التحضير لثورة 23 يوليو 1952 وفي تنفيذها، وعمه الثاني هو الصحفي الكبير إبراهيم عبد الحليم رئيس تحرير دار الهلال الأسبق.
واشتبك فؤاد خلال عمله الصحفي بملف العمال، وكان مهموما بقضاياهم ونقل أصواتهم من خلال تغطية أخبارهم والإضرابات التي يقومون بها من حين لآخر، وكان له دور بارز في دعم النقابات المستقلة بعد 2006 مثل نقابة “هيئة النقل العام، والبريد”، بجانب دعم وتأسيس “النقابة المستقلة للضرائب العقارية”، كما شارك هشام في تأسيس حركة كفاية المناهضة لحكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك التي كانت ضد التوريث وكان أحد العناصر القيادية بها.
لم يغب فؤاد عن أي فاعلية أو حدث يهم الصحفيين أو العمال أو يتعلق بأي من قضايا الوطن، شارك في تأسيس اللجنة القومية للدفاع عن الفلاحين عام 1997 ضد قانون الإصلاح الزراعي، وفي 2003 كان أحد مؤسسي حركة “مناهضة الحرب على العراق”، وتجده حاضرا في ثورة 25 يناير وما قبلها وما بعدها، وفي مطلع صفوف رافضي بيع جزيرتي تيران وصنافير، وفي كل خطوة على طريق قضايا الوطن.
وألقت قوات الأمن القبض على فؤاد فجر 25 يونيو 2019 من منزله أمام أطفاله، وذلك بالتزامن مع القبض على الصحفي حسام مؤنس أيضا. عقب ذلك توقيف المحامي الحقوقي زياد العليمي في أحد شوارع حي المعادي واعتقاله هو الأخر دون الكشف عن أسباب الاعتقال، بالإضافة إلى رامي شعث، منسق حركة “بي دي أس- مقاطعة إسرائيل”، الذي اعتقلته قوات الأمن وظل رهن الاختفاء القسري لمدة أسابيع، قبل ظهوره في نيابة أمن الدولة بعد ذلك متهما على القضية نفسها، والذي تم إطلاق سراحه في يناير 2022.
وفي اليوم التالي مباشرة، ظهر جميع المعتقلين في نيابة أمن الدولة العليا، يجري التحقيق معهم على ذمة قضية حملت أرقام 930 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، والتي عرفت بعد ذلك باسم “تحالف الأمل”، وحصلوا جميعا على 15 يوما في الحبس الاحتياطي، قبل أن يتواصل حبسهم حتى الآن.
وفى ١٤ يوليو ٢٠٢١، صدر أمر بإحالة هشام فؤاد وزياد العليمى وحسام مؤنس للمحاكمة أمام محكمة جنح أمن الدولة طوارىء، وتحددت جلسة عاجلة لمحاكمتهم فى اليوم التالى مباشرة، رغم أنهم مقبوض عليهم منذ أكثر من سنتين على ذمة تحقيقات القضية ٩٣٠ لسنة ٢٠١٩ حصر أمن دولة، والتى تم سلخ الجنح منها.
وأصدرت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ في 17 نوفمبر 2021 حكمها بحبس كل من زياد العليمي 5 سنوات وللصحفيين حسام مؤنس وهشام فؤاد 4 سنوات و3 سنوات مع الشغل لـ حسام عبد الناصر ومحمد بهنسي، و3 سنوات غيابيا على النقابية فاطمة رمضان وغرامة 500 جنيها لكل منهم بتهمة نشر أخبار في الداخل والخارج .
وجرت المحاكمة أمام محكمة استثنائية وتخللت المحاكمة التي استمرت أكثر من 4 اشهر العديد من المخالفات بينها رفض المحكمة لجميع طلبات المحامين المقدمة لها ومنها طلب الاطلاع على القضية، وتمثلت أحراز القضية في مجموعة من المقالات ومقاطع الفيديو والتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها يعود لسنوات . ورغم طعن المحامين بسقوط الاتهامات وعدم وجود أدلة فنية تؤكد نسب التدوينات المنشورة للمتهمين وطعن المحامين على التلاعب بمقاطع الفيديو فإن المحكمة التفتت عن كل ذلك لتصدر حكمها.
وتنص المادة 71 من الدستور المصري على أنه “لا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون”، وهو نفس نص المادة ٢٩ من قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم ١٨٠ لسنة ٢٠١٨.
وكان المحامون قد طعنوا بعدم دستورية مواد الاحالة وعدم دستورية محاكمة مؤنس وفؤاد أمام محكمة استثنائية منشأة بقانون الطوارئ والذي تم وقف العمل به خلال نظر القضية وهي الدفوع التي تم الالتفات عنها أيضا.
وأطلق نشطاء وحقوقيون وشخصيات عامة في وقت سابق حملة توقيعات على خطاب مفتوح موجه إلى رئيس الجمهورية لإلغاء أحكام محاكم الطوارئ ضد سجناء الرأي، وحفظ الدعاوى وإطلاق سراحهم. ورصد الخطاب المفتوح لرئيس الجمهورية، ما قال إنه “ضمانات محاكمة عادلة افتقدتها محاكمة المتهمين، مثل حقهم في الحصول على دفاع فعّال، حيث لم يتاح لمحاميهم الحصول على نسخة من أوراق القضية لتحضير دفوعهم أو التواصل الفعّال مع موكليهم”.
وأضاف الخطاب: “لم تنصت المحكمة لطلبات المتهمين المتمثلة في الحصول على نسخة ضوئية من أوراق القضية التي تجاوزت الألف صفحة للاطلاع عليها وتحضير الدفوع، كذلك، صدرت إدانتهم من قبل محكمة، أحكامها نهائية لا يجوز الطعن عليها بطرق الطعن التي يكفلها القانون المصري في المحاكمات الطبيعية، وهي جميعًا خروقات أخلت بشكل صارخ بحق المتهمين في محاكمة عادلة وفقًا للدستور المصري وللمعايير الدولية”.
وجاء أيضا في الخطاب، أن “هؤلاء جميعا قد أمضوا رهن الحبس الاحتياطي ما يزيد عن العامين بالفعل، وهو الأمر الذي يتنافى مع قواعد العدالة ويجافي ما أعلنتموه من مرتكزات ومبادئ سوف تتبع في تطبيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أعلنت منكم في 11 سبتمبر المنصرم”.
واختتم الموقعون على الخطاب والعريضة “أن الاتهامات الموجهة لهم في كلا القضيتين لا يعدو كونه تعبيرا عن الرأي، وأن جميعهم ما عرف عنهم سوي حبا وتضحية وانتماء لوطنهم وشعبهم، لذلك، نطالبكم بإلغاء أي أحكام إدانة صدرت ضد المذكورين أعلاه، وحفظ الدعاوى ضدهم، وإطلاق سراحهم”.
وفي 28 ديسمبر الماضي، قال المحامي الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق، خالد علي، إنه تم التصديق على الحكم الصادر بحق هشام فؤاد وزياد العليمي وحسام مؤنس منذ 24 نوفمبر 2021.
وأضاف خالد علي، في تصريح لدرب، “تم التصديق على حكم هشام وزياد وحسام منذ ٢٤ نوفمبر ٢٠٢١، وسوف يتم إعلانهم بالحكم في محبسهم، وسيرتدون الزي الأزرق بدلاً من الأبيض في اليوم التالي لإعلانهم بالتصديق”.