مقعد شاغر على مائدة رمضان| محمد صلاح.. عامان ونصف من الغياب “الاضطراري” ووعود الإفراج (حرمه السجن من زوجته وحريته)
إسراء عبدالفتاح: صلاح كان لديه أمل كبير في قضاء رمضان إلى جانبنا.. يصعب عليه تخيل صدمته بعد تلاشي وعود “الانفراجة”
زوجي متأثر مما يعانيه بينما يحاول الظهور متماسكا أمامنا.. ولم نتلق ردودا على طلبه المحاكمة بدلا من الحبس الاحتياطي المطول
ما زلت حبيسة رغم وجودي خارج السجن.. كل ما تغير انتقالي من إقامة في “القناطر” إلى زيارات لزوجي في “طرة”
كتب- محمود هاشم:
ما أصعب الانتظار على السجناء والمحبوسين، وما أقساه على ذويهم الذين يعيشون على أمل خروج ذويهم بعد أشهر وسنوات من المعاناة في غيابهم، بينما يأتي شهر رمضان وتتوق إليهم مقاعدهم الفارغة على موائد أسرهم، لتعود معها البهجة الغائبة، في الوقت الذي تنشغل الأيدي بالابتهال لعودتهم، وإعداد وجبات الإفطار لتسليمها لهم بوجوه تكسوها الحسرة، في أقرب زيارة لها خلف القضبان.
“صلاح كان لديه أمل كبير في الخروج قبل شهر رمضان الحالي، وقضاء الشهر إلى جانبنا، وملء مقعده الشاغر منذ سنتين ونصف من غيابه، تنفيذا للوعود التي تلقيناها بإخلاء سبيله قريبا، لكن يصعب عليَّ تخيل صدمته حينما أوزره في محبسه الثلاثاء المقبل، بينما يستمر حبيسا داخل جدران زنزانته، محروما من أبسط معاني الحرية”، تتحدث الزميلة إسراء عبدالفتاح بمرارة عن أوضاع زوجها الناشط السياسي محمد صلاح، المحبوس احتياطيا على ذمة القضية 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة.
في نهاية مارس الماضي، أكمل صلاح أكثر من 20 ألف ساعة غياب، تمثل 28 شهرا في الحبس الاحتياطي، على ذمة قضيتين، دون إحالة للمحاكمة حتى الآن، بينما يتوالى تجديد حبسه دون منحه حقه القانوني في لقاء قاضيه، توضح إسراء لـ”درب”: “القضية الأساسية التي تم القبض عليه بسببها كانت تضامنه معي بعد واقعة حبسي، فما المبرر لاستمراره في السجن حتى الآن بعد خروجي شخصيا، إذا كانت هناك أسباب أخرى عليهم إطلاعنا عليها، في الفترة الأخيرة تقدمنا بطلب للنائب العام المستشار حمادة الصاوي بإحالة صلاح للمحاكمة بدلا من الاستمرار في حبسه الاحتياطي المطول، كما تقدمنا بالطلب ذاته للمجلس القومي لحقوق الإنسان، لكن لم نتلق ردودا حقيقية حتى الآن”.
وضع صلاح داخل محبسه جيد صحيا، حسبما تؤكد زوجته، لكنه ما يزال متأثرا نفسيا مما يعانيه، بينما يحاول الظهور متماسكا أمامها وأمام أسرته، وهو ما تعزيه إلى حرصه على طمأنتهم والتخفيف عنهم للتهوين من فترة غياب الاضطراري.
تنشغل إسراء دوما بالسؤال عن مصير زوجها دون أن تجد ردا، وتظل هذه التساؤلات تطاردها ليل نهار: “ماذا يستمر حبسه حتى هذه اللحظة، طوال سنتين ونصف يعيش داخل زنزانته دون التحقيق معه في أي اتهامات موجهة إليه، لقد أخلي سبيله من قضية ليتم تدويره في أخرى بتهمة نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية، دون أن نعلم الخبر المتهم بنشره، أو الجماعة المتهم بالانضمام إليها، مع كل موعد نظر تجديد حبسه، يتم نقله إلى الحبسخانة في جلسات صورية لا يرى فيها قاضيه إطلاقا، فكيف يقرر القاضي تجديد حبس متهم دون حتى الاستماع إليه”.
تواصل الزوجة: “في كل فترة نتلقى وعودا بإخلاء سبيل صلاح ضمن قوائم إفراجات مرتقبة، ولا نجد ترجمة حقيقية لهذه الوعود على أرض الواقع، على الرغم من الحديث عن انفراجة في ملف المحبوسين، وتفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، فإلى متى علينا الانتظار لينال حريته”.
وتستكمل: “أنا ما أزال أشعر أنني حبيسة على الرغم من خروجي من السجن، كل ما تغير أنني انتقلت من إقامة دائمة في سجن القناطر، إلى زيارات دورية لزوجي في محبسه بسجن طرة، بينما ما تزال القضبان تفرقني عن الشخص الأهم الذي تمنيت خروجنا للحرية معا”.
في التاسع من مارس الماضي جددت محكمة جنايات القاهرة، حبس صلاح، 45 يوما احتياطيا على ذمة القضية 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة، في الوقت الذي دعت منظمات محلية ودولية بالإفراج الفوري عنه، بعد قضائه عامين ونصف في الحبس الاحتياطي، من دون أن يُقدَم إلى المحاكمة، لمجرد ممارسته السلمية لحقوقه الإنسانية”.
وتعود أحداث القبض على صلاح إلى مساء يوم 26 نوفمبر 2019 – قبل 855 يوما – فبينما كان جالسا مع صديقيه الصحفيين حسام الصياد وسولافة مجدي، على إحدى مقاهي حي الدقي بمحافظة الجيزة، كانت قوات الأمن تستعد لاقتحام المقهى والقبض عليهم، وهو ما حدث بعدها بقليل.
اتهمت قوات الأمن محمد صلاح اتهامات متنوعة في القضية 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة، من بينها مشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها، وهي القضية التي ظل على ذمتها منذ القبض عليه وحتى أغسطس 2020.
وقررت في اليوم نفسه حبس المصور حسام الصياد وزوجته سولافة مجدي على ذمة القضية نفسها، وسبتقهم الزميلة الصحفية إسراء عبدالفتاح بالحبس في نفس القضية، لكن بعد قرابة عام ونصف من الحبس الاحتياطي، أطلقت قوات الأمن سراح الثلاثة، بينما ظل صلاح محبوسا.
وبينما أصدرت محكمة جنايات القاهرة المنعقدة داخل غرفة المشورة في أغسطس 2020 قرارها بإخلاء سبيل صلاح على ذمة القضية، جرى تدويره على ذمة قضية جديدة حملت رقم 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة، باتهامات متشابهة مع قضيته الأولى.
واجه صلاح في القضية الجديدة تهم، نشر وبث وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة بما يشكل تهديدا للأمن القومي، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها غير المشروعة.
في فبراير الماضي، تقدم المحامي الحقوقي مختار منير، بطلب للنائب العام المستشار حمادة الصاوي، لتقديم موكله محمد صلاح، للمحاكمة ووقف حبسه الاحتياطي، وحمل الطلب المقدم للنائب العام رقم 922 لسنة 2022 عرائض النائب العام، وطالب بإحالة صلاح للمحاكمة بدلا من الاستمرار في حبسه الاحتياطي المطول.
وجاء في الطلب أن صلاح تحت الحبس الاحتياطي منذ القبض عليه في نوفمبر 2019، أي قبل أكثر من عامين وشهرين، على ذمة قضيتين.
وقالت إسراء إنه تم التقدم بالطلب ذاته للمجلس القومي لحقوق الإنسان عن طريق عضو المجلس جورج إسحاق وقد تم تسليمه إلى رئيسة المجلس السفيرة مشيرة خطاب، فضلا عن إرسال نسخ لعضوي المجلس محمد أنور السادات ونهاد أبو القمصان.
وفي رسالة من داخل محبسه، قال الناشط المحبوس: “سأتوقف نهائيا عن المطالبة بإخلاء سبيلي أو الإفراج عني، أريد تحويلي للمحاكمة، فسوف أتغاضي عن حبسي على ذمة القضية الأولى، فأنا محبوس على ذمة القضية الثانية لمدة ١٨ شهرا، وأطالب بمحاكمة علنية كما ينص القانون”.
وتابع: “إلى الأهل والأصدقاء، توقفوا عن المناشدة لإخلاء سبيلي، وتضامنوا مع طلبي لتحويلي للمحاكمة، إلى الأصدقاء والزملاء الإعلاميين والصحفيين، برجاء نشر طلبي في كل الجهات الصحفية الإلكترونية والمسموعة والمرئية حسب المتاح”.