المرأة قاضية بمجلس الدولة| معركة عائشة راتب والسنهوري تصل لمحطتها الأخيرة (أكثر من نصف قرن من محاولات انتزاع الحق )
كتب- أحمد سلامة
جلست المستشارة رضوى حلمي أحمد، أمس السبت، على منصة القضاء، كأول قاضية في تاريخ مجلس الدولة، منذ إنشائه في عام 1946، في الوقت الذي ما تزال المرأة عن منصات القضاء المدني والجنائي منذ عقود.
وحضرت القاضية ممثلة للمفوضين في جلسة الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار محمد حسام الدين، رئيس مجلس الدولة كأول قاضية تظهر على منصة محاكم مجلس الدولة، حيث عقدت جلسة الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، برئاسة المستشار محمد حسام الدين، رئيس مجلس الدولة، أمس، بحضورها على المنصة ممثلة لهيئة مفوضي الدولة.
“لا أحد كان يتوقع مثل هذا القرار التاريخى بجلوس المرأة على منصة مجلس الدولة”، هكذا علقت المستشارة رضوى حلمي في رسالتها للسيدات، مضيفة: “الزمن يتغير، ولابد من العمل على تطوير الذات والمستوى العلمى لاكتساب المهارات المختلفة، التى تعطى فرصة الالتحاق بأماكن متميزة، تظهر فيها براعة ومهارة المرأة”.
توالى جلوس عدد من القاضيات الأخريات كممثلات للمفوضين بجلسات القضاء الإداري والإدارية العليا، ورئيسات لعدد من جلسات هيئة المفوضين القائمة على تحضير الدعاوى.
وفي بداية الجلسة، رحب المستشار محمد حسام الدين، بالمستشارة رضوى، قائلا إنه حدث تاريخي تعتلي فيه قاضية لأول مرة منصة محاكم المجلس شأنها في ذلك شأن زملائها من القضاة الرجال.
وقالت مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة، إن صعود المرأة المصرية على منصة مجلس الدولة بعد ٧٢ عامًا، حق من حقوقها في “عصرها الذهبي”.
في يونيو الماضي، قرر المجلس الأعلى للهيئات القضائية، ، برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بدء عمل العنصر النسائي في مجلس الدولة والنيابة العامة اعتباراً من أول أكتوبر المقبل، مع اعتباره يوما للقضاء المصري، لتنهي بذلك معركة تاريخية داخل المنظومة القضائية في مصر منذ ما يزيد عن 70 عاما.
السيسي أصدر في نوفمبر الماضي قراراً جمهوريا بتعيين 98 قاضية بمجلس الدولة بآلية النقل من هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية، كما أعلن المجلس مؤخراً حاجته لتعيين خريجات من دفعة 2021 بكليات الحقوق والشريعة والقانون والشرطة بدرجة مندوب مساعد- أولى درجات السلك القضائي بالمجلس- ليفتح بذلك المجال أمام المرأة لتقلد ولاية القضاء بمجلس الدولة بعد سنوات عديدة من الرفض.
معركة عائشة راتب ومجلس الدولة
ساير قضاء مجلس الدولة وجهة النظر التي تحظر على المرأة تولي منصب القضاء عندما أثيرت أول مرة عام 1951، حيث تقدمت الدكتورة عائشة راتب وزيرة الشئون الاجتماعية السابقة وأستاذة القانون الدولي العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وسفيرة مصر السابقة للتعيين في مجلس الدولة ورفضها طلبها، بحسب تقرير صادر في 2015 عن الهيئة العامة للاستعلامات، بعنوان “المرأة المصرية والقضاء”.
لجأت عائشة إلى القضاء الإداري، الذي قضى في 2 فبراير سنة 1952 برئاسة الدكتور عبدالرازق السنهوري، بعدم أحقيتها على أساس أن قصر بعض الوظائف كوظائف مجلس الدولة والقضاء على الرجال دون النساء لا يعدو هو الآخر أن يكون وزنا لمناسبات التعيين في هذه الوظائف تراعي فيه الإدارة بمقتضى سلطتها التقديرية شتى الاعتبارات من أحوال الوظيفة وملابساتها وظروف البيئة وأوضاع العرف والتقاليد، دون أن يكون في ذلك حط من قيمة المرأة ولا ينال من كرامتها، ولا إنقاص من مستواها الأدبي والثقافي ولا يحط من نبوغها وتفوقها ولا إجحاف بها، وإنما هو مجرد تخيير الإدارة في مجالس تترخص فيه لملاءمة التعيين في وظيفة بذاتها بحسب ظروف الحال وملابساتها كما قدرتها هي، وليس في ذلك إخلال بمبدأ المساواة قانونا، ومن ثم فلا معقب لهذه المحكمة علي تقديرها ما دام قد خلا من إساءة استعمال السلطة).
وأثيرت هذه القضية للمرة الثانية في قضية هانم محمد حسن الموظفة الإدارية بمجلس الدولة عام 1978، عندما تقدمت للتعيين في إحدي الوظائف الفنية به، ورفض مجلس الدولة طلبها، ولجأت إلى محكمة القضاء الإداري، ورفضت طلبها وقضت المحكمة الإدارية العليا بعد أحقيتها لذات الاعتبارات التي أوردها حكم محكمة القضاء الإداري في عام 1952.
ووفقا للأحكام المتقدمة كان القضاء الإداري يرى أن مبدأ المساواة بين الجنسين في تولي الوظائف العامة لا يمنع من أن تقصر بعض الوظائف على أحد الجنسين، بحسب ظروف الحال وملابساتها التي ترجع إلى عوامل البيئة وأحكام التقاليد أو إلى طبيعة الوظيفة ومسؤولياتها وما تتميز به من مشقة أو ما يكتنفها من مخاطر وتتمتع الإدارة في ظل هذه الظروف بسلطة تقديرية لا تخضع فيها لرقابة القضاء إلا بالنسبة لإساءة استعمال السلطة.
ويلاحظ أن القضاء الإداري كان حتى قبل صدور القرار الأخير للمجلس الأعلى للقضاء، مستقراً على حرمان المرأة من تولي المناصب القضائية بمجلس الدولة، وصدر في هذا الشأن حكم من المحكمة الإدارية العليا قضى برفض تعيين موظفة إدارية بمجلس الدولة المصري في الوظائف الفنية به، واستند هذا الحكم إلى السلطة التقديرية المخولة للجهة الإدارية في تقدير ملاءمة تعيين المرأة في منصب معين.
كما استند إلى الدستور الذي ينص على ان الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وأنه لذلك يجب عدم الإخلال بما تقضي به أحكام الشريعة.
أكثر من نصف قرن من محاولات انتزاع الحق
مضي ما يزيد على نحو نصف قرن والمرأة المصرية تسعي بشتى السبل لنيل حقها في أن تترأس منصة القضاء، فعلي الرغم من عدم وجود نص دستوري يمنع تولي المرأة القضاء فقد ظلت منصة القضاء منصبًا عصيًا على المرأة لسنين كثيرة، وظلت المرأة المصرية تنادي بأحقيتها في اعتلاء منصة القضاء كأقرانها من الرجال، وناضلت المرأة كثيرا من أجل هذا الحلم.
كما أن الشريعة الإسلامية لا تمنع تولي المرأة منصب قاضية، ففي فتوى أصدرتها المؤسسة الدينية في مصر بتاريخ 22-10-2002 موقعة من كل من شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، ومفتي الجمهورية السابق وشيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب، ووزير الأوقاف الأسبق الدكتور محمود حمدي زقزوق، حين خاطب وزير العدل الأسبق المستشار فاروق سيف النصر هذه الجهات مجتمعة من أجل معرفة الموقف الشرعي من قضية تعيين المرأة في القضاء.
ونصت الفتوى على أنه لا يوجد نص صريح قاطع من القرآن الكريم أو من السنة النبوية المطهرة يمنع المرأة من تولي وظيفة القضاء، لكن بالرغم من أنها فتوى صريحة وواضحة وضوح الشمس، فإن كثيرًا من القضاة وللأسف شيوخهم الرافضين لتولي المرأة القضاء دائما ما يرددون في حجتهم لرفض تعيينها أنه أمر مخالف للشريعة الإسلامية.
دفوع دستورية وقانونية
وبالنظر للنصوص الدستورية والقانونية فلا يوجد فيها من النصوص ما يمنع من تولي المرأة وظائف القضاة، ونص الدستور الصادر سنة 1971 في المادة 40 منه على أن “المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”.
بل نص فى مادة 8 على أن ” تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين”، كما تنص المادة 11 منه على أن “تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في مجتمع ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية”.
كذلك تنص المادة 14 من الدستور علي أن” الوظائف العامة حق للمواطنين”، وأن العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة للمواطنين (مادة 12)
ولما كانت القوانين يجب أن تدور في فلك الدستور، فإن قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 لم يشترط من بين الشروط التي تطلبتها المادة 38 منه فيمن يعين في القضاء أن يكون من الذكور، وسارت على ذلك النهج باقي القوانين المنظمة للهيئات القضائية، فلم تضع أي حظر علي التحاق المرأة بالعمل فيها.
المواثيق الدولية والمساواة بين الجنسين
المواثيق الدولية نصت أيضا على مبدأ المساواة واحترام حقوق الإنسان وحماية الخدمات الأساسية للجميع، انطلاقاً من ميثاق الأمم المتحدة الصادر سنة 1945، ومروراً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سنة 1966، كذلك الشأن في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة ومنها:
اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة سنة 1952 التي نصت في مادتها الثالثة علي أن “للنساء أهلية تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الأعمال المقررة بمقتضي التشريع الوطني بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون تمييز”.
كذلك نصت علي مبدأ المساواة، اتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر سنة 1979، وكانت مصر من أوائل الدول العربية التي وقعت عليها في 20 يوليو سنة 1980 وأقرتها بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 434 لسنة 1981،
وصدقت عليها مع بعض التحفظات التي تتعلق بوجوب عدم الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، ومن المعلوم أن هذه الاتفاقيات تكون لها وفقاً للفقرة الأولي من المادة 151 من الدستور قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة.
أعراف تنتهك القانون
لم يميز البنيان القانوني المصري بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات العامة، ولا يورد على قاعدة المساواة إلا قيداً واحداً نصت عليه المادة 11 من الدستور، كما ورد في صورة تحفظ على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.. هذا القيد هو عدم الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية.
على الرغم من ذلك، نجد أن العرف والتقاليد القضائية جريا على عدم تعيين المرأة من مناصب القضاء لا علي أساس من القانون أو الدستور، وإنما لاعتبارات الملاءمة واعتبار أحوال وظيفة القضاء وملابستها وظروف البيئة وأوضاع العرف والتقاليد، وهي جميعها اعتبارات مخالفة للأصول الدستورية ولا تبرر تعطيل نصوص القانون.
تعيين أول قاضية يتحقق بعد 50 عاما
ثم جاء قرار رئيس الجمهورية فى 2003 بتعيين تهاني الجبالي بمنصب قاضية، بعد معركة طويلة استمرت أكثر من 50 عاما من تقديم أول طلب، وأصبحت عضواً في هيئة المحكمة الدستورية العليا وهي أعلى درجات السلم القضائي.
وفى سبتمبر 2006، طلب وزير العدل من رئيس محكمة النقض رئيس المجلس الأعلى للقضاء في مصر، تعيين المرأة “قاضية” من حيث المبدأ، وطبقا للقواعد المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية، إعمالا للمادة ٤٠ من الدستور المصري.
وفى أبريل 2007، أصدر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك قرارا جمهوريا بتعيين 31 قاضية من اللاتي تم اختيارهن من بين 124 سيدة تقدمن لهذا العمل من عضوات هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة.
وفى 9 أبريل 2007، أدت 30 قاضية اليمين القانونية أمام مجلس القضاء الأعلي برئاسة رئيس محكمة النقض رئيس مجلس القضاء الأعلى، والمتقدمات من عضوات هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة، وتم تعيين العديد منهن في هيئة قضايا الدولة وفي هيئة النيابة الإدارية، وبلغ عدد النساء في هيئة قضايا الدولة 72 امرأة عام 2004، من مجموع عدد أعضاء الهيئة الذي بلغ 1912 عضواً.
النيابة الإدارية.. البداية من هند طنطاوي
وبلغ عدد النساء في النيابة الإدارية نحو 436 امرأة من مجموع أعضائها البالغ نحو 1726 عضواً أي بنسبة 25%.
وتولت المرأة المصرية رئاسة هيئة النيابة الإدارية فترتين متتاليتين، وهما المستشارة هند عبد الحليم طنطاوى فى الفترة من 1998 إلى 2000، ثم تولت المستشارة ليلى عبد العظيم جعفر رئاسة الهيئة من 2000 إلى 2001
وشارك أعضاء هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة من النساء في الإشراف القضائي على الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2000.
كما شاركن في عضوية لجان التوفيق في المنازعات الذي أخذ به المشرع المصري بالقانون رقم 7 لسنة 2000، إذ تتولى المستشارات السابقات من هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية رئاسة عدد من اللجان المشار إليها.