“هيومن رايتس” توثق انتهاكات قطرية لأجور العاملين بتحضيرات كأس العالم: تراكمت عليهم الديون ولم يعودوا قادرين على إطعام أسرهم
وثقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عدم تلقي العمال الوافدين في شركة التجارة والمقاولات القطرية البارزة “بن عمران للتجارة والمقاولات”، التي تقود العديد من المشاريع الحالية المتعلقة بكأس العالم “فيفا” 2022 في قطر، رواتبهم لمدة تصل إلى خمسة أشهر. العاملون، وإنهم قدموا العديد من الشكاوى الرسمية إلى السلطات القطرية دون أي تأثير.
وطالبت المنظمة الحقوقي، الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” بالتحقيق الفوري في الانتهاكات ضد العمال المهاجرين الذين يجعلون كأس العالم في قطر ممكنا، وتعويض العمال الذين عانوا من تأخيرات في الأجور أو سرقتها.
وقال مايكل بَيْج، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “مع بقاء تسعة أشهر فقط على نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022، يتلقى العمال المهاجرون الذين يجعلون المسابقة ممكنة، في ظل ظروف صعبة وخطيرة أحيانا، أجورا متأخرة أو لا يتلقونها. بينما تستثمر السلطات القطرية في جهود العلاقات العامة الكبرى للفت الانتباه إلى إصلاحات العمل، فإنها نادرا ما تترجم أقوالها إلى أفعال عندما يتعلق الأمر بحقوق العمال الوافدين”.
وتحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 4 موظفين من شركة بن عمران لم يتقاضوا رواتبهم عن الأشهر الخمسة الماضية، والذين تراكمت عليهم ديون كبيرة لتغطية نفقات معيشتهم . بن عمران للتجارة والمقاولات، التي تصف نفسها بأنها شركة مقاولات من “الفئة أ” ورائدة في قطاعها، توظف قوة عاملة إجمالية تزيد عن 6,700، بحسب موقع الشركة على الإنترنت.
وقال الموظفون الذين تمت مقابلتهم إن الحجم الإجمالي للقوى العاملة في بن عمران انخفض في الأشهر الأخيرة، حيث غادر الموظفون إما بسبب إتمام عقودهم أو إنهائها أو بسبب انتهاكات الأجور.
وأضافوا أن أجور العمال الباقين تأخرت شهرين في بعض الحالات وخمسة أشهر في حالات أخرى، في انتهاك واضح لقانون العمل القطري، الذي يطالب أصحاب العمل بدفع الأجور بالكامل وفي الوقت المحدد. قالوا إن تأخر الأجور وعدم اليقين تسببا في قدر هائل من التوتر لأنهم يعتمدون على هذه الأجور لإطعام أسرهم واستمرار تعليم أطفالهم.
كما راجعت هيومن رايتس ووتش المذكرات التي أرسلتها إدارة الشركة إلى الموظفين تطلب منهم إما الاستمرار في العمل، رغم الرواتب المتأخرة وغير المدفوعة، أو مواجهة المزيد من الخصومات في الأجور. بموجب “اتفاقية العمل الجبري” الصادرة عن “منظمة العمل الدولية” (رقم 29)، يعتبر العمل قسريا أو جبريا عندما يُجبر العمال على العمل تحت التهديد بأي عقوبة، والتي يمكن أن تشمل حجب الأجور وعدم دفعها. قال موظفان إنه ردا على عدم دفع الأجور منذ أوائل فبراير، توقف الموظفون عن القيام بعمل حقيقي في مواقعهم، رغم استمرارهم في المجيء إلى مواقع عملهم لإثبات حضورهم.
وتستمر هذه الانتهاكات رغم العديد من الإصلاحات التي أدخلتها قطر منذ 2015، والتي قالت الحكومة إنها ستُحسِّن حماية أجور العمال المهاجرين. “نظام حماية الأجور” الحكومي، المصمَّم لضمان حصول العمال على رواتبهم من خلال التحويل المصرفي المباشر بحلول اليوم السابع من كل شهر، يسمح للحكومة بمراقبة مدفوعات الأجور ومعاقبة أصحاب العمل في حال عدم الامتثال. أنشئ “صندوق دعم وتأمين العمال”، الذي أصبح يعمل بكامل طاقته عام 2020، خصيصا لضمان دفع أجور العمال عندما لا تدفع الشركات أو تتوقف عن العمل.
لكن الأجور غير المدفوعة في بن عمران وغيرها من الشركات تظهر كيف يستمر خذلان العمال الضعفاء. كما وثقت أبحاث سابقة لـ هيومن رايتس ووتش، الوصف الأفضل لـ نظام حماية الأجور هو أنه نظام مراقبة للأجور تعيبه ثغرات كبيرة في قدرته الرقابية. وبالمثل، بالنسبة لـ صندوق دعم وتأمين العمال، وجد تقرير لـ “منظمة العفو الدولية” أن عملية صنع القرار مبهمة ومن غير الواضح كيف ومتى تستخدم السلطات الصندوق لصالح العمال الذين يعانون. الإصلاحات لحماية الأجور ليس لها أهمية بالنسبة للعمال المهاجرين إذا كان بإمكان أصحاب العمل حجب أجورهم، وتأخيرها، والخصم منها بشكل متكرر ولفترات طويلة دون أي عواقب حقيقية.
في 8 فبراير، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى السلطات القطرية تُعلِمها أن بعض العمال في شركة بن عمران لم يتقاضوا رواتبهم لمدة تصل إلى خمسة أشهر والبعض الآخر لأكثر من شهرين وطلبت الرد، لكن السلطات لم ترد. كما قال موظفو بن عمران إنهم قدموا شكاوى بشأن تأخر أجورهم إلى وزارة العمل، ومحكمة العمل، والشرطة القطرية، و”اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان” في فبراير، لكن دون نتيجة حتى الآن. قالوا إن الشرطة القطرية أكدت لهم أن رواتبهم ستُدفع بحلول نهاية فبراير.
إلا أن موظفا في بن عمران قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه حتى 3 مارس، لم تفِ الشرطة بهذا الوعد ولم يتقاضَ العمال رواتبهم بعد.
قال الموظفون الذين تمت مقابلتهم إن المئات من موظفي الشركة السابقين الذين إما يعملون في شركات أخرى الآن أو عادوا إلى بلدانهم الأصلية يقولون إن لديهم أجورا معلقة وينتظرون التسوية النهائية.
يقول موقع الشركة على الإنترنت إن مشاريعها الجارية تشمل “استاد البيت” في الخور، الذي سيستضيف مباريات كأس العالم، والطرق المحيطة بالاستاد، ومشروع “الطريق المداري الجديد” الذي سيربط مناطق وسط مدينة الدوحة بعدة ملاعب، منها الريان، والخور، ولوسيل. يقول الموقع إن ثلاثة من أكبر المشاريع الجارية تبلغ قيمتها بشكل لافت 1.4 مليار ريال قطري (384 مليون دولار أمريكي)، و699.7 مليون ريال قطري (192 مليون دولار أمريكي)، و688.9 مليون ريال قطري (189 مليون دولار أمريكي) على التوالي.
كانت هيومن رايتس ووتش قد كتبت إلى شركة بن عمران والسلطات القطرية في 8 فبراير/شباط 2020 بشأن تقارير مماثلة عن تأخر الأجور وعدم دفعها، دون تلقي رد. قال موظف وصف تأخر الأجور مرارا وتكرارا على مر السنين:
بين 2018 و2020، تأخرت رواتبنا من شهرين إلى خمسة أشهر. اعتادوا إرسال مذكرات رواتب إلينا كل شهر تفيد أن المدفوعات ستكون في موعدها اعتبارا من الشهر التالي، لكن هذه التأكيدات كانت كاذبة. لم نستلم رواتبنا في الوقت المحدد في أي شهر، كانت دائما دفعة متأخرة.
تكشف أبحاث هيومن رايتس ووتش الجارية أن الانتهاكات المتعلقة بالأجور ما تزال تمثّل تقصيرا منهجيا من العديد من أرباب العمل في قطر. العمال المهاجرون أساسيون في إعداد قطر لاستضافة أكثر من 1.2 مليون زائر خلال المباريات، وستكلف تذاكر كأس العالم على الأقل 302 دولار أمريكي في يوم الافتتاح في 21 نوفمبر و1,607 دولار للمباراة النهائية في 18 ديسمبر/كانون الأول. كلا السعرين أعلى من الحد الأدنى الشهري للأجور في قطر والبالغ 275 دولار في مارس/آذار 2021.
في أغسطس 2020، نشرت هيومن رايتس ووتش تقريرا في 78 صفحة بعنوان “’كيف نعمل بدون أجر؟ :‘انتهاكات أجور العمال الوافدين عشية كأس العالم فيفا قطر 2022″، والذي وثّق قيام أصحاب العمل المباشرين وشركات توريد العمال في قطر في كثير من الأحيان بتأخير أجور العمال، أو حجبها، أو الخصم منها تعسفا. غالبا ما تحجب الشركات مدفوعات العمل الإضافي المضمونة تعاقديا ومكافآت نهاية الخدمة، وتنتهك بانتظام عقودها مع العمال المهاجرين دون عقاب. في أسوأ الحالات، قال العمال إن أصحاب العمل توقفوا عن دفع أجورهم، وكثيرا ما كانوا يعانون في شراء الطعام.
يحظر القانون القطري على العمال الوافدين الانضمام إلى النقابات.
في ديسمبر 2020، أفادت هيومن رايتس ووتش أيضا عن حالات مماثلة لم تُدفع فيها رواتب مئات العمال من شركتين – “الإمبراطورية للتجارة والمقاولات” و”لاليبيلا للتنظيف والخدمات” – لشهور رغم إبلاغ السلطات مرارا بهذه الانتهاكات.
بالإضافة إلى السلطات القطرية، فإن الفيفا، التي اختارت قطر لاستضافة كأس العالم 2022، مسؤولة عن تقديم تعويض عن خسارة أرواح العمال المهاجرين وسبل عيشهم بموجب “مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان”.
وأوضح بَيْج أن قضية شركة بن عمران للتجارة والمقاولات تظهر أن الإجراءات التي اتخذتها قطر لإنهاء انتهاكات الأجور لا تحمي العمال الوافدين، ما ترك الشركات تواصل انتهاكاتها لحقوق العمال وحقوق الإنسان في ظل إفلات من العقاب.