في مؤتمر صحفي بالقاهرة .. سفارة أوكرانيا: كييف تنتظر إدانة الحرب الروسية والتخلي عن “الحياد”
القائم بالأعمال الأوكرانية: نطلب من مصر مساعدات إنسانية وطبية وأسلحة
روسلان نيشاي: الجالية المصرية نحو 6000 بينهم 3500 طالب.. ولابد من تنسيق مع السلطات البولندية والرومانية لإعادتهم
المتحدث: من مصلحة مصر وقف الحرب سريعا لأن الخسائر الاقتصادية ستتجاوز القمح إلى السياحة ومفاعل الضبعة
كتب – كارم يحيى (تجاوز 63 عاما)
عقد دبلوماسيو سفارة أوكرانيا في القاهرة برئاسة القائم بالأعمال “رسولان نيشاي” أمس الأحد، مؤتمرا صحفيا، ناشدوا خلاله الحكومة المصرية إدانة الحرب الروسية على بلادهم أسوة بدولة لبنان، والتخلي عما وصفوه بـ “موقف الحياد”، حيث أكد نيشاي إنهم “يفضلون أن يكون موقف مصر واضحا”.
وحذر من الآثار السلبية لحرب قد تطول على التبادل التجاري بين القاهرة وكييف واقتصاديات مصر، وبخاصة استيراد القمح وتدفق السائحين الأوكرانيين، وحتى على استمرار العمل في المشروعات العملاقة مع روسيا كمفاعل “الضبعة” النووي. كما توقع أن تطول الحرب إذا لم توقفها موسكو.
وانعقد المؤتمر الصحفي وسط حراسة مشددة من قوات الأمن لمقر السفارة في ضاحية بالمعادي جنوبي القاهرة، وإلى حد احتجازها “كارنيهات نقابة الصحفيين” إلى حين انتهاء المؤتمر، وإرسال صور منها إلى “جهات ما”.
وأبلغني “بوهدان هورفات” السكرتير الثاني للسفارة بأن ” الفيلا” التي تشغلها البعثة الدبلوماسية لبلاده قامت دولة أوكرانيا المستقلة بشرائها عام 2000، وليست من الموروثات المتعددة للبعثة الدبلوماسية السوفيتية في مصر. كما علمت منه بأنه البعثة بلا سفير حاليا حيث أنهى السابق عمله وغادر منذ عدة أشهر في انتظار أيفاد خلف له.
لابد من تنسيق مع بولندا ورومانيا لإعادة المصريين
وردا على سؤالي عن توافر إحصاءات حديثة لدى السفارة عن أعداد الجالية المصرية بما في ذلك طلبة الجامعات في أوكرانيا، قال الدبلوماسي “نيشاي” أن الأرقام الأدق دائما من المفترض أنها عند السفارة المصرية في كييف”، لكنه أضاف: “معلوماتنا بأن اجمالي أعداد الجالية المصرية في بلادنا نحو 6000 شخص، ومن بينهم نحو 3500 طالبا، إلا أن هذه أرقام غير رسمية”.
وقال: “أن هناك مصريين تدفقوا بعد اندلاع الحرب يوم 24 فبراير الجاري إلى غربي أوكرانيا على الحدود مع بولندا ورومانيا. ونعمل بالتنسيق مع السفير المصري في كييف على تسهيل دخولهم إلى البلدين الجارين تمهيدا لأن يستقلون الطائرات إلى مصر”. لكنه عاد واستدرك قائلا: “لابد من التنسيق كذلك مع السلطات البولندية والرومانية، ونحن نحاول من جانبنا المساعدة”.
وبشأن ما قاله المندوب نفسه في المؤتمر الصحفي عن شكاوى بدأت تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام من مصريين وجنسيات عربية أخرى بممارسة تمييز لسلطات البلدين الجارين بولندا ورومانيا تمنعهم من اجتياز الحدود، قال: “ليست لدينا معلومات عن هذا التمييز.. وبخصوص المصريين تحديدا أنا اتعامل مع وزارة الخارجية الأوكرانية لتسهيل إجراءات الخروج، لكن لا معلومات إلى الآن عن مدى النجاح في ذلك”. وأشار إلى أن الانتقال بالأصل بين أوكرانيا ودول الإتحاد الأوروبي بدون تأشيرة.
وتطرق القائم بالأعمال الأوكراني في القاهرة إلى جهود جارية لإعادة نحو 16 ألف سائح من مواطنيه موجودين حاليا في شرم الشيخ والغردقة ومرسى علم، وذلك من خلال رحلات جوية إلى دول الجوار إلى الغرب من أوكرانيا، نظرا لإغلاق المجال الجوي لبلده جراء العمليات الحربية. ووجه الشكر للسلطات المصرية لتعاونها وتحمل نفقات امتداد إقامة هؤلاء السائحين مجانا. وأضاف أنه قدم مذكرة لوزارة الخارجية، واتصلت به ممثلة لوزارة السياحة لمتابعة أزمة عودة السائحين الأوكرانيين العالقين بسبب الحرب.
تحذير من خسائر على الاقتصاد المصري
وحذر نيشاي من تأثيرات الحرب إن لم يتوقف القتال سريعا على مصر. وأوضح قائلا: “عدد السائحين الأوكرانيين الذين جاءوا في مصر العام الماضي 2021 بلغ ثلاثة ملايين سائح. وفي عام 2020 كانت أوكرانيا المصدر الثاني للسياحة الأجنبية بالنسبة لمصر. وبالطبع لو استمرت الحرب لن يأتيكم سائحون لا من أوكرانيا ولا من روسيا جراء العقوبات ضد موسكو”.
وذكر القائم بأعمال السفارة بأن السائحين الأوكرانيين عوضوا توقف السياحة الروسية لمصر لمدة نحو ست سنوات اعتبارا من عام 2015 وأصبحوا رقم واحد حينها. وهذا في إشارة إلى قرار الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” إيقاف الرحلات الجوية إلى مصر بعد تحطم وسقوط طائرة ركاب روسية فوق سيناء في حادث راح ضحيته نحو 224 من مواطنيه. وقالت أجهزة المخابرات الروسية إنه “إرهابي”.
وفي سياق تعداد الخسائر المحتملة على الاقتصاد المصري في حال استمرت الحرب الروسية على بلاده، قال القائم بالأعمال الأوكراني إنه وفق المعطيات الرقمية للعام الماضي 2021 فإن مصر هي أكبر شريك تجاري لأوكرانيا في أفريقيا والشرق الأوسط، وبحجم معاملات تجارية بلغ في هذا العام 2,3 مليار دولار. ولفت على نحو خاص إلى احتمال توقف شحن القمح والذرة والزيوت عبر البحر الأسود إلى مصر سواء من أوكرانيا أو روسيا في حال استمرار الحرب. وقال: “أوكرانيا باعت إلى مصر العام الماضي نحو 3,3 مليون طن قمح و2,2 مليون طن ذرة”. وعلما بأن المعطيات الرسمية المصرية تفيد باستيراد القاهرة نحو تسعين في المائة من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، وأنها هي المستورد الأول في العالم لهذه السلعة الاستراتيجية من أجل تصنيع الخبز.
وفي السياق ذاته، أشار إلى أن المشروعات العملاقة التي تنفذها روسيا في مصر كمفاعل الضبعة وغيرها سوف تتأثر إذا لم تتوقف الحرب جراء العقوبات الدولية على موسكو. وأكد قائلا: “مع عزل روسيا عن المجتمع الدولي جراء التصعيد في الحرب سيكون من المستحيل المضي في هذه المشروعات هنا في مصر”.
طلبات من القاهرة بعضها “خيالي”
واللافت أن سفارة أوكرانيا وزعت على الصحفيين المصريين حضور المؤتمر نصا مطبوعا من صفحتين اثنين ونصف الصفحة اختتم بدعوة مصر إلى تأكيد تضامنها مع كييف من خلال “دعم أوكرانيا بالأسلحة ومعدات الدفاع والذخيرة والوقود وما هو ضروري لمواجهة أكبر جيش في القارة الأوروبية”، فضلا عن مطالب أخرى من أجل توفير دعم مالي وتقديم مساعدات إنسانية.
وسأل مندوب الجريدة ذاتها هل تقدمت السفارة فعليا بطلب السلاح من السلطات المصرية وكيف؟ وما مدى واقعية هذا المطلب الذي يبدو “خياليا”، فأجاب الدبلوماسي نيشاي: تقدم بهذا المطلب الملحق العسكري للسفارة في القاهرة أمس، كما تقدمنا بمذكرة أخرى لوزارة الخارجية من أجل المساعدات الإنسانية والطبية ومعها ملحق بقائمة احتياجات يحتاجها المدنيون المتضررون من الهجوم الروسي”.
وشدد القائم بالأعمال الأوكراني أكثر من مرة أمام الصحفيين إلى انتظار كييف موقفا من القاهرة يدين الحرب. وقال أبلغت وزارة الخارجية المصرية أن “الحياد” يسمح باستمرار الحرب كما أرسلت مذكرة بالموقف ذاته إلى جامعة الدول العربية.
وأضاف: “ليس هذا وقت الحياد.. ولا شك أن مصالح مصر معنا في انتهاء الحرب في أسرع وقت ممكن، وأيضا حتى لا يتأثر اقتصادها.. وفعلا استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا يشكل خطورة على مصر”. وزاد على ذلك قوله: “نحن على استعداد بعد ايقاف القتال للدخول في مفاوضات مع روسيا، ولو في القاهرة”.
إسرائيل بين المرشحين لاستضافة المفاوضات
وكان نيشاي قد كشف في بداية المؤتمر الصحفي أن هناك اقتراحات بإجراء المفاوضات مع روسيا في إسرائيل وتركيا وعدة دول أوروبية. ولما عدت وسألته بعد انتهاء المؤتمر، قال في تصريح خاص بأن الاقتراح تم تداوله بين رئيس الوزراء الإسرائيلي “نفتالي بينيت” والرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي”. وعلما بأن شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية قد نقلت عن السفير الأوكراني لدى إسرائيل “يفجين كرونيتشوك” الليلة الماضية أن “زيلينسكي ” اتصل هاتفيا بـ”بينت” وطلب استضافة المفاوضات. كما نقلت الشبكة عنه أيضا قوله: “رئيسنا يعتقد أن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة التي لديها علاقات كبيرة مع كل من روسيا وأوكرانيا يمكن استخدامها لتسهيل المفاوضات”.
وأكد القائم بالأعمال الأوكراني بالقاهرة خلال المؤتمر الصحفي رفض حكومته استضافة دولة روسيا البيضاء (بلا روسيا) لهذه المفاوضات. وقال: “هي غير محايدة، وشاركت في الحرب ضدنا من خلال فتح حدودها للجيش الروسي واجراء تدريبات معه بأراضيها كي يهاجمنا. كما لدينا شكوك عن إطلاق صواريخ على مدننا من روسيا البيضاء”.
لم نطلب الانضمام “للناتو”
وخصص نيشاي جانبا من المؤتمر للحديث والرد على أسئلة الصحفيين عن مقدمات اندلاع الحرب والغزو الروسي لبلاده. ونفى طلب كييف الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”. وقال: “وليس عندنا صواريخ للناتو. وهذه أفكار يروجها بوتين من أجل أحلامه بإعادة الامبراطورية القيصرية الروسية. وهذا مع أن التاريخ يقول بأن جذور روسيا بما في ذلك الدينية في كييف من القرن الخامس الميلادي. وكل ما طلبناه وفقط توقيع اتفاقية منطقة حرة مع الاتحاد الأوروبي”. وأضاف: “من المستحيل أن يقبل الشعب الأوكراني تنصيب الروس حاكما على بلادنا”.
وتحدث نيشاي عن تنظيم مقاومة شعبية مسلحة في مختلف أنحاء أوكرانيا، وقال: “الروس يدمرون المساكن والمستشفيات. ولقد أوهم (بوتين) جنوده بأن الأوكرانيين سيستقبلونهم بترحاب. لكن اتضح انه حتى الحزب الموالي لموسكو في البرلمان (وقدره بنحو خمسة في المائة من إجمالي المقاعد) أدان نوابه الغزو الروسي.. نعم المعارضة عندنا أدانت الغزو”. وأشار إلى تكبد من وصفهم بـ”الغزاة الروس” خسائر في الأرواح والعتاد الحربي لم يتوقعوها.
إلا أن مجريات المؤتمر الصحفي من جانب الدبلوماسيين أو الصحفيين لم تتطرق إلى الاتهامات الرسمية الروسية لحكومة أوكرانيا بأنها واقعة تحت تأثير ما تطلق عليه “النازيين الجدد”.
الجيش الروسي لن يتوقف عند التهام أوكرانيا
وقال إن هناك تغييرا طرأ بعد شن الحرب على الموقفين الأوروبي والأمريكي. وأوضح: “قبلها بذلنا كل جهد مع شركائنا وأصدقائنا في الاتحاد الأوروبي. لكن كان لديهم شكوك حول إمكانية حدوث الحرب. وربما كان الجميع على اعتقاد بأن بوتين يهدد للضغط فقط. وروسيا بالأصل تستخدم غازها كأداة للضغط الاقتصادي والسياسي على الدول الأوروبية. لكن بعد بدء الهجوم في 24 فبراير 2022 فهم الجميع بأن الجيش الروسي لن يتوقف عند التهام أوكرانيا، وإنه سيتوسع إلى دول البلطيق وأوروبا الشرقية. ولذا فإن هناك اليوم موقف دولي موحد وضغط قوى على موسكو”.
وردا على سؤال عن الفارق مع أزمة عام 2014، قال القائم بالأعمال: “جيش أوكرانيا أقوى اليوم.. هو أقوى كثيرا. في السابق كان رئيس الدولة ووزيرا الدفاع والداخلية موالين لروسيا. وهذا على خلاف سيطرة الأوكرانيين اليوم على الدولة وأجهزتها.. كما لدى جيشنا الآن أسلحة حديثة”.