أحرقوا منازلنا وقتلوا أبناءنا وأرهبونا بـ”الأسود”.. عائلات ترهونة الليبية تريد العدالة لضحايا المقابر الجماعية
أ ف ب
تحمل مدينة ترهونة الليبية ندوب الانتهاكات التي ارتكبتها مجموعات مسلحة متعطشة للدماء على مدى سنوات، من اعتقال وتعذيب وقتل مدنيين تعسفاً، فيما لا تزال العائلات تنتظر تحقيق العدالة، حتى الآن، عثر على 260 جثة في مقابر جماعية، بحسب أرقام حكومية.
تؤكد غزالة علي وهي ترتدي سترة صوفية زرقاء وسوداء، “أولئك الذين قتلوا إخوتي وأبنائي، أريدهم أحياء”.
وتتذكر المرأة البالغة ستين عاما وهي تقف أمام منزلها محاطة بعشرات من أحفادها الذين باتوا يتامى “فاجأوهم في نومهم، وأخذوهم بالقوة ولم أرهم مجدداً”.
في ديسمبر 2019، اقتاد مسلحون يرتدون الزي العسكري والشرطة أربعة من أبنائها وسبعة من أشقائها بالقوة، وقد “قتلوا جميعًا تحت التعذيب” على ما تؤكد.
كانت ليبيا آنذاك مسرحاً لحرب أهلية، وكانت قوات المشير خليفة حفتر، رجل الشرق القوي، قد شنت هجومًا عسكريًا قبل بضعة أشهر في محاولة لاحتلال العاصمة طرابلس (غرب)، على بعد 80 كيلومترًا من ترهونة التي أصبحت قاعدة خلفية قوية لقواته، قبيل سقوطها لاحقاً.
عندما انسحبت قوات حفتر في يونيو 2020 من ترهونة، آخر معاقلها في غرب البلاد، بدأ مسلسل العثور على عشرات المقابر الجماعية في هذه البلدة الصغيرة المعروفة بزارعة الزيتون، مع ما رافق ذلك من انفعال وسخط حيال وحشية الأفعال المرتكبة في حق المئات من المدنيين.
تمكنت غزالة علي، التي كانت أرملة قبل هذه المأساة المروعة، من التعرف على أقاربها المفقودين في إحدى هذه المقابر الجماعية.
مجرمون
يتذكر ابن أخيها وليد الروماني يوم اختطف “مجرمون ذوو شعر طويل” والده. ويروي قائلا “أحاطوا بمنزلنا، وضربوه وأخذوه بعيدًا (..)، سمعت أحدهم يقول “أنجزت المهمة” في جهاز اتصال لاسلكي قبل اختفائه.
ويسأل المراهق البالغ 15 عاما وقد بدا الغضب على ملامحه: “أين العدل والدولة والقصاص” في قضية والده.
إضافة إلى الظلم، يشعر هؤلاء بالإهمال لعدم حصولهم على تعويض، فيما لم يتم كذلك اعتقال غالبية الجناة المزعومين في قضية المقابر الجماعية.
بدأت الانتهاكات قبل وقت طويل من هجوم حفتر، عندما سقطت المدينة في أيدي ميليشيا الكاني عام 2015.
تتألف قوة “الكاني” من 6 أشقاء وأتباعهم، وكانت تتمتع بقوة عسكرية مطلقة في المدينة آنذاك، وبث عناصرها الرعب في صفوف السكان المحليين، فيما قُضي بشكل منهجي على الأصوات الناقدة، حتى أن أقاربهم لم يسلموا من بطشهم، وذهبوا إلى حد استخدام “الأسود” لبث الرعب في ترهونة.
بعد طردهم من المدينة عقب انسحاب قوات حفتر وسيطرة قوات من طرابلس على المدينة، لا يزال ظلهم يخيم على المدينة الليبية. ويتجمع السكان أحيانًا أيام الجمعة لأداء صلاة الجنازة، عند التعرف على جثث منتشلة من المقابر الجماعية.
الثأر
قُتل ثلاثة من هؤلاء الأشقاء بينهم زعيمهم محمد الكاني، لكن لا يزال ثلاثة آخرين هاربين، في بنغازي في شرق ليبيا، وفي مصر والأردن، بحسب سكان المدينة.
وأصدر مكتب المدعي العام بطرابلس العام الماضي أوامر لملاحقتهم والقبض عليهم، لكن من دون نتيجة تذكر.
تقول غزالة علي بسخط “ليس هناك اعتقالات والقتلة فارون” موضحة أنها توجهت “ثلاث مرات إلى رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، لكن لم يرغب في استقبالي”.
لكنها تحذر من أنه “إذا لم يقبضوا على قتلة والده وأعمامه” قد يعمد ابن أخيها وليد الروماني “للثأر بالدم من المتورطين”.
كذلك، نفد صبر أشرف جاب الله البالغ 35 عامًا من بطء العدالة. في نوفمبر 2019، كان يحضر جنازة مع أقاربه عندما هاجمتهم “ميليشيات كاني”، لسبب لا يعرف، ويقول “حاولنا المقاومة ولكن كان هناك الكثير منهم”.
واقتيد خلال ذلك اليوم 10 من أقاربه قسراً إلى مكان مجهول، بينهم شقيقه “الشهيد خليل جاب الله”. وتم التعرف عليهم في مقابر جماعية لاحقا.
ويروي أنه “نُقل إلى المستشفى بشكل عاجل بسبب الصدمة التي تعرض لها” عقب اكتشاف أول مقبرة جماعية.
ويوضح جاب الله بأسف “أحرقوا منازلنا وسرقوا ممتلكاتنا وهجرنا، ورغم ذلك الدولة لم تتحرك حتى الآن من دون فهم أسباب”.