ظاهره “الرأفة” وباطنه “التضييق”.. كيف خالف قانون مكافحة الأوبئة الدستور بإقرار الحبس في قضايا النشر؟‎

البرلمان يوافق على القانون بعد استثناء الصحفيين فقط من الحبس.. ونائبة: يفتح الباب أمام حبس كل من تراه السلطات مخالفا‎

مها عبدالناصر: نص المادة “المطاط” يضع أي مواطن تحت طائلة الحبس.. لكن يبدو أنه لا نية لتعديله رغم اعتراضاتنا‎

محمود كامل: التعديل “رسالة تخويف” و”حجب مبطن”.. كيف نفرح بتقييد حق المواطن في المعرفة؟‎

البلشي: قصر “عدم الحبس في جرائم النشر” على فئة بعينها يضيف سببا آخر لعدم الدستورية.. والاستسلام للانتقاء سحب ‏لحق سيدفع ‏ثمنه الجميع

أقر مجلس النواب، خلال جلسته العامة، اليوم الثلاثاء، مشروع قانون مكافحة الأوبئة والجوائح الصحية، بعد تعديل مادته الخامسة المثيرة للجدل، باستثناء حبس الصحفيين في قضايا النشر، إلا أنه فتح مساحة أخرى من الجدل بعد حبس الباحثين والأشخاص بناء على المادة نفسها، المشوبة بشبهة عدم الدستورية.

نصت المادة قبل تعديلها على أن “يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أيٍ من التدابير الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء الصادر وفقًا لنص المادة (1) من هذا القانون أو القرارات الصادرة من اللجنة تنفيذاً لهذا القرار.

ويعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من حرض على مخالفة أيِ من التدابير الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء الصادر وفقًا لنص المادة (1) من هذا القانون أو القرارات الصادرة من اللجنة تنفيذاً لهذا القرار.

كما يعاقب بالعقوبة المقررة في الفقرة السابقة، كل من أذاع أو نشر أو روج عمداً أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة مرتبطة بالحالة الوبائية، وكان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين المواطنين أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة”.

وأضاف المجلس فقرة “مع عدم الإخلال بنص المادة 29 قانون تنظيم الصحافة والمجلس الأعلى والمجلس الأعلى للإعلام الصاردة بالقانون رقم 180 لسنة 2018، ومع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر”، إلى نص المادة، بعد اقتراح عدد من الأعضاء.

“رغم ما يبدو من التعديل أنه انتصار للصحافة في إطار منع حبس أبناء المهنة في قضايا النشر، إلا أنه في حقيقته هزيمة للصحافة وحرية التعبير، فحرمان أفراد المجتمع من ممارسة هذا الحق هو عدوان على حرية المواطنين يغلق باب من أبواب حرية التعبير والكتابة، ويحرم الصحافة من مصادرها وهو تعديل مخالف للدستور”، بحسب الوكيل السابق لمجلس النقابة ورئيس تحرير “درب” خالد البلشي”.

الأمر ذاته أكدته النائبة مها عبدالناصر، التي طالبت بحذف الفقرة الخاصة بالحبس في جرائم النشر بالكامل، قائلة إن التعديل، وعلى الرغم من منعه حبس الصحفيين، إلا أنه فتح الباب حبس أي شخص ينشر معلومات عن حالة الوباء أو ينقل خبرا قد تراه السلطات مخالفا، ومنهم مراكز الأبحاث، على سبيل المثال.

وأضافت مها لـ”درب”: “وزير الدولة للشؤون النيابية قال إن العقوبات لن تطبق على الباحثين أو غيرهم من المختصين، وستقتصر على متعمدي ما وصفها بإثارة الذعر ونشر الشائعات”، وتساءلت: “لماذا الإصرار على وضع هذه النصوص في كل قانون، على الرغم من وجودها بالفعل في قانون العقوبات”.

وتابعت: “المادة تقيد لحريات المواطنين، خاصة أن نصها مطاط ويسمح بأكثر من تأويل، من الممكن أن يضع أي شخص تحت طائلة الحبس بنص قانوني، كما أنها مشوبة بشبهة عدم الدستورية، لكن القانون تم إقراره بشكل نهائي ويبدو أنه لا نية لتعديله رغم اعتراضاتنا”.

التقرير النيابي للجنة المشتركة من لجنة الشئون الصحية ومكتب لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، أشار إلى أن “مشروع القانون جاء وفقاً لما ورد بالنصوص الدستورية والقواعد الدولية من التزامات تقع على عاتق الدولة تجاه مواطنيها بتوفير الأمن والطمأنينة والحق في حياة آمنة لكل مقيم على أراضيها، وكذلك لسد الفراغ التشريعي المنظم لمواجهة مثل تلك الأخطار حال وقوعها”، إلا أنه لم يتطرق إلى أزمة الحبس في قضايا النشر.

“ظاهره الرحمة وباطنه العذاب”، هكذا وصف عضو مجلس نقابة الصحفيين محمود كامل، تعديل المادة الخامسة من القانون بعد إقراره، قائلا لـ”درب”: “الصحافة في حد ذاتها مهنة قائمة على الحق في المعرفة، هذه المعرفة يوفرها الصحفي عن طريق المعلومات التي يحصل عليها من مصادره، سواء مركز بحثي أو طبيب أو مواطن أو غير ذلك، وهذه الفئة باتت مهددة بالحبس بناء على ما تنشر، ما يعد “رسالة تخويف” و”حجبا مبطنا” للمعلومة، الأمر يضر بالصحافة والحريات والمجتمع بشكل عام.

وأضاف كامل: “لا أعلم كيف لم ينتبه أعضاء مجلس النواب لهذه المخالفة الواضحة للمادة 71 من الدستور، التي تنص على عدم توقيع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية، التي وضعها المشرع لضمان حق المجتمع في المعرفة، وليس حماية الصحفيين من الحبس فقط، كيف نفرح بتقييد حق المواطن في المعرفة؟”.

وأكد عضو مجلس نقابة الصحفيين أن طلبه لمجلس النقابة لإدراج أزمة هذا القانون على جدول أعمال الاجتماع المقبل ما يزال قائما، ومن المقرر أن يدعو خلاله للمطالبة بإلغاء النص المثير للجدل حماية لحق المواطنين في المعرفة وحق المهنة في الحصول على المعلومة ونشرها للجمهور دون أي وسيلة للتضييق.

الوكيل السابق لمجلس نقابة الصحفيين خالد البلشي، دعا أعضاء مجلس النواب ممن صاغوا التعديل بهذه الطريقة التي وصفها بـ”المخلة وغير الدستورية” إلى تعديل النص، بحيث يشمل وقف عقوبة الحبس على الجميع، قائلا: “نحن ندافع عن حق المجتمع في التعبير وألا يكون الحبس عقوبة للكلام، مع تطبيق النص الدستوري علينا جميعا”.

وشدد البلشي على أن “عدم الحبس في جرائم النشر المنصوص عليه في الدستور ليس حقا فئويا وليس ميزة يختص بها الصحفيون وحدهم، ولكنه حق للمجتمع كله، بل أن قصر الحق على فئة بعينها يضيف سببا آخر لعدم الدستورية، وهو عدم المساواة بين المواطنين المنصوص عليها في الدستور، فالمعرفة حق للجميع وحرية التعبير حق للجميع ولابد أن يتساوى الجميع في الحصول عليه ليس لمهنة بعينه”.

وتابع: “عندما نطالب بمنع الحبس في قضايا النشر، نطالب به لكل من يكتب وينشر وقصره على فئات بعينها هو بداية إلغاء هذا الحق، لذلك فإن المطلب لابد أن يكون إلغاء الحبس في هذه المادة تماما”.

وأكد البلشي أن “النص الدستوري للجميع وعدم الحبس ميزة للمجتمع ككل، وحرية التعبير ليست قرينة بفئة دون الأخرى، وعقوبة الخبر الكاذب في كل حالاته أيا كان مصدره هي تكذيبه وليس الحبس”، موضحا أن الهدف الرئيسي الذي يجب أن ندافع عنه جميعا هو حرية تداول المعلومات وليس قصرها على مواطن دون الآخر، وأن الاستسلام لهذا الانتقاء هو سحب لحق سيدفع ثمنه الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *